روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{فَإِذَا قَضَيۡتُمُ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ قِيَٰمٗا وَقُعُودٗا وَعَلَىٰ جُنُوبِكُمۡۚ فَإِذَا ٱطۡمَأۡنَنتُمۡ فَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَۚ إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ كَانَتۡ عَلَى ٱلۡمُؤۡمِنِينَ كِتَٰبٗا مَّوۡقُوتٗا} (103)

{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة } أي فإذا أديتم صلاة الخوف على الوجه المبين وفرغتم منها . { فاذكروا الله قياما وَقُعُوداً وعلى جُنُوبِكُمْ } أي فداوموا على ذكره سبحانه في جميع الأحوال حتى في حال ( المسابقة ) والمقارعة والمراماة ، وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال عقب تفسيرها : لم يعذر الله تعالى أحداً في ترك ذكره إلا المغلوب على عقله ، وقيل : المعنى وإذا أردتم أداء الصلاة واشتد الخوف أو التحم القتال فصلوا كيفما كان ، وهو الموافق لمذهب الشافعي من وجوب الصلاة حال المحاربة وعدم جواز تأخيرها عن الوقت ، ويعذر المصلي حينئذ في ترك القبلة لحاجة القتال لا لنحو جماح دابة وطال الفصل ، وكذا الأعمال الكثيرة لحاجة في الأصح لا الصياح أو النطق بدونه ولو دعت الحاجة إليه كتنبيه من خشي وقوع مهلك به أو زجر الخيل أو الإعلام بأنه فلان المشهور بالشجاعة لندرة الحاجة ولا قضاء بعد الأمن فيه ، نعم لو صلوا كذلك لسواد ظنوه ولو بإخبار عدل عدواً فبان أن لا عدو وأن بينهم وبينه ما يمنع وصوله إليهم كخندق ، أو أن بقربهم عرفاً حصناً يمكنهم التحصن به من غير أن يحاصرهم فيه قضوا في الأظهر ، ولا يخفى أن حمل الآية على ذلك في غاية البعد

{ فَإِذَا اطمأننتم } أي أقمتم كما قال قتادة ومجاهد وهو راجع إلى قوله تعالى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِى الارض } [ النساء : 101 ] ولما كان الضرب اضطراباً وكنى به عن السفر ناسب أن يكنى بالاطمئنان عن الإقامة ، وأصله السكون والاستقرار أي إذا استقررتم وسكنتم من السير والسفر في أمصاركم { فَأَقِيمُواْ الصلاة } أي أدوا الصلاة التي دخل وقتها وأتموها وعدلوا أركانها وراعوا شروطها وحافظوا على حدودها ، وقيل : المعنى فإذا أمنتم فأتموا الصلاة أي جنسها معدلة الأركان ولا تصلوها ماشين أو راكبين أو قاعدين ، وهو المروي عن ابن زيد ، وقيل : المعنى : فإذا اطمأننتم في الجملة فاقضوا ما صليتم في تلك الأحوال التي هي حال القلق والانزعاج ، ونسب إلى الشافعي رضي الله عنه وليس بالصحيح لما علمت من مذهبه { وَلاَ يُنَبّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ } [ فاطر : 14 ] .

{ إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كتابا } أي مكتوباً مفروضاً { مَّوْقُوتاً } محدود الأوقات لا يجوز إخراجها عن أوقاتها في شيء من الأحوال فلا بدّ من إقامتها سفراً أيضاً ، وقيل : المعنى كانت عليهم أمراً مفروضاً مقدراً في الحضر بأربع ركعات وفي السفر بركعتين فلا بدّ أن تؤدى في كل وقت حسبما قدر فيه ، واستدل بالآية من حمل الذكر فيما تقدم على الصلاة وأوجبها في حال القتال على خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصلاة } أي أديتموها { فاذكروا الله } في جميع الأحوال { قِيَاماً } في مقام الروح بالمشاهدة { وَقُعُوداً } في محل القلب بالمكاشفة { وعلى جُنُوبِكُمْ } أي تقلباتكم في مكان النفس بالمجاهدة { فَإِذَا اطمأننتم } ووصلتم إلى محل البقاء { فأقيموا الصلاة } فأدوها على الوجه الأتم لسلامة القلب حينئذٍ عن الوساوس النفسانية التي هي بمنزلة الحدث عند أهل الاختصاص { إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا } [ النساء : 103 ] فلا تسقط عنهم ما دام العقل والحياة