مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

{ اذكروا نِعْمَتِيَ التي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ } ذكرهم النعمة أن لا يخلوا بشكرها ويطيعوا مانحها . وأراد بها ما أنعم به على آبائهم مما عدد عليهم من الإنجاء من فرعون وعذابه ومن الغرق ومن العفو عن اتخاذ العجل والتوبة عليهم ، وما أنعم به عليهم من إدراك زمن محمد صلى الله عليه وسلم المبشر به في التوراة والإنجيل . { وَأَوْفُوا } أدوا وافياً تاماً ، يقال وفيت له بالعهد فأنا وافٍ به وأوفيت له بالعهد فأنا موف به ، والاختيار أوفيت ، وعليه نزل التنزيل . { بِعَهْدِي } بما عاهدتموني عليه من الإيمان بي والطاعة لي ، أو من الإيمان بنبي الرحمة والكتاب المعجز . { أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } بما عاهدتكم عليه من حسن الثواب على حسناتكم . والعهد يضاف إلى المعاهِد والمعاهَد جميعاً . وعن قتادة : هما لئن أقمتم { ولأكفرن } وقال أهل الإشارة : أوفوا في دار محنتي ، على بساط خدمتي ، بحفظ حرمتي ، أوف في دار نعمتي ، على بساط كرامتي ، بسرور رؤيتي . { وإياى فارهبون } فلا تنقضوا عهدي وهو من قولك «زيدا رهبته » وهو أوكد في إفادة الاختصاص من { إِيَّاكَ نَعْبُدُ } [ الفاتحة : 4 ] «وإيّايَ » منصوب بفعل مضمر دل عليه ما بعده وتقديره فارهبوا إياي فارهبون ، وحذف الأول لأن الثاني يدل عليه . وإنما لم ينتصب بقوله «فارهبون » لأنه أخذ مفعوله وهو الياء المحذوفة وكسرة النون دليل الياء كما لا يجوز نصب زيد في «زيدا فاضربه » ب «اضرب » الذي هو ظاهر .