معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

قوله تعالى : { يا بني إسرائيل } . يا أولاد يعقوب . ومعنى إسرائيل : عبد الله ، وإيل هو الله تعالى ، وقيل صفوة الله ، وقرأ أبو جعفر : إسرائيل بغير همزة .

قوله تعالى : { اذكروا } . احفظوا ، والذكر : يكون بالقلب ويكون باللسان وقيل : أراد به الشكر ، وذكر بلفظ الذكر لأن في الشكر ذكراً وفي الكفران نسياناً ، قال الحسن : ذكر النعمة شكرها .

قوله تعالى : { نعمتي } . أي : نعمي ، لفظها واحد ومعناها جمع كقوله تعالى ( وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) .

قوله تعالى : { التي أنعمت عليكم } . أي على أجدادكم وأسلافكم . قال قتادة : هي النعم التي خصت بها بنو إسرائيل : من فلق البحر وإنجائهم من فرعون بإغراقه ، وتظليل الغمام عليهم في التيه ، وإنزال المن والسلوى ، وإنزال التوراة ، في نعم كثيرة لا تحصى ، وقال غيره : هي جميع النعم التي لله عز وجل على عباده .

قوله تعالى : { وأوفوا بعهدي } . بامتثال أمري .

قوله تعالى : { أوف بعهدكم } . بالقبول والثواب ، قال قتادة و مجاهد : أراد بهذا العهد ما ذكر في سورة المائدة ( ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا ) إلى أن قال ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ) فهذا قوله : أوف بعهدكم . وقال الحسن هو قوله ( وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة ) فهو شريعة التوراة ، وقال مقاتل : هو قوله ( وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) وقال الكلبي : عهد الله إلى بني إسرائيل على لسان موسى : إني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن اتبعه وصدق بالنور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين : وهو قوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ) يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم .

قوله تعالى : { وإياي فارهبون } . فخافوني في نقض العهد . وأثبت يعقوب الياءات المحذوفة في الخط مثل فارهبوني ، فاتقوني ، واخشوني ، والآخرون يحذفونها على الخط .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

هذا ، وبعد أن ذكر القرآن الكريم الناس جميعاً بنعم الله عليهم ، ليحملهم بذلك على إخلاص العبادة له ، وتصديق رسوله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، ومن بين هذه النعم خلق آدم وإظهار فضله على الملائكة ، بعد كل ذلك اتجه إلى تذكير طائفة خاصة من الكافرين المعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو إسرائيل ، استمالة لقلوبهم نحو الإِيمان بالله ، وكسرا لعنادهم ولجاجتهم ، فقال - تعالى - :

{ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ . . . } :

إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم - عليهم السلام - وفي إضافتهم إلى أبيهم إسرائيل تشريف لهم وتكريم ، وحث لهم على الامتثال لأوامر الله ونواهيه ، فكأنه قيل : يا بني العبد الصالح ، والنبي الكريم ، كونوا مثل أبيكم في الطاعة والعبادة .

ويستعمل مثل هذا التعبير في مقام الترغيب والترهيب ، بناء على أن الحسنة في نفسها حسنة وهي من بيت النبوة أحسن ، والسيئة في نفسها سيئة وهي من بيت النبوة أسوأ ، ففي هذا النداء . خير داع لذوي الفطر السليمة منهم إلى الإِقبال على ما يرد بعده من التذكير بالنعمة ، واستعمالها فيما خلقت له .

ومعنى { اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } تنبهوا بعقولكم وقلوبكم لتلك المنافع التي أتتكم على سبيل الإِحسان منى ، وقوموا بحقوقها وأكثروا من الحديث عنها بألسنتكم ، فإن التحدث بنعم الله فيه إغراء بشكرها .

والمراد بنعمة : المنعم بها عليهم ، وتجمع على نعم ، وقد وردت في القرآن الكريم بمعنى الجمع كما في قوله تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ الله لاَ تُحْصُوهَا } فإن لفظ العدد والإِحصاء قرينة على أن المراد بالنعمة : النعم الكثيرة ، ويبدوا أن المراد بالنعمة في الآية التي معنا كذلك النعم المتعددة حيث إنه لم يقم دليل على أن المراد بها نعمة معهودة ، وعلماء البيان يعدون استعمال المفرد في معنى الجمع - اعتماداً على القرينة - من أبلغ الأساليب الكلامية .

ثم أمرهم - سبحانه - بالوفاء بما عاهدهم عليه ، فقال تعالى : { وَأَوْفُواْ بعهدي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } العهد ما من شأنه أن يراعى ويحفظ ، كاليمين والوصية وغيرهما ، ويضاف إلى المعاهد والمعاهد جميعاً ، يقال : أوفيت بعهدي ، أي بما عاهدت غيري عليه ، وأوفيت بعهدك ، أي بما عاهدتني عليه ، وعهد الله : أوامره ونواهيه ، والوفاء به يتأتى باتباع ما أمر به ، واجتناب ما نهى عنه ، ويندرج فيه كل ما أخذ على بني إسرائيل من التوراة ، من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم متى بعث ، والإِيمان بما جاء به من عند الله وتصديقه فيما يخبر عن ربه .

والمعنى : وأوفوا بما عاهدتموني عليه من الإِيمان بي ، والطاعة لي ، والتصديق برسلي ، أوف بما عاهدتكم عليه من التمكين في الأرض في الدنيا والسعادة في الآخرة .

ثم أمرهم - سبحانه - بأن يجعلوا خوفهم من خالقهم وحده ، فقال - تعالى - { وَإِيَّايَ فارهبون } أي : خافوني ولا تخافوا سواي ، ولتكم قلوبكم عامرة بخشيتي وحدي ، فإن ذلك يعينكم على طاعتي ، ويبعدكم عن معصيتي .

وحذف متعلق الرهبة للعموم ، أي ارهبوني في جميع ما تأتون ، وما تذرون ، حتى لا أنزل بكم من النقم مثل ما أنزلت بمن قبلكم من المسخ وغيره ، فالآيات الكريمة قد تضمنت وعداً ووعيداً وترغيباً وترهيباً .

/خ43

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

يقول تعالى آمرا بني إسرائيل بالدخول في الإسلام ، ومتابعة محمد عليه من الله أفضل الصلاة والسلام ، ومُهَيجًا لهم بذكر أبيهم إسرائيل ، وهو نبي الله يعقوب ، عليه السلام ، وتقديره : يا بني العبد الصالح المطيع لله كونوا مثل أبيكم في متابعة الحق ، كما تقول : يا ابن الكريم ، افعل كذا . يا ابن الشجاع ، بارز الأبطال ، يا ابن العالم ، اطلب العلم ونحو ذلك .

ومن ذلك أيضاً قوله تعالى : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا } [ الإسراء : 3 ] فإسرائيل هو يعقوب عليه السلام ، بدليل ما رواه أبو داود الطيالسي : حدثنا عبد الحميد بن بهرام ، عن شهر بن حَوشب ، قال : حدثني عبد الله بن عباس قال : حضرت عصابة من اليهود نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم : " هل تعلمون أن إسرائيل يعقوب ؟ " . قالوا : اللهم نعم . فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " اللهم اشهد{[1625]} " {[1626]} وقال الأعمش ، عن إسماعيل بن رجاء ، عن عمير مولى ابن عباس ، عن عبد الله بن عباس ؛ أن إسرائيل كقولك : عبد الله .

وقوله تعالى : { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } قال مجاهد : نعمة الله التي أنعم بها عليهم فيما سمى وفيما سِوَى ذلك ، فَجَّر لهم الحجر ، وأنزل عليهم المن والسلوى ، وأنجاهم من عبودية آل فرعون .

وقال أبو العالية : نعمته أن جعل منهم الأنبياء والرسل ، وأنزل عليهم الكتب .

قلت : وهذا كقول موسى عليه السلام لهم : { يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ } [ المائدة : 20 ] يعني في زمانهم .

وقال محمد بن إسحاق : حدثني محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، في قوله : { اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } أي : بلائي عندكم وعند آبائكم لِمَا كان نجاهم به من فرعون وقومه { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قال : بعهدي الذي أخذت في{[1627]} أَعناقكم للنبي صلى الله عليه وسلم إذا جاءكم . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } أي : أنجز لكم ما وعدتكم عليه بتصديقه واتباعه ، بوضع ما كان عليكم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقكم بذنوبكم التي كانت من أحداثكم .

[ وقال الحسن البصري : هو قوله : { وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } الآية [ المائدة : 12 ] . وقال آخرون : هو الذي أخذه الله عليهم في التوراة أنه سيبعث من بني إسماعيل نبيًا عظيما يطيعه جميع الشعوب والمراد به محمد صلى الله عليه وسلم فمن اتبعه غُفر له ذنبه وأدخل الجنة وجعل له أجران . وقد أورد فخر الدين الرازي هاهنا بشارات كثيرة عن الأنبياء عليهم السلام بمحمد صلى الله عليه وسلم ]{[1628]} .

وقال أبو العالية : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي } قال : عهده إلى عباده : دينه الإسلام أن يتبعوه .

وقال الضحاك ، عن ابن عباس : { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قال : أرْض عنكم وأدخلكم الجنة .

وكذا قال السدي ، والضحاك ، وأبو العالية ، والربيع بن أنس .

وقوله : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي : فاخشون ؛ قاله أبو العالية ، والسدي ، والربيع بن أنس ، وقتادة .

وقال ابن عباس في قوله تعالى : { وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ } أي أنزل بكم ما أنزل{[1629]} بمن كان قبلكم من آبائكم من النَّقِمَات التي قد عرفتم من المسخ وغيره .

وهذا انتقال من الترغيب إلى الترهيب ، فدعاهم إليه بالرغبة والرهبة ، لعلهم يرجعون إلى الحق واتباع الرسول والاتعاظ بالقرآن وزواجره ، وامتثال أوامره ، وتصديق أخباره ، والله الهادي لمن يشاء إلى صراطه المستقيم ؛

ولهذا{[1630]} قال : { وَآمِنُوا بِمَا أَنزلْتُ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَكُمْ }


[1625]:في جـ: "اللهم فاشهد".
[1626]:رواه أحمد في المسند (1/273) عن حسين، عن عبد الحميد بن بهرام به.
[1627]:في جـ، ط، ب: "من".
[1628]:زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[1629]:في جـ، ط، ب: "ما أنزلت".
[1630]:في جـ: "فلهذا".
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ( 40 )

{ يا } حرف نداء مضمن معنى التنبيه .

قال الخليل : «والعامل في المنادى فعل مضمر كأنه يقول : أريد أو أدعو » .

وقال أبو علي الفارسي : العامل حرف النداء عصب به( {[525]} ) معنى الفعل المضمر فقوي فعمل ، ويدل على ذلك أنه ليس في حروف المعاني ما يلتئم بانفراده مع الأسماء غير حرف النداء ، و { بني } منادى مضاف و { إسرائيل } هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام ، وهو اسم أعجمي يقال فيه أسراءل وإسرائيل وإسرائل ، وتميم تقول إسرائين ، وإسرا هو بالعبرانية عبد وإيل اسم الله تعالى فمعناه عبد الله .

وحكى المهدوي أن -إسرا- مأخوذ من الشدة( {[526]} ) في الأسر كأنه الذي شد الله أسره وقوى خلقته .

وروي عن نافع والحسن والزهري وابن أبي إسحاق ترك همز إسراييل ، والذكر في كلام العرب على أنحاء ، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضد النسيان( {[527]} ) ، والنعمة هنا اسم الجنس فهي مفردة بمعنى الجمع ، وتحركت الياء من { نعمتي } لأنها لقيت الألف واللام ، ويجوز تسكينها ، وإذا سكنت حذفت للالتقاء وفتحها أحسن لزيادة حرف في كتاب الله تعالى( {[528]} ) ، وخصص بعض العلماء النعمة في هذه الآية .

فقال الطبري : «بعثة الله الرسل منهم وإنزال المن والسلوى ، وإنقاذهم من تعذيب آل فرعون ، وتفجير الحجر » .

وقال غيره : «النعمة هنا أن أدركهم مدة محمد صلى الله عليه وسلم » .

وقال أخرون : «هي أن منحهم علم التوراة وجعلهم أهله وحملته » .

قال القاضي أبو محمد رحمه الله : وهذه أقوال على جهة المثال ، والعموم في اللفظة هو الحسن .

وحكى مكي : أن المخاطب من بني إسرائيل بهذا الخطاب هم المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم ، لأن الكافر لا نعمة لله عليه . ( {[529]} )

وقال ابن عباس وجمهور العلماء : بل الخطاب لجميع بني إسرائيل في مدة النبي عليه السلام ، مؤمنهم وكافرهم ، والضمير في { عليكم } يراد به على آبائكم كما تقول العرب ألم نهزمكم يوم كذا لوقعة كانت بين الآباء والأجداد ، ومن قال إنما خوطب المؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم استقام الضمير في { عليكم } ويجيء كل ما توالى من الأوامر على جهة الاستدامة .

وقوله تعالى : { وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم } أمر وجوابه .

فقال الخليل : «جزم الجواب في الأمر من معنى الشرط ، والوفاء بالعهد هو التزام ما تضمن من فعل » .

وقرأ الزهري : «أوَفّ » بفتح الواو وشد الفاء للتكثير .

واختلف المتأولون في هذا العهد إليهم فقال الجمهور ذلك عام في جميع أوامره ونواهيه ووصاياه فيدخل في ذلك ذكر محمد صلى الله عليه وسلم في التوراة ، وقيل العهد قوله تعالى : { خذوا ما آتيناكم بقوة }( {[530]} ) [ البقرة : 63 ، 93 ] ، وقال ابن جريج : العهد قوله تعالى :

{ ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل }( {[531]} ) [ المائدة : 12 ] ، وعهدهم هو أن يدخلهم الجنة ، ووفاؤهم بعهد الله أمارة لوفاء الله تعالى لهم بعهدهم ، لا علة له ، لأن العلة لا تتقدم المعلول( {[532]} ) .

وقوله تعالى : { وإياي فارهبون } الاسم إيا والياء ضمير ككاف المخاطب ، وقيل { إياي } يجملته هو الاسم ، وهو منصوب بإضمار فعل مؤخر ، تقديره : وإياي ارهبوا فارهبون ، وامتنع أن يتقدر مقدماً لأن الفعل إذا تقدم لم يحسن أن يتصل به إلا ضمير خفيف ، فكان يجيء وارهبون ، والرهبة يتضمن الأمر بها معنى التهديد وسقطت الياء بعد النون لأنها رأس آية . وقرأ ابن أبي إسحاق بالياء .


[525]:- أحاط به ذلك فقواه فعمل.
[526]:- لو قال: "من الأسر بمعنى الشد" كان إسرائيل شد الله أسره، وقوى خلقه، ومنه قوله تعالى: [نحن خلقناهم وشددنا أسرهم].
[527]:- الذكر بالقلب: ضد النسيان، وباللسان: ضد الصمت، وفيه لغتان: الكسر والضم ويقال: الذكر بمعنى الشرف، كقوله تعالى: [وإنه لذكر لك ولقومك].
[528]:- وزيادة الحرف يترتب عليه زيادة الأجر- إذ كل حرف حسنات كما في الحديث.
[529]:- النعمة نعمتان: نعمة مطلقة، ونعمة مقيدة- فالنعمة المطلقة هي المتصلة بسعادة الأبد، وهي نعمة الإيمان والإسلام، وهي التي أمرنا الله سبحانه وتعالى أن نسأله في صلواتنا أن يهدينا صراط أهلها ومن خصهم بها، وجعلهم أهل الرفيق الأعلى حيث يقول: (ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا). فهذه الأصناف الأربعة هم أهل النعمة المطلقة، وإذا قيل ليس لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو صحيح- والنعمة المقيدة كنعمة الصحة والغنى، وعافية الجسد وبسطة الجاه، وكثرة الولد، وأمثال هذه، فهذه النعمة المقيدة مشتركة بين البر والفاجر، والمؤمن والكافر، وإذا قيل لله على الكافر نعمة بهذا الاعتبار فهو حق، فهذا فصل النزاع في هذه المسألة باختصار، وأكثر اختلاف الناس يأتي من جهتين –أحدهما: اشتراك الألفاظ وإجمالها، والثانية: من جهة الإطلاق والتفصيل، الله أعلم.
[530]:- من الآية 63 من سورة البقرة.
[531]:- من الآية 12 من سورة المائدة.
[532]:- بل هي مقارنة له، ولا تكون سابقة عليه، كما يقال: يجب الجلد بالزنا، والظهر بالزوال، وتحرم الخمر بالإسكار فذلك علة للوجوب، وللحرمة، لأن الأحكام تضاف إليها، ومن ثم كانت لا تفارق المعلول.