تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

الآية 40 وقوله : ( يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ) يحتمل وجوها : يحتمل قوله ( اذكروا نعمتي التي ) خصصت لكم دون غيركم من نحو ما جعل منكم الأنبياء والملوك إذ جعل فيكم أنبياء كقوله : ( وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لكم يؤت أحدا من العالمين ) [ المائدة : 20 ] ويحتمل ( اذكروا نعمتي ) يعني النجاة من فرعون حين كان يستعبدكم ، ويستخدمكم ويستحيي نساءكم كقوله تعالى : ( يقتلون أبناءكم ويستحيون نساءكم ) [ الأعراف : 141 ] الآية{[671]} . ويحتمل ( اذكروا نعمتي ) من نحو ما أعطاهم عز وجل المن والسلوى وتظليل الغمام وغير ذلك من دون غيرهم .

وقيل : نعمته محمد صلى الله عليه وسلم بعثه{[672]} وقت اختلافهم في الدين وتفرقهم في ما كان عليه من مضى من النبيين ليبدلهم على الحق من ذلك ، ويؤلف بينهم بالبينات كما أحوجهم الاختلاف إلى من يقوم{[673]} بذلك من وجه يعلم صدقة في ذلك ، فبعث [ الله ]{[674]} رسول الله صلى الله عليه وسلك نعمة منه عليهم ؛ إذ بطاعته نجاتهم ، ولا قوة إلا بالله .

ويحتمل ( اذكروا نعمتي ) أي وجهوا شكر نعمتي إلي ، ولا توجهوها إلى غيري . فإن كان هذا المراد فهم وغيرهم فيه سواء : [ إذ على ]{[675]} كل منعم عليه أن يوجه شكر نعمه إلى ربه . وكان الأمر بذكر النعمة ، والله أعلم ، أمرا{[676]} بعرفانها في القلب أنها منّة لا الذكر باللسان ، إذ لا سبيل إلى ذكر كل ما أنعم عليه سوى الاعتراف بالعجز عن أداء شكر واحد منها طوال عمره .

وقوله : ( وأوفوا بعهدي ) ، قد ذكرنا فيما تقدم{[677]} أن عهد الله على وجهين{[678]} : عهد خلقة لما جعل في خلقة كل واحد دلائل تدل على معرفته وتوحيده وأنه لم يخلقه للعبث ، ولا يتركه سدى ، وعهد رسالة على ألسن الرسل كقوله تعالى : ( إني معكم لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي ){[679]} [ المائدة : 12 ] [ الآية وكقوله ]{[680]} ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب ) [ آل عمران : 87 ] الآية . [ وكقوله : ( وإذا أخذنا ميثاق بين إسرائيل لا تعبدون إلا الله ) [ البقرة : 83 ] ]{[681]} .

وقوله تعالى : ( وأوف بعهدكم ) الذي وعدتكم وهو الجنة كقوله تعالى : ( لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات ) [ المائدة : 12 ] ويقال : ( وأوفوا بعهدي ) [ أي أدوا ما فرضت عليكم من فرائض ، ووجهوا إلي شكر نعمتي ولا تشكروا غيري ويكون ( وأوفوا بعهدي ) ]{[682]} الذي أخذ على النبيين بقوله : ( وإذ أخذ الله ميثاق النبيين ) [ آل عمران : 81 ] الآية ، ( وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ) [ آل عمران : 187 ] فيكون عهده تبليغ ما بين في كتبهم من بعث محمد صلى الله عليه وسلم والإقرار به والنصر له إذ بعث محمد صلى الله عليه وسلم .

وقوله ( وإياي فارهبون ) أي اخشوا سلطاني وقدرتي . وقيل : اخشوا عذابي ونقمتي . وقيل : اخشوا نقض عهدي وكتمان بعث{[683]} نبيي محمد صلى الله عليه وسلم .


[671]:- ساقطة من ط م.
[672]:- من ط ع، في الأصل و ط م: بعث.
[673]:- من ط م، في الأصل و ط ع: يقول.
[674]:- من ط ع.
[675]:- في ط م: وعلى كل.
[676]:- من ط م، في الأصل و ط ع: أمر.
[677]:- ذلك في تفسير الآية: 27.
[678]:- من ط م و ط ع، في الأصل: توجهين.
[679]:- أدرجت في ط ع الآية كاملة بدل تقسيمها وإدراج القسم الثاني منها قبل الأول: كقوله تعالى: (وإني معكم) قبل وكقوله (ولقد أخذ الله).
[680]:- من ط م و ط ع، ساقطة من الأصل.
[681]:- من ط م
[682]:- من ط م.
[683]:- من ط م، في الأصل و ط ع: نعت.