فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

{ يا بني إسرائيل } اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم عليهم السلام ، ومعناه عبد الله ، لأن إسر في لغتهم هو العبد ، وإيل هو الله ، وكذلك جبريل هو عبد الله وميكائيل عبد الله ، قال القفال إن إسر بالعبرانية في معنى إنسان كأنه قيل رجل الله ، وقيل معناه صفوة الله ، والأول أولى ، والمعنى يا أولاد يعقوب .

والخطاب مع جماعة اليهود الذين كانوا بالمدينة من ولد يعقوب في أيام محمد صلى الله عليه وسلم قيل أن له إسمين . وقيل أن إسرائيل لقب له وهو اسم أعجمي غير منصرف ، وقد تصرفت فيه العرب بلغات كثيرة أفحصها لغة القرآن وهي قراءة الجمهور ، استدل به على دخول أولاد الأولاد في الوقف على الأولاد .

{ اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } أي اشكروا ، وإنما عبر عنه بالذكر لأن من ذكر النعمة فقد شكرها ، ومن جحدها فقد كفرها : والذكر بالكسر هو ضد الإنصات ، وبالضم ضد النسيان ، وجعله بعض أهل العلم مشتركا بين ذكر القلب واللسان ، وقال الكسائي ما كان بالقلب فهو مضموم الذال ، وما كان باللسان فهو مكسور الذال .

قال ابن الأنباري : والمعنى في الآية اذكر واشكر نعمتي فحذف الشكر اكتفاء بذكر النعمة وهي اسم جنس ، وحدها أنها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ، وقيل المنفعة الحسنة والأول أولى ، والكلام على قيود هذا الحد وضروب النعمة مستوفي في تفسير الرازي فليراجعه .

والنعم المخصوصة ببني إسرائيل كثيرة من جملتها أنه جعل منهم أنبياء وأنزل عليهم الكتاب والمن والسلوى ، وأخرج لهم الماء من الحجر ونجاهم من آل فرعون وفلق إن هذه النعمة هي إدراك المخاطبين بها زمن محمد صلى الله عليه وسلم والأول أولى قال ابن الفارس فيه دليل على أن الله على الكفار نعمة خلافا لمن قال لا نعمة لله عليهم ، وإنما النعمة للمؤمنين .

{ وأوفوا بعهدي } أي امتثلوا أمري ، يقال أوفى ووفى مشددا ، ووفى مخففا ، ثلاث لغات بمعنى واحد وقيل يقال وفيت ووفيت بالعهد وأوفيت بالكيل لا غير ، واختلف أهل العلم في العهد المذكور في هذه الآية ما هو فقيل هو المذكور في قوله تعالى { خذوا ما آتيناكم بقوة } وقيل هو ما في قوله { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا } وقيل هو قوله { ولقد أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } وقيل أن المراد من هذا العهد ما أثبته في الكتب المتقدمة من وصف محمد صلى الله عليه وسلم وإنه سيبعثه على ما صرح بذلك في سورة المائدة بقوله { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل } إلى قوله { لأكفرن عنكم سيآتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار } وقال في سورة الأعراف { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون ، الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل } .

وأما عهد الله معهم فهو أن ينجز لهم ما وعدهم من وضع ما كان عليهم من الإصر والأغلال التي كانت في أعناقهم ، وقال { وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما أتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق } الآية وقال { وإذا قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } وقال ابن عباس إن الله تعالى كان عهد إلى بني إسرائيل في التوراة إني باعث من بني إسماعيل نبيا أميا فمن تبعه وصدق بالنور الذي يأتي به أي بالقرآن غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة ، وجعلت له أجرين ، أجرا باتباع ما جاء به موسى وجاءت به سائر أنبياء بني إسرائيل ، وأجرا باتباع ما جاء به محمد النبي الأمي من ولد إسماعيل ، وتصديق هذا القرآن في قوله تعالى { الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون } إلى قوله { أولئك يؤتون أجرهم مرتين بما صبروا } .

وكان علي ابن عيسى يقول تصديق ذلك في قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته } وتصديقه أيضا فيما روى أبو موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ( ثلاثة يؤتون أجرهم مرتين رجل من أهل الكتاب آمن بعيسى ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فله أجران ، ورجل أدب أمته فأحسن تأديبها وعلمها فأحسن تعليمها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران ورجل أطاع الله وأطاع سيده فله أجران ) .

ولنذكر الآن بعض ما جاء في كتب الأنبياء المتقدمين من البشارة بمقدم محمد صلى الله عليه وسلم .

فالأول : جاء في الفصل التاسع من السفر الأول من التوراة إن هاجر لما غضبت عليها سارة تراءى لها ملك الله فقال لها يا هاجر أين تريدين ومن أين أقبلت ، قالت أهرب من سيدتي سارة فقال لها ارجعي إلى سيدتك واخفضي لها فإن الله سيكثر زرعك وذريتك وستحبلين وتلدين ابنا وتسميه إسماعيل من أجل أن الله سمع تبتلك وخشوعك ، وهو يكون عين الناس ، وتكون يده فوق الجميع ويد الجميع مبسوطة إليه بالخضوع وهو يشكر على رغم جميع إخوته .

وأعلم أن الاستدلال بهذا الكلام أن هذا الكلام خرج مخرج البشارة وليس يجوز أن يبشر الملك من قبل الله بالظلم والجور ، وبأمر لا يتم إلا بالكذب على الله تعالى ، ومعلوم أن إسماعيل وولده لم يكونوا متصرفين في الكل أعني في معظم الدنيا ومعظم الأمم ، ولا كانوا مخالطين للكل على سبيل الاستيلاء إلا بالإسلام لأنهم كانوا قبل الإسلام محصورين في البادية لا يتجاسرون على الدخول في أوائل العراق وأوائل الشام إلا على أتم خوف ، فلما جاء الإسلام استولوا على الشرق والغرب بالإسلام ومازجوا الأمم ووطئوا بلادهم ومازجتهم الأمم وحجوا بيتهم ودخلوا باديتهم بسبب مجاورة الكعبة .

فلو لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم صادقا لكانت هذه المخالطة منهم للأمم ومن الأمم لهم معصية لله تعالى وخروجا عن طاعته إلى طاعة الشيطان ، والله يتعالى عن أن يبشر بما هذا سبيله .

والثاني : جاء في الفصل الحادي عشر من السفر الخامس : أن الرب إلهكم يقيم لكم نبيا مثلي من بينكم ومن إخوانكم ، وفي هذا الفصل أن الرب تعالى قال لموسى إني مقيم لهم نبيا مثلك من بين إخوانهم وأيما رجل لم يسمع كلماتي التي يؤديها عني ذلك الرجل باسمي أنا أنتقم منه .

وهذا الكلام يدل على أن النبي الذي يقيمه الله تعالى ليس من بني إسرائيل كما أن من قال لبني هاشم أنه سيكون من إخوانكم إمام ، عقل منه أنه لا يكون من بني هاشم ، ثم أن يعقوب عليه السلام هو إسرائيل ولم يكن له أخ إلا العيص ، ولم يكن للعيص ولد من الأنبياء سوى أيوب ، وأنه كان قبل موسى عليه السلام فلا يجوز أن يكون موسى عليه السلام مبشرا به ، وأما إسماعيل فإنه كان أخا لإسحاق والد يعقوب ، ثم أن كل نبي بعث بعد موسى كان من بني إسرائيل ، فالنبي عليه السلام ما كان منهم ، لكنه كان من إخوانهم لأنه من ولد إسماعيل الذي هو أخو إسحاق عليهم السلام .

فإن قيل قوله { من بينكم } يمنع من أن يكون المراد محمدا صلى الله عليه وسلم ، لأنه لم يقم من بين بني إسرائيل .

قلنا بل قد قام من بينهم لأنه عليه السلام ظهر بالحجاز فبعث بمكة وهاجر إلى المدينة وبها تكامل أمره وقد كان حول المدينة بلاد اليهود كانوا كخيبر وبني قينقاع والنضير وغيرهم ، وأيضا فإن الحجاز يقارب الشام وجمهور اليهود كانوا إذ ذاك بالشام ، فإذا قام محمد صلى الله عليه وسلم بالحجاز فقد قام من بينهم وأيضا فإنه إذا كان من إخوانهم فقد قام من بينهم فإنه ليس ببعيد منهم .

والثالث : قال في الفصل العشرين من هذا التفسير : أن الرب تعالى جاء في طور سيناء وطلع لنا من ساعير وظهر من جبال فاران وصف عن يمينه عنوات القديسين فمنحهم العز وحببهم إلى الشعوب ودعا لجميع قديسيه بالبركة .

وجه الاستدلال أن جبل فاران وهو بالحجاز لأن في التوراة أن إسماعيل تعلم الرمي في برية فاران ومعلوم أنه إنما سكن بمكة .

إذا ثبت هذا فنقول إن قوله { فمنحهم العز } لا يجوز أن يكون المراد إسماعيل عليه السلام لأنه لم يحصل عقيب سكنى إسماعيل عليه السلام هناك عز ولا اجتمع هناك ربوات القديسين ، فوجب حمله على محمد صلى الله عليه وسلم ، قالت اليهود المراد أن النار لما ظهرت من طور سيناء ظهرت من ساعير نار أيضا ومن جبل فاران أيضا فانتشرت في هذه المواضع .

قلنا هذا لا يصح لأن الله تعالى لو خلق نارا في موضع فإنه لا يقال جاء الله في ذلك الموضع إلا إذا تبع تلك الواقعة وحي نزل في ذلك الموضع أو عقوبة وما أشبه ذلك ، وعندكم أنه لم يتبع ظهور النار وحي ولا كلام إلا من طور سيناء ، فما كان ينبغي إلا أن يقال جاء الله من طور سيناء ، فأما أن يقال ظهر من ساعير ومن جبل فاران فلا يجوز وروده كما لا يقال جاء الله من الغمام إذا ظهر في الغمام احتراق ونيران كما يتفق ذلك في أيام الربيع .

وأيضا ففي كتاب حبقوق بيان ما قلنا وهو جاء الله من طور سيناء والقدس من جبل فاران لو انكشفت السماء من بهاء محمد وامتلأت الأرض من حمده يكون شعاع منظره مثل النور يحفظ بلده بعزه تسير المنايا أمامه ، ويصحب سباع الطير أجناده قام فمسح الأرض وتأمل الأمم وبحث عنها فتضعضعت الجبال القديمة واتضعت الروابي الدهروية وتزعزعت ستور أهل مدين ، ركبت الخيول وعلوت مراكب الإنقياذ والغوث وستنزع في قسيك اغراقا ونزعا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء وتخور الأرض بالأنهار ، ولقد رأتك الجبال فارتاعت وانحرف عنك شؤبوب السيل ، ونفرت المهاري نفيرا ورعبا ورفعت أيديها وجلا وفرقا وتوقفت الشمس والقمر عن مجراهما ، وسارت العساكر في برق سهامك ولمعان بيانك تدوخ الأرض غضبا ، وتدوس الأمم زجرا لأنك ظهرت بخلاص أمتك ، وإنقاذ تراب أبائك ، هكذا نقل عن ابن رزين الطبري .

أما النصارى فقال أبو الحسين رحمه الله تعالى في كتاب الغرر قد رأيت في نقولهم " وظهر من جبال فاران لقد تقطعت السماء من بهاء محمد المحمود وترتوي السهام بأمرك المحمود لأنك ظهرت بخلاص أمتك وإنقاذ مسيحك " .

فظهر بما ذكرنا أن قوله تعالى في التوراة ظهر الرب من جبال فاران ، ليس معناه ظهور النار منه بل معناه ظهور شخص موصوف بهذه الصفات ، وما ذاك إلا رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم .

فإن قالوا المراد مجيء الله تعالى ، ولهذا قال في آخر الكلام : وإنقاذ مسيحك .

قلنا لا يجوز وصف الله تعالى بأنه يركب الخيول وبأن شعاع منظره مثل النور ، وبأنه جاز المشاعر القديمة ، وأما قوله : وإنقاذ مسيحك فإن محمدا عليه السلام أنقذ المسيح من كذب اليهود والنصارى .

والرابع : ما جاء في كتاب شعيا في الفصل الثاني والعشرين منه " قومي فازهري مصباحك ، يريد مكة فقد دنا وقتك وكرامة الله تعالى طالعة عليك ، فقد تجلل الأرض الظلام وغطى على الأمم الضباب ، والرب يشرق عليك إشراقا ، ويظهر كرامته عليك ، تسير الأمم إلى نورك والملوك إلى ضوء طلوعك ، وارفعي بصرك إلى ما حولك ، وتأملي فإنهم مستجمعون عندك ويحجونك ويأتيك ولدك من بعيد لأنك أم القرى ، فأولاد سائر البلاد كأنهم أولاد مكة وتتزين ثيابك على الأرائك والسرر حين ترين ذلك تسرين وتبتهجين من أجل أنه يميل إليك ذخائر البحر ، ويحج إليك عساكر الأمم ، ويساق إليك كباش مدين ، ويأتيك أهل سبأ ويتحدثون بنعم الله ويمجدونه وتسير إليك أغنام فاران ، ويرفع إلى مذبحي ما يرضيني وأحدث حينئذ لبيت محمدتي حمدا " .

فوجه الاستدلال أن هذه الصفات كلها موجودة لمكة فإنه قد حج إليها عساكر الأمم ومال إليها ذخائر البحر ، وقوله أحدث لبيت محمدتي حمدا ، معناه أن العرب كانت تلبي قبل الإسلام فتقول لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، ثم صار في الإسلام : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ، فهذا هو الحمد الذي جدده الله لبيت محمدته .

فإن قيل المراد بذلك بيت المقدس وسيكون ذلك فيما بعد .

قلنا لا يجوز أن يقول الحكيم قد دنا وقتك مع أنه ما دنا بل الذي دنا أمر لا يوافق رضاه ومع ذلك لا يحذر منه .

وأيضا فإن كتاب شعيا مملوء من ذكر البادية وصفتها وذلك يبطل قولهم .

الخامس : روى السمان في تفسيره في السفر الأول من التوراة أن الله تعالى أوحى إلى إبراهيم عليه السلام قال قد أجبت دعاءك في إسماعيل ، وباركت عليه فكبرته وعظمته جدا جدا ، وسيلد اثني عشر عظيما وأجعله لأمة عظيمة .

والاستدلال به أنه لم يكن في ولد إسماعيل من كان لأمة عظيمة غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فأما دعاء إبراهيم عليه السلام وإسماعيل فكان لرسولنا عليه الصلاة والسلام لما فرغا من بناء الكعبة وهو قوله { ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم } ولهذا كان يقول عليه الصلاة والسلام ( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى ) وهو قوله { ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } ، فإنه مشتق من الحمد ، والاسم المشتق من الحمد ليس إلا لنبينا ، فإن اسمه محمد وأحمد ومحمود ، وقيل أن صفته في التوراة أن مولده بمكة ومسكنه بطيبة وملكه بالشام وأمته الحمادون{[91]} .

والسادس : قال المسيح للحواريين أنا أذهب وسيأتيكم الفارقليط روح الحق الذي لا يتكلم من قبل نفسه ، إنما يقول كما يقال له ، وتصديق ذلك { إن أتبع إلا ما يوحى إلي } أما الفارقليط ففي تفسيره وجهان " أحدهما " أنه الشافع المشفع ، وهذا أيضا صفته عليه الصلاة والسلام " الثاني " قال بعض النصارى الفارقليط هو الذي يفرق بين الحق والباطل ، وكان في الأصل فاروق ، كما يقال راووق للذي يروق به ، وأما ليط فهو التحقيق في الأمر كما يقال شيب أشيب ذو شيب ، وهذا أيضا صفة شرعنا لأنه هو الذي يفرق بين الحق والباطل .

والسابع : قال دانيال لبخت نصر حين سأله عن الرؤيا التي كان رآها من غير أن قصها عليه رأيت أيها الملك منظرا هائلا رأسه من الذهب الإبريز وساعده من الفضة وبطنه وفخذاه من نحاس وساقاه من حديد وبعض رجليه من حديد وبعضها من خزف ، رأيت حجرا يقطع من غير قاطع ، وصك رجل ذلك الصنم ودقها دقا شديدا فتفتت الصنم كله حديده ونحاسه وفضته وذهبه وصارت رفاتا ، وعصفت بها الرياح فلم يوجد لها أثر ، وصار ذلك الحجر الذي صك ذلك الرجل من ذلك الصنم جبلا عاليا امتلأت به الأرض ، فهذا رؤياك أيها الملك .

وأما تفسيرها فأنت الرأس الذي رأيته من الذهب ويقوم بعدك مملكة أخرى دونك والمملكة الثالثة التي تشبه النحاس تنبسط على الأرض كلها ، والمملكة الرابعة تكون قوتها مثل الحديد ، وأما الرجل التي كان بعضها من حديد وبعضها من خزف ، فإن بعض المملكة يكون عزيزا وبعضها يكون ذليلا ، وتكون كلمة الملك متفرقة ويقيم إله السماء في تلك الأيام مملكة أبدية لا تتغير ولا تزول . وأنها تزيل جميع الممالك ، وسلطانها يبطل جميع السلاطين ، وتقوم هي إلى الدهر ، فهذا تفسير الحجر الذي رأيت أنه يقطع من جبل بلا قاطع حتى دق الحديد والنحاس والخزف ، والله أعلم بما يكون في آخر الزمان .

فهذه هي البشارات الواردة في الكتب المتقدمة بمبعث رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم ذكره الرازي ، وقال الزجاج المراد بالعهد ما أخذ عليهم في التوراة من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم وقيل هو أداء الفرائض ، وقيل أراد جميع ما أمر الله به من غير تخصيص ببعض التكليف دون البعض ، ولا مانع من حمله على جميع ذلك .

{ أوف بعهدكم } أي بما ضمنت لكم من الجزاء ، وقيل بالقبول والثواب عليه بدخول الجنة { وإياي فارهبون } أي فيخافون في نقضكم العهد ، والرعب والرهبة والخوف ، ويتضمن الأمر به معنى التهديد ، وتقديم معمول الفعل يفيد الاختصاص ، قال صاحب الكشاف وهو آكد في إفادة التخصيص من { إياك نعبد } والفاء أمر مقدر أي تنبهوا فارهبون ، أو زائدة وسقطت الياء من قوله فارهبون لأنه رأس آية .


[91]:عن جابر ابن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: عرض على الأنبياء، فإذا موسى عليه السلام ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة {قبيلة من اليمن}، ورأيت عيسى ابن مريم عليه السلام فإذا اقترب من رأيت به شبها عروة ابن مسعود، ورأيت إبراهيم عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبها صاحبكم {يعني نفسه} ورأيت جبريل عليه السلام فإذا أقرب من رأيت به شبها – دحية.