اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

أي : وإذا فَرَغْتُم ، قضيتم صلاة الخوف أي : فرغتم من الصَّلاة ، وهذا يَدُلُّ على أن القَضَاء ، يستَعْمَلُ فيما فُعِلَ في وَقْتِهِ ، ومنه قوله : [ - تعالى - ]{[9601]} : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } [ البقرة : 200 ] ، ثم قال : { فَاذْكُرُواْ اللَّهَ } أي : صَلُّوا للَّه " قياماً " في حال الصِّحَّة و " قُعُوداً " في حال المَرَضِ " وعلى جُنُوبِكُم " عند الجروح والزِّمَانَة ، وقيل : قِيَاماً : حال المسايفة ، وقعوداً : حال اشتِغَالكُم بالرَّمي وعلى جُنُوبكم : حال سُقُوطكم على الأرْض مَجْروحين فقوله " قِياماً [ وقعودا ]{[9602]} " حالان من فَاعِل " اذكُرُوا " وكذلك " وعلى جُنُوبِكُم " فإنه في قُوَّة : مُضطَجِعِين ؛ فيتعلَّق بِمَحْذُوفٍ .

" فإذا أطْمَأنَنْتُم " أي : أمِنْتُم ، فالطُّمأنينة : سكُون النَّفس من الخَوْفِ حين{[9603]} تضع الحَرْبُ أوزارها ، " فأقِيموا الصَّلاة " أي : أتمُّوها بأرْكَانِها وقد تقدَّم الكَلاَم في البَقرة [ آية : 260 ] على قوله اطمأننتم ، وهل هيَ مَقْلُوبَةٌ أمْ لا ؟

وصرح أبو البَقَاءِ{[9604]} هنا بأنَّ الهَمْزَة أصْلٌ وأنَّ وَزْن الطُّمأنينة : فُعَلَّيلية ، وأن " طَأمَن " أصل أخَرَ برأسه ، وهذا مَذْهَبُ الجَرْمِي .

واعلم أنَّه قد تَقَدَّم حُكْمان :

أحدهما : قَصْر صلاة المُسَافِر .

والثَّاني : صَلاة الخَوْفِ ؛ فقوله : { فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [ يحتمل أنكُم إذا صِرْتم مقمين غير مُسَافِرين من الاطْمئْنَان فأقيمُوا الصَّلاة ]{[9605]} أي : أتمُّوها أرْبَعاً ، ويحتمل أن يَكُونَ المُراد من الاطْمِئْنَان ألاَّ يَبْقَى الإنْسَان مضْطَرب القَلْب ، بل يَصِير سَاكِن القَلْبِ ؛ بسبب زَوَالِ الخَوْفِ ، فعلى هذا فالمراد بإقامَة الصَّلاة : فعلها في حَالَةِ الأمْن .

ثم قال { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } أي : فَرْضاً موقوتاً ، قال مُجَاهِد : وَقَّتَه الله عَلَيْهم ، وقيل : واجِباً مَفْروضاً مقدراً{[9606]} في الحَضَر أرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، وفي السَّفَر ركْعَتَيْن ، والمراد بالكتاب هَهُنَا : المكْتُوب ؛ كأنه قيل : مكْتُوبَة مؤقتة{[9607]} و " مَوْقُوتاً " : صِفَة ل " كتاباً " بمعنى : مَحْدُوداً بأوقات ، فهو مِن : وَقَتَ مُخَفَّفاً ؛ كَمضروبٍ من ضَرَبَ ، ولم يَقُل : " مَوْقُوتَة " بالتَّاء مُرَاعاة ل " كتاب " فإنَّه في الأصْل مَصْدَر ، والمَصْدَر مُذَكَّر ، ومَعْنَى الموْقُوت : أنَّها كُتِبَت عَلَيْهِم في أوْقَات مؤقتة ، يقال : وقَّته وَوَقَتَه مخففاً ، وقُرِئ{[9608]} : { وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ } [ المرسلات : 11 ] بالتَّخْفِيفِ .

فصل

دلَّت هذه الآيَة على أنَّ وُجُوب الصَّلَوَاتِ مقدَّر بأوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ ، إلاَّ أنَّه - تعالى - أجْمَل الأوْقَات هَهُنَا وبَيَّنَها{[9609]} في مَوَاضِع أخر ، وهي خَمْسَة .

أحدُها : قوله [ - تعالى - ]{[9610]} { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [ البقرة : 238 ] فقوله : " الصَّلَوَات " يدل على ثَلاثِ صَلَوَاتٍ ، وقوله : " [ و ]{[9611]} الصَّلاة الوُسْطَى " يَمْنَع أن يَكُون أحد تِلْكَ الثَّلاث ، وإلا يَلْزَم التِّكْرَار ، فلا بُدَّ وأن تَكُون زَائِدَة على الثَّلاث ولا يُمْكِن أن يكونُ الوَاجِبُ أرْبَعَة ؛ لعدم حُصُول الوُسْطَى فِيهَا ، فلا بُدَّ من جَعْلِها خمْسَةً ؛ لتحصل الوُسْطَى ، وكما دَلَّت هَذِهِ الآيَة على وُجُوب خمس صلواتٍ ، دلت على عَدَمِ وجُوبِ الوتْر ، وإلا لَصَارَت الصَّلَواتُ الوَاجِبَة سِتَّة ، وحينئذٍ لا تَحْصُل الوُسْطى ، فهذه الآية دَلَّت على وُجُوب الصَّلَواتِ ، لا على بَيَانِ الأوْقَاتِ ، وأما الآيَات الأرْبَع البَاقِيَة ، فَمَذْكُورة [ في البقرة ]{[9612]} عند قوله : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ } .


[9601]:سقط في أ.
[9602]:سقط في ب.
[9603]:في ب: حتى.
[9604]:ينظر: الإملاء 1/193.
[9605]:سقط في ب.
[9606]:في أ: مقدارها.
[9607]:في ب: مكتوب مؤقت.
[9608]:ستأتي في المرسلات (11).
[9609]:في أ: وسماها.
[9610]:سقط في أ.
[9611]:سقط في ب.
[9612]:سقط في ب.