وقوله تعالى : { فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم } قيل : يحتمل وجهين : يحتمل : { فإذا قضيتم الصلاة } أي إذا فرغتم منها{ فاذكروا الله } على كل حال تستعينون به للنصر على عدوكم . كقوله تعالى :
{ إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا } ( الأنفال : 45 ) أمر بالثبات عند لقاء العدو وذكر الله استعانة منه على عدوهم . فعلى ذلك ( الأول ){[6447]} .
ويحتمل أن يكون معناه : إذا أردتم أن تفضلوا الصلاة{ فاذكروا الله } كثيرا في أي حال كنتم : في حال القيام والركوع والسجود كقوله تعالى : { وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة } ( النساء : 102 ) . معناه ، والله أعلم ، إذا كنت فيهم ، فأردت أن تقيم لهم الصلاة{[6448]} ، فافعل كذا . فعلى ذلك الأول ، والله أعلم .
وقوله تعالى : { فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة } هذا ، والله أعلم ، مقابل قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم } الآية : ( النساء : 101 ) وقد ذكرنا أن القصر يحتمل وجوها ؛ يحتمل القصر للضرب في الأرض ، وهو القصر في عدد الركعات ، ويحتمل للمرض والخوف ، فهو قصر الإيماء ، فنحن نأخذ بذلك كله على اختلاف الأحوال .
فعلى ذلك قوله : { فإذا اطمأننتم } يحتمل الوجوه التي ذكرنا : أي إذا اطمأننتم : صرتم أصحاء ، فصلوا كذا صلاة الأصحاء . ويحتمل : { فإذا اطمأننتم } أمنتم من الخوف فصلوا كذا . ويحتمل أيضا { فإذا اطمأننتم } إذا رجعتم ، وأقمتم ، صلوا صلاة المقيمين أربعا . فهذا ، والله أعلم ، على ما ذكرنا مقابل قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض } .
وقوله تعالى : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي لها وقت كوقت الحج ، وهو قول ابن مسعود رضي الله عنه . وقيل : { كتابا موقوتا } محدودا فنحن نقول بهذا كله : إنها مفروضة موقتة محدودة على ( ما ذكر ){[6449]} ، والله أعلم .
والآية ترد على من يقول بأن على الكافر الصلاة لأنه أخبر ( الله تعالى ){[6450]} أنها{ كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } وهم يقولون على الكافرين والمؤمنين . لكنها كتبت على المؤمنين فعلا وعلى الكافرين قبولا . هذا ، والله أعلم ، معنى قوله : { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي لم تزل كما {[6451]} كانت{ كتابا موقوتا } على الأمم السالفة لأن هذه الأمة خصت بها كقول إبراهيم عليه السلام : { رب اجعلن مقيم الصلاة ومن ذرتي } ( إبراهم : 40 ) وقول عيسى عليه السلام : { وأوصاني ابلصلاة والزكاة } ( مريم : 31 ) ، وقول موسى عليه السلام : { واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة } ( يونس : 87 ) .
ويحتمل قوله تعالى : { كانت } صارت{[6452]} { على المؤمنين كتابا موقوتا } بعد أن لم تكن .
وكل ذلك محتمل . لكن لا نشهد على الله أنه أراد كذا . وكذلك ف قوله تعالى : { وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة } ( النساء : 101 ) وقوله تعالى : { فإذا اطمأننتم } نتأول فيه ، ونعمل فيه بالوجوه كلها على اختلاف الأحوال التي ذكرنا ، فلا نقطع القول فيه ، ولا نشهد على الله أنه أراد كذا . وهكذا السبيل ف جميع المجتهدات أن نعمل ، ولا نشهد على الله أنه أراد ذا وأم ب : ذا ، وبالله التوفيق .
ذكر الله تعالى ما بين فرض الصلاة ووجوبها في غير موضع من كتابه : منها الآية التي ذكرناها ، ومنها قوله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة }( البينة : 5 ) وقوله تعالى : { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين } ( التوبة : 11 ) .
ولم تدل هذه الآيات على كيفية الصلاة وعددها وإنما دلت على وجوبها ولزوم فرضها . ودلت آيات أخر على عددها وجمل أوقاتها . قال الله سبحانه وتعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا } ( الإسراء : 78 ) فهذه ثلاثة أوقات ذكر الله تعالى فيهن ثلاث صلوات .
وروي عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6453]} قال : سألته عن قول الله سبحانه وتعالى : { أقم الصلاة لدلوك الشمس } قال : ( إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر { إلى غسق الليل } قال : بدء صلاة المغرب ) .
وعن ابن عمر رضي الله عنه ، ( أنه ){[6454]} قال : ( لدلوك الشمس ) : دلوكها{[6455]} زيغها بعد نصف/113-أ / النهار ، وهو وقت الظهر ) . وعن ابن عباس رضي الله عنه ( أنه ){[6456]} قال : ( دلوكها : زوالها ) . وقد روي عن ابن مسعود وابن عباس( أنهما قالا ){[6457]} : ( دلوك الشمس : غروبها ) فأي التأويلين كان دلوك الشمس فقد أوجب فيه صلاة وصلاة عند غسق الليل وصلاة عند الفجر ، فهذه ثلاث{[6458]} صلوات .
قال الله تعالى : { وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل } ( هود : 114 ) فأحد طرفي النهار يجب فيه صلاة الفجر ، وقد ذكر في هذه الآية . والطرف الآخر قبل غروب الشمس ، فهذه( خامسة ، وهي صلاة ){[6459]} العصر .
وروي أن الحسن رضي الله عنه ة( أن الصلوات الخمس مجموعة في هذه الآية : { وزلفا من الليل } قال : ( في الطرف الأول ){[6460]} صلاة الفجر ، والطرف الآخر الظهر والعصر ، { وزلفا من الليل } المغرب والعشاء ) . فأي التأويلين كان فإن صلاة العصر مذكورة في هذه الآية .
وعن ابن عباس رضي الله عنه ، ( أنه ){[6461]} قال : ( هاتان الآيتان ){[6462]} مواقيت الصلاة : { فسبحان الله حين تمسون } المغرب والعشاء{ وحين تصبحون } ( الروم : 17 ) الفجر{ وعشيا } العصر{ وحين تظهرون }( الروم : 18 ) الظهر ) .
وعن ابن عباس أيضا ( أنه قال : " الصلاة المكتوبة في قوله تعالى " {[6463]} { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار } ( طه : 130 ) .
دلت هذه الآية ، والله أعلم ، أن الله سبحانه وتعالى فرض على عباده في كل يوم وليلة خمس صلوات .
{ وبين }{[6464]} رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كيف فرضت الصلاة ؟ ومتى فرضت ؟ وروي عن عبادة بن الصامت ( أنه ){[6465]} قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : " خمس صلوات كتبها الله تعالى على العباد ، فمن أتى بهن ، لم يضيع{[6466]} من حقهن شيئا استخفافا بحقهن ، فإن له عند الله عهدا أن يدخله الجنة . ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهدا ؛ إن شاء عذبه وإن شاء أدخله الجنة " ) ( أبو داوود 1420 ) .
وعن أبي سعيد الخدري عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ، حين بعث معاذا إلى اليمن قال : " إنك تأتي قوما أهل الكتاب ، فادعهم إلى الشهادة : أن لا إله إلا الله ، وأن رسول الله . فإن أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله سبحانه وتعالى فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة " ( مسلم 19/31 ) .
وعلى ذلك اتفاق الأمة لا اختلاف بينهم . إلا أن قوما زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب بعد ذلك الوتر بقوله : " إن الله زادكم صلاة ألا وهي الوتر " ( أحمد 2/181 ) وليس في الكتاب ذكر ولا دليل وجوبه ، فتركنا الكلام فيها . لكن أبا حنيفة رضي الله عنه سلك منها مسلك المكتوبة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.