فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

{ قَضَيْتُمُ } بمعنى فرغتم من صلاة الخوف ، وهو أحد معاني القضاء ، ومثله : { فَإِذَا قَضَيْتُم مناسككم } [ البقرة : 200 ] { فَإِذَا قُضِيَتِ الصلاة فانتشروا فِى الأرض } [ الجمعة : 10 ] . قوله : { فاذكروا الله قياما وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ } أي : في جميع الأحوال حتى في حال القتال . وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به ، إنما هو أثر صلاة الخوف ، أي : إذا فرغتم من الصلاة ، فاذكروا الله في هذه الأحوال ؛ وقيل : معنى قوله : { فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة } إذا صليتم فصلوا قياماً وقعوداً أو على جنوبكم حسبما يقتضيه الحال عند ملاحمة القتال ، فهي مثل قوله : { فَإنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَانًا } [ البقرة : 239 ] . قوله : { فَإِذَا اطمأننتم } أي : أمنتم ، وسكنت قلوبكم ، والطمأنينة : سكون النفس من الخوف { فأقيموا الصلاة } أي : فأتوا بالصلاة التي دخل وقتها على الصفة المشروعة من الأذكار والأركان ، ولا تفعلوا ما أمكن ، فإن ذلك إنما هو في حال الخوف . وقيل : المعنى في الآية أنهم يقضون ما صلوه في حال المسايفة ؛ لأنها حالة قلق وانزعاج وتقصير في الأذكار والأركان ، وهو مرويّ عن الشافعي ، والأوّل أرجح { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتاً } أي : محدوداً معيناً ، يقال : وقته ، فهو موقوت ، ووقته فهو موقت . والمعنى : إن الله افترض على عباده الصلوات ، وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم ، أو سهو ، أو نحوهما .

/خ104