لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{يَٰبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَتِيَ ٱلَّتِيٓ أَنۡعَمۡتُ عَلَيۡكُمۡ وَأَوۡفُواْ بِعَهۡدِيٓ أُوفِ بِعَهۡدِكُمۡ وَإِيَّـٰيَ فَٱرۡهَبُونِ} (40)

قوله عز وجل { يا بني إسرائيل } اتفق المفسرون على أن إسرائيل هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلّى الله عليهم وسلم أجمعين ومعنى إسرائيل عبد الله وقيل صفوة الله والمعنى يا أولاد يعقوب { اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم } أي اشكروا نعمتي وإنما عبر عنه بالذكر لأن من ذكر النعمة فقد شكرها ومن جحدها فقد كفرها وقيل الذكر يكون بالقلب ويكون باللسان ووحد النعمة لأنها المنفعة المفعولة على جهة الإحسان إلى الغير ومعناه أن المضرة المحضة لا تكون نعمة ولو فعل الإنسان منفعة وقصد نفسه بها لا تسمى نعمة إذا لم يقصد بها الغير ثم إن النعم ثلاثة : نعمة تفرد بها الله تعالى وهي إيجاد الإنسان ورزقه ونعمة وصلت إلى الإنسان بواسطة الغير لكن الله مكنه من ذلك فالمنعم بها في الحقيقة هو الله تعالى ونعمة حصلت للإنسان بسبب الطاعة وهي أيضاً من الله تعالى ، فالله هو المنعم المطلق في الحقيقة لأن أصول النعم كلها منه . وأما النعم المختصة ببني إسرائيل فكثيرة لأن قوله { اذكروا نعمتي } لفظها واحد ومعناها الجمع فمن النعم أن الله تعالى أنقذهم من فرعون وفلق البحر لهم وأغرق فرعون وتظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى في التيه عليهم وإنزال التوراة ونعم غير هذه كثيرة فإن قلت إذا فسر النعمة بهذا فما كانت على المخاطبين بها بل كانت على آبائهم فكيف تكون نعمة عليهم حتى يذكروها . قلت إنما ذكر المخاطبين بها لأن فخر الآباء فخر الأبناء ولأن الأبناء إذا تيقنوا أن الله قد أنعم على آبائهم بهذه النعم فقد وجب عليهم ذكرها وشكرها . وقيل إن هذه النعم هي إدراك المخاطبين بها زمن محمد صلى الله عليه وسلم وذكرها الإيمان به { وأوفوا بعهدي } أي امتثلوا أمري { أوف بعهدكم } أي بالقول والثواب وأصل للعهد حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال ومنه سمي الموثق الذي تلزم مراعاته عهداً وقيل أراد بالعهد جميع ما أمر الله به من غير تخصيص ببعض التكليف دون بعض وقيل أراد به ما ذكر في سورة المائدة وهو قوله : { ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً } إلى قوله : { لأكفرن عنكم سيئاتكم } فهذا قوله : { أوف بعهدكم } وقيل هو قوله : { وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة } يعني شريعة التوراة . وقيل : هو قوله : { وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلاّ الله } وقيل أراد بهذا العهد ما أثبته في كتب الأنبياء المتقدمة من وصف محمد صلى الله عليه وسلم وأنه مبعوث في آخر الزمان ، وذلك أن الله عهد إلى بني إسرائيل على لسان موسى عليه الصلاة السلام أني باعث من بني إسماعيل نبياً أمياً فمن تبعه وصدق النور الذي يأتي به غفرت له ذنبه وأدخلته الجنة وجعلت له أجرين اثنين ، وهو قوله : { وإذا أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس } يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم وصفته { وإياي فارهبون } أي فخافون في نقضكم العهد .