في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

40

فلننظر بعد هذا الإجمال في استعراض النص القرآني :

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون . وآمنوا بما أنزلت مصدقا لما معكم ، ولا تكونوا أول كافر به ، ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ، وإياي فاتقون . ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون . وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين . أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب ؟ أفلا تعقلون ؟ واستعينوا بالصبر والصلاة ، وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين . الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم ، وأنهم إليه راجعون ) .

إن المستعرض لتاريخ بني إسرائيل ليأخذه العجب من فيض الآلاء التي أفاضها الله عليهم ، ومن الجحود المنكر المتكرر الذي قابلوا به هذا الفيض المدرار . . وهنا يذكرهم الله بنعمته التي انعمها عليهم إجمالا ، قبل البدء في تفصيل بعضها في الفقر التالية . يذكرهم بها ليدعوهم بعدها إلى الوفاء بعهدهم معه - سبحانه - كي يتم عليهم النعمة ويمد لهم في الآلاء :

( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ، وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم ) . .

فأي عهد هذا الذي يشار إليه في هذا المقام ؟ أهو العهد الأول ، عهد الله لآدم : ( فإما يأتينكم مني هدى ، فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون . والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون ) . . ؟ أم هو العهد الكوني السابق على عهد الله هذا مع آدم . العهد المعقود بين فطرة الإنسان وبارئه : أن يعرفه ويعبده وحده لا شريك له . وهو العهد الذي لا يحتاج إلى بيان ، ولا يحتاج إلى برهان ، لأن فطرة الإنسان بذاتها تتجه إليه بأشواقها اللدنية ، ولا يصدها عنه إلا الغواية والانحراف ؟ أم هو العهدالخاص الذي قطعه الله لإبراهيم جد إسرائيل . والذي سيجيء في سياق السورة : ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ، قال : إني جاعلك للناس إماما ، قال : ومن ذريتي ؟ قال : لا ينال عهدي الظالمين ) . . ؟ أم هو العهد الخاص الذي قطعه الله على بني إسرائيل وقد رفع فوقهم الطور ، وأمرهم أن يأخذوا ما فيه بقوة والذي سيأتي ذكره في هذه الجولة ؟ .

إن هذه العهود جميعا إن هي إلا عهد واحد في صميمها . إنه العهد بين الباريء وعباده أن يصغوا قلوبهم إليه ، وأن يسلموا أنفسهم كلها له . وهذا هو الدين الواحد . وهذا هو الإسلام الذي جاء به الرسل جميعا ؛ وسار موكب الإيمان يحمله شعارا له على مدار القرون .

ووفاء بهذا العهد يدعو الله بني إسرائيل أن يخافوه وحده وأن يفردوه بالخشية :

( وإياي فارهبون ) . .