الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

قوله تعالى : { يا بني إسرائيل اذكروا نِعْمَتِيَ }[ البقرة :40 ] .

إسْرَائِيلَ : هو يَعْقُوبُ بْنُ إسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عليهم السلام ، وإِسْرَا : هو بالعبرانية عبد ، وإِيلُ : اسم اللَّه تعالى ، فمعناه : عَبْدُ اللَّهِ ، والذِّكْرُ في كلام العَرَبِ على أنحاء ، وهذا منها ذكر القلب الذي هو ضدّ النسيان ، والنعمة هنا اسم جنس ، فهي مفردة بمعنى الجَمْعِ ، قال ابن عَبَّاس : وجمهور العلماء : الخِطَابُ لجميع بني إسرائيل في مدَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم .

وقوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ }[ البقرة :40 ]

أمر وجوابه ، وهذا العهد في قول جمهور العلماءِ عامٌّ في جميع أوامره سبحانه ، ونواهيه ، ووصاياه لهم ، فيدخل في ذلك ذكر محمَّد صلى الله عليه وسلم الذي في التوراة ، والرهبةُ يتضمَّن الأمر بها معنى التهديد ، وأسند الترمذيُّ الحَكِيمُ في «نَوَادِرِ الأُصُولَ » له عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( قَالَ رَبُّكُمْ سُبْحَانَهُ : لاَ أَجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ ، فَمَنْ خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ فِي الآخِرَةِ ، وَمَنْ أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا ، أَخَفْتُهُ فِي الآخِرَةِ ) انتهى في «التذكرة » للقرطبيِّ .

ورواه ابن المبارك في «رَقَائِقِهِ » من طريق الحسن البصريِّ ، وفيه : قَالَ اللَّهُ : " وَعِزَّتِي ، لاَ أَجْمَعُ على عَبْدِي خَوْفَيْنِ ، وَلاَ أَجْمَعُ لَهُ أَمْنَيْنِ ، فَإذَا أَمِنَنِي فِي الدُّنْيَا أَخَفْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ، وَإذَا خَافَنِي فِي الدُّنْيَا أَمَّنْتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ ) انتهى ، ورواه أيضاً الترمذيُّ الحكيمُ في كتاب «خَتْمِ الأَوْلِيَاءِ » . قال صاحب " الكَلِمِ الفَارِقِيَّةِ " ، والحِكَمِ الحقيقيَّة بقدر ما يدخل القلْبَ من التعظيم والحرمة ، تنبعثُ الجوارحُ في الطاعةِ والخدمة ، انتهى .