أي : وإذا فَرَغْتُم ، قضيتم صلاة الخوف أي : فرغتم من الصَّلاة ، وهذا يَدُلُّ على أن القَضَاء ، يستَعْمَلُ فيما فُعِلَ في وَقْتِهِ ، ومنه قوله : [ - تعالى - ]{[9601]} : { فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَّنَاسِكَكُمْ } [ البقرة : 200 ] ، ثم قال : { فَاذْكُرُواْ اللَّهَ } أي : صَلُّوا للَّه " قياماً " في حال الصِّحَّة و " قُعُوداً " في حال المَرَضِ " وعلى جُنُوبِكُم " عند الجروح والزِّمَانَة ، وقيل : قِيَاماً : حال المسايفة ، وقعوداً : حال اشتِغَالكُم بالرَّمي وعلى جُنُوبكم : حال سُقُوطكم على الأرْض مَجْروحين فقوله " قِياماً [ وقعودا ]{[9602]} " حالان من فَاعِل " اذكُرُوا " وكذلك " وعلى جُنُوبِكُم " فإنه في قُوَّة : مُضطَجِعِين ؛ فيتعلَّق بِمَحْذُوفٍ .
" فإذا أطْمَأنَنْتُم " أي : أمِنْتُم ، فالطُّمأنينة : سكُون النَّفس من الخَوْفِ حين{[9603]} تضع الحَرْبُ أوزارها ، " فأقِيموا الصَّلاة " أي : أتمُّوها بأرْكَانِها وقد تقدَّم الكَلاَم في البَقرة [ آية : 260 ] على قوله اطمأننتم ، وهل هيَ مَقْلُوبَةٌ أمْ لا ؟
وصرح أبو البَقَاءِ{[9604]} هنا بأنَّ الهَمْزَة أصْلٌ وأنَّ وَزْن الطُّمأنينة : فُعَلَّيلية ، وأن " طَأمَن " أصل أخَرَ برأسه ، وهذا مَذْهَبُ الجَرْمِي .
واعلم أنَّه قد تَقَدَّم حُكْمان :
أحدهما : قَصْر صلاة المُسَافِر .
والثَّاني : صَلاة الخَوْفِ ؛ فقوله : { فَإِذَا اطْمَأْنَنتُمْ فَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [ يحتمل أنكُم إذا صِرْتم مقمين غير مُسَافِرين من الاطْمئْنَان فأقيمُوا الصَّلاة ]{[9605]} أي : أتمُّوها أرْبَعاً ، ويحتمل أن يَكُونَ المُراد من الاطْمِئْنَان ألاَّ يَبْقَى الإنْسَان مضْطَرب القَلْب ، بل يَصِير سَاكِن القَلْبِ ؛ بسبب زَوَالِ الخَوْفِ ، فعلى هذا فالمراد بإقامَة الصَّلاة : فعلها في حَالَةِ الأمْن .
ثم قال { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَّوْقُوتاً } أي : فَرْضاً موقوتاً ، قال مُجَاهِد : وَقَّتَه الله عَلَيْهم ، وقيل : واجِباً مَفْروضاً مقدراً{[9606]} في الحَضَر أرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، وفي السَّفَر ركْعَتَيْن ، والمراد بالكتاب هَهُنَا : المكْتُوب ؛ كأنه قيل : مكْتُوبَة مؤقتة{[9607]} و " مَوْقُوتاً " : صِفَة ل " كتاباً " بمعنى : مَحْدُوداً بأوقات ، فهو مِن : وَقَتَ مُخَفَّفاً ؛ كَمضروبٍ من ضَرَبَ ، ولم يَقُل : " مَوْقُوتَة " بالتَّاء مُرَاعاة ل " كتاب " فإنَّه في الأصْل مَصْدَر ، والمَصْدَر مُذَكَّر ، ومَعْنَى الموْقُوت : أنَّها كُتِبَت عَلَيْهِم في أوْقَات مؤقتة ، يقال : وقَّته وَوَقَتَه مخففاً ، وقُرِئ{[9608]} : { وَإِذَا الرُّسُلُ وُقِّتَتْ } [ المرسلات : 11 ] بالتَّخْفِيفِ .
دلَّت هذه الآيَة على أنَّ وُجُوب الصَّلَوَاتِ مقدَّر بأوْقَاتٍ مَخْصُوصَةٍ ، إلاَّ أنَّه - تعالى - أجْمَل الأوْقَات هَهُنَا وبَيَّنَها{[9609]} في مَوَاضِع أخر ، وهي خَمْسَة .
أحدُها : قوله [ - تعالى - ]{[9610]} { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [ البقرة : 238 ] فقوله : " الصَّلَوَات " يدل على ثَلاثِ صَلَوَاتٍ ، وقوله : " [ و ]{[9611]} الصَّلاة الوُسْطَى " يَمْنَع أن يَكُون أحد تِلْكَ الثَّلاث ، وإلا يَلْزَم التِّكْرَار ، فلا بُدَّ وأن تَكُون زَائِدَة على الثَّلاث ولا يُمْكِن أن يكونُ الوَاجِبُ أرْبَعَة ؛ لعدم حُصُول الوُسْطَى فِيهَا ، فلا بُدَّ من جَعْلِها خمْسَةً ؛ لتحصل الوُسْطَى ، وكما دَلَّت هَذِهِ الآيَة على وُجُوب خمس صلواتٍ ، دلت على عَدَمِ وجُوبِ الوتْر ، وإلا لَصَارَت الصَّلَواتُ الوَاجِبَة سِتَّة ، وحينئذٍ لا تَحْصُل الوُسْطى ، فهذه الآية دَلَّت على وُجُوب الصَّلَواتِ ، لا على بَيَانِ الأوْقَاتِ ، وأما الآيَات الأرْبَع البَاقِيَة ، فَمَذْكُورة [ في البقرة ]{[9612]} عند قوله : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ } .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.