فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

{ فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ( 103 ) }

{ فإذا قضيتم الصلاة } أي فرغتم من صلاة الخوف وهو أحد معاني القضاء ، ومثله { فإذا قضيتم مناسككم } و { فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض } { فاذكروا الله } الأمر للندب لأنه في الفضائل { قياما وقعودا وعلى جنوبكم } في جميع الأحوال حتى حال القتال ، قال ابن عباس بالليل والنهار وفي البر والبحر وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة والسر والعلانية وعلى كل حال .

وعن ابن مسعود أنه بلغه أن قوما يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، فقال إنما هذه إذا لم يستطع الرجل أن يصلي قائما صلى قاعدا ، وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن هذا الذكر المأمور به إنما هو إثر صلاة الخوف أي فإذا فرغتم من الصلاة فاذكروا الله في هذه الأحوال ، وقيل معناها إذا صليتم فصلوا قياما وقعودا وعلى جنوبكم حسبما تقتضيه الحال عند ملاحمة القتال ، فهي مثل قوله { فإن خفتم فرجالا أو ركبانا } .

والمعنى أن ما أنتم عليه من الخوف جدير بالمواظبة على ذكر الله والتضرع إليه ، وعن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحيانه أخرجه الشيخان .

{ فإذا اطمأننتم } أي أمنتم بعد ما وضعت الحرب أوزارها وسكنت قلوبكم ، والطمأنينة سكون النفس من الخوف { فأقيموا الصلاة } أي فأتوا بالصلاة التي دخل وقتها على الصفة المشروعة من الأذكار والأركان ، ولا تفعلوا ما أمكن فإن ذلك إنما هو في حال الخوف ، وقيل المعنى في الآية أنهم يقضون ما صلوه في حال المسايفة لأنها حالة قلق وانزعاج وتقصير في الأذكار والأركان ، وهو مروي عن الشافعي ، والأول أرجح وقال مجاهد : فإذا اطمأننتم أي إذا خرجتم من دار السفر إلى دار الإقامة فأقيموا الصلاة ، قال أتموها أربعا من غير قصر ، وعن قتادة وابن المنذر نحوه{[535]} .

{ إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } أي فرضا محدودا معينا ، والكتاب هنا بمعنى المكتوب يعني مؤقتة في أوقات محدودة فلا يجوز إخراجها عن أوقاتها على أي حال كان من خوف أو أمن ، وقيل المعنى فرضا واجبا مقدرا في الحضر أربع ركعات وفي السفر ركعتين ، يقال وقته فهو موقوت ووقته فهو مؤقت .

والمقصود أن الله افترض على عباده الصلوات وكتبها عليهم في أوقاتها المحدودة لا يجوز لأحد أن يأتي بها في غير ذلك الوقت إلا لعذر شرعي من نوم أو سهو أو نحوهما ، قال ابن عباس : موقوتا مفروضا ، والموقوت الواجب ، فلا بد أن تؤدى في كل وقت حسبما قدر فيه .


[535]:القرطبي 374.