النكت و العيون للماوردي - الماوردي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

قوله عز وجل : { يا بَنِي إسْرَائِيلَ اذْكُرُا نعمتي الَّتي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } .

وإسرائيل هو يعقوبُ بنُ إسحاقَ بن إبراهيمَ ، قال ابنُ عباس : " إسرا " بالعبرانية : عبد ، و " إيل " هو الله ، فكان اسمه عبدَ الله .

وقوله : { اذْكُروا نِعْمَتِيَ } والذكر اسم مشترك ، فالذكر بالقلب ضد النسيان ، والذكر باللسان ضد الإنصات ، والذكر الشرف ، وقال الكسائي : ما كان بالقلب فهو مضموم الذال ، وقال غيره : هو لغتان : ذِكر وذُكر ، ومعناهما واحد .

والمراد بالآية الذكر بالقلب ، وتقديره : لا تغفلوا عن نعمتي ، التي أنعَمْتُ عليكم ولا تَنَاسَوْها .

وفي النعمة التي أنعمها عليهم قولان :

أحدهما : عموم نِعَمِهِ الَّتي أنعم بها على خلْقِهِ ، كما قال تعالى :

{ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لاَ تُحْصُوهَا }{[96]} .

والثاني : وهو قول الحسن البصري ، أنه أراد نِعَمَهُ عَلَى آبائهم ، إذ نجَّاهم من آل فرعون ، وجعل منهم الأنبياء ، وأنزل عليهم الكتب ، وفجَّر لهم الحَجَرَ ، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى ، والنعم على الآباء ، نعم على الأبناء ، لأنهم يَشْرُفون بشرف آبائهم .

وفي قوله تعالى : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } قولان :

أحدهما : أوفوا بعهدي الذي أخذتُ عليكم من الميثاق ، أن تؤمنوا بي وتصدقوا رُسُلي ، أُوفِ بعهدكم على ما وعدتكم من الجنة .

والثاني : قاله عبد الله بن عباس : أَوْفُوا{[97]} بما أَمَرْتُكم ، أُوفِ بما وَعَدْتُكم إِيَّاهُ .

وفي تسمية ذلك عهداً قولان :

أحدهما : لأنه عَهْدُهُ في الكتب السالفةِ .

والثاني : أنه جعله كالعهد ، الذي هو يمين لِلُزُوم الوفاءِ بهما معاً .


[96]:- "..لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار" الآية 34 من سورة إبراهيم و"...لا تحصوها إن الله لغفور رحيم" الآية 18 من سورة النحل.
[97]:- في ك: وقولوا بما أمرتكم به أوف بما وعدتكم إياه.