تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

الآية 103

وقوله تعالى : { فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } قيل : يحتمل وجهين : يحتمل : { فإذا قضيتم الصلاة } أي إذا فرغتم منها{ فاذكروا الله } على كل حال تستعينون به للنصر على عدوكم . كقوله تعالى :

{ إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا } ( الأنفال : 45 ) أمر بالثبات عند لقاء العدو وذكر الله استعانة منه على عدوهم . فعلى ذلك ( الأول ){[6447]} .

ويحتمل أن يكون معناه : إذا أردتم أن تفضلوا الصلاة{ فاذكروا الله } كثيرا في أي حال كنتم : في حال القيام والركوع والسجود كقوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } ( النساء : 102 ) . معناه ، والله أعلم ، إذا كنت فيهم ، فأردت أن تقيم لهم الصلاة{[6448]} ، فافعل كذا . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .

وقوله تعالى : { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } هذا ، والله أعلم ، مقابل قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } الآية : ( النساء : 101 ) وقد ذكرنا أن القصر يحتمل وجوها ؛ يحتمل القصر للضرب في الأرض ، وهو القصر في عدد الركعات ، ويحتمل للمرض والخوف ، فهو قصر الإيماء ، فنحن نأخذ بذلك كله على اختلاف الأحوال .

فعلى ذلك قوله : { فإذا اطمأننتم } يحتمل الوجوه التي ذكرنا : أي إذا اطمأننتم : صرتم أصحاء ، فصلوا كذا صلاة الأصحاء . ويحتمل : { فإذا اطمأننتم } أمنتم من الخوف فصلوا كذا . ويحتمل أيضا { فإذا اطمأننتم } إذا رجعتم ، وأقمتم ، صلوا صلاة المقيمين أربعا . فهذا ، والله أعلم ، على ما ذكرنا مقابل قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } .

وقوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي لها وقت كوقت الحج ، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه . وقيل : { كتابا موقوتا } محدودا فنحن نقول بهذا كله : إنها مفروضة موقتة محدودة على ( ما ذكر ){[6449]} ، والله أعلم .

والآية ترد على من يقول بأن على الكافر الصلاة لأنه أخبر ( الله تعالى ){[6450]} أنها{ كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } وهم يقولون على الكافرين والمؤمنين . لكنها كتبت على المؤمنين فعلا وعلى الكافرين قبولا . هذا ، والله أعلم ، معنى قوله : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي لم تزل كما {[6451]} كانت{ كتابا موقوتا } على الأمم السالفة لأن هذه الأمة خصت بها كقول إبراهيم عليه السلام : { رب اجعلن مقيم الصلاة ومن ذرتي } ( إبراهم : 40 ) وقول عيسى عليه السلام : { وأوصاني ابلصلاة والزكاة } ( مريم : 31 ) ، وقول موسى عليه السلام : { واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة } ( يونس : 87 ) .

ويحتمل قوله تعالى : { كانت } صارت{[6452]} { على المؤمنين كتابا موقوتا } بعد أن لم تكن .

وكل ذلك محتمل . لكن لا نشهد على الله أنه أراد كذا . وكذلك ف قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ( النساء : 101 ) وقوله تعالى : { فإذا اطمأننتم } نتأول فيه ، ونعمل فيه بالوجوه كلها على اختلاف الأحوال التي ذكرنا ، فلا نقطع القول فيه ، ولا نشهد على الله أنه أراد كذا . وهكذا السبيل ف جميع المجتهدات أن نعمل ، ولا نشهد على الله أنه أراد ذا وأم ب : ذا ، وبالله التوفيق .

ذكر الله تعالى ما بين فرض الصلاة ووجوبها في غير موضع من كتابه : منها الآية التي ذكرناها ، ومنها قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }( البينة : 5 ) وقوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } ( التوبة : 11 ) .

ولم تدل هذه الآيات على كيفية الصلاة وعددها وإنما دلت على وجوبها ولزوم فرضها . ودلت آيات أخر على عددها وجمل أوقاتها . قال الله سبحانه وتعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } ( الإسراء : 78 ) فهذه ثلاثة أوقات ذكر الله تعالى فيهن ثلاث صلوات .

وروي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6453]} قال : سألته عن قول الله سبحانه وتعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } قال : ( إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر { إلى غسق الليل } قال : بدء صلاة المغرب ) .

وعن ابن عمر رضي الله عنه ، ( أنه ){[6454]} قال : ( لدلوك الشمس ) : دلوكها{[6455]} زيغها بعد نصف/113-أ / النهار ، وهو وقت الظهر ) . وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6456]} قال : ( دلوكها : زوالها ) . وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس( أنهما قالا ){[6457]} : ( دلوك الشمس : غروبها ) فأي التأويلين كان دلوك الشمس فقد أوجب فيه صلاة وصلاة عند غسق الليل وصلاة عند الفجر ، فهذه ثلاث{[6458]} صلوات .

قال الله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } ( هود : 114 ) فأحد طرفي النهار يجب فيه صلاة الفجر ، وقد ذكر في هذه الآية . والطرف الآخر قبل غروب الشمس ، فهذه( خامسة ، وهي صلاة ){[6459]} العصر .

وروي أن الحسن رضي الله عنه ة( أن الصلوات الخمس مجموعة في هذه الآية : { وزلفا من الليل } قال : ( في الطرف الأول ){[6460]} صلاة الفجر ، والطرف الآخر الظهر والعصر ، { وزلفا من الليل } المغرب والعشاء ) . فأي التأويلين كان فإن صلاة العصر مذكورة في هذه الآية .

وعن ابن عباس رضي الله عنه ، ( أنه ){[6461]} قال : ( هاتان الآيتان ){[6462]} مواقيت الصلاة : { فسبحان الله حين تمسون } المغرب والعشاء{ وحين تصبحون } ( الروم : 17 ) الفجر{ وعشيا } العصر{ وحين تظهرون }( الروم : 18 ) الظهر ) .

وعن ابن عباس أيضا ( أنه قال : " الصلاة المكتوبة في قوله تعالى " {[6463]} { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار } ( طه : 130 ) .

دلت هذه الآية ، والله أعلم ، أن الله سبحانه وتعالى فرض على عباده في كل يوم وليلة خمس صلوات .

{ وبين }{[6464]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف فرضت الصلاة ؟ ومتى فرضت ؟ وروي عن عبادة بن الصامت ( أنه ){[6465]} قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " خمس صلوات كتبها الله تعالى على العباد ، فمن أتى بهن ، لم يضيع{[6466]} من حقهن شيئا استخفافا بحقهن ، فإن له عند الله عهدا أن يدخله الجنة . ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهدا ؛ إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " ) ( أبو داوود 1420 ) .

وعن أبي سعيد الخدري عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، حين بعث معاذا إلى اليمن قال : " إنك تأتي قوما أهل الكتاب ، فادعهم إلى الشهادة : أن لا إله إلا الله ، وأن رسول الله . فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله سبحانه وتعالى فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة " ( مسلم 19/31 ) .

وعلى ذلك اتفاق الأمة لا اختلاف بينهم . إلا أن قوما زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب بعد ذلك الوتر بقوله : " إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر " ( أحمد 2/181 ) وليس في الكتاب ذكر ولا دليل وجوبه ، فتركنا الكلام فيها . لكن أبا حنيفة رضي الله عنه سلك منها مسلك المكتوبة .


[6447]:ساقطة من الأصل وم.
[6448]:من م، في الأصل: الصلوات.
[6449]:في م: ما، ساقطة من الأصل.
[6450]:ساقطة من الأصل وم.
[6451]:في الأصل وم: هي.
[6452]:في الأصل وم: أي صارت.
[6453]:ساقطة من الأصل.
[6454]:ساقطة من الأصل وم.
[6455]:في الأصل وم: قال دلوكها.
[6456]:ساقطة من الأصل وم.
[6457]:في الأصل وم: قال.
[6458]:من م، في الأصل عند.
[6459]:في الأصل وم: رابعة وهي.
[6460]:ساقطة من الأصل وم.
[6461]:ساقطة من الأصل وم.
[6462]:في الأصل وم: هذه الآية.
[6463]:في اللأصل وم: قال الصلاة المكتوبة: مدرجة بعد نهاية الآية.
[6464]:من م، ساقطة من الأصل.
[6465]:ساقطة من الأصل وم.
[6466]:في الأصل وم: يفيض.