قوله تعالى : { ولنبلونكم } . أي ولنختبرنكم يا أمة محمد ، واللام لجواب القسم تقديره والله لبيلونكم والابتلاء من الله لإظهار المطيع من العاصي ، لا ليعلم شيئاً لم يكن عالماً به .
قوله تعالى : { بشيء من الخوف } . قال ابن عباس يعني خوف العدو .
قوله تعالى : { والجوع } . يعني القحط .
قوله تعالى : { ونقص من الأموال } . بالخسران والهلاك .
قوله تعالى : { والأنفس } . يعني بالقتل والموت ، وقيل بالمرض والشيب .
قوله تعالى : { والثمرات } . يعني الجوائح في الثمار ، وحكي عن الشافعي أنه قال : الخوف خوف الله تعالى ، والجوع صيام رمضان ، ونقص من الأموال أداء الزكاة والصدقات ، والأنفس الأمراض ، والثمرات موت الأولاد ، لأن ولد الرجل ثمرة قلبه .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد ابن سمعان ، أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني ، أخبرنا حميد بن زنجويه أخبرنا الحسن بن موسى ، أخبرنا حماد بن سلمة ، عن أبي سنان قال : دفنت ابني سناناً وأبو طلحة الخولاني على شفير القبر فلما أردت الخروج أخذ بيدي فأخرجني فقال : ألا أبشرك ؟ : حدثني الضحاك بن عروة عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته : أقبضتم ولد عبدي ؟ قالوا نعم ، قال أقبضتم ثمرة فؤاده ؟ قالوا نعم ، قال : فماذا قال عبدي ؟ قالوا : استرجع وحمدك . قال : ابنوا له بيتاً في الجنة وسموه بيت الحمد " .
قوله تعالى : { وبشر الصابرين } . على البلايا والرزايا ، ثم وصفهم فقال : { الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } .
وبعد أن طلب - سبحانه - من عباده أن يستعينوا بالصبر والصلاة على احتمال المكاره ، أردف ذلك بذكر بعض المواطن التي لا يمر فيها الإِنسان بسلامة إلا إذا اعتصم بعرى الصبر فقال - تعالى - { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع وَنَقْصٍ مِّنَ الأموال والأنفس والثمرات } .
وقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } من البلو والبلاء وهو الامتحان والاختبار ، وهو جواب لقسم محذوف والتقدير : والله لنبلونكم .
وقوله : { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ } عطف على قوله : { استعينوا } الخ ، عطف المضمون على المضمون ، والجامع أن مضمون الأول طلب الصبر ، ومضمون الثانية بيان مواطنه ، والمراد : ولنعاملنكم معاملة المختبر والمبتلي لأحوالكم :
والتنوين في قوله : { بِشَيْءٍ } للتقليل . أي بقليل من كل واحد من هذه البلايا والمحن وهي الخوف وما عطف عليه .
وإنما قلل - كما قال الزمخشري - ليؤذن أن كل بلاء وإن جل ففوقه ما يقل إليه وليخفف عليهم ويريهم أن رحمته معهم في كل حال لا تزايلهم ، وأنه - سبحانه - يبتليهم من هذه المصائب بقدر ما يمتاز به الصابرون من غير الصابرين .
و { الخوف } غم يلحق النفس لتوقع مكروه ، ومن أشد ما تضطرب له النفوس من الخوف ، خشيتها أن تقع تحت يد عدو لا هم له إلا إيذاؤها بما تكره .
و { والجوع } ضد الشبع ، والمراد منه القحط ، وتعذر تحصيل القوت ، والحاجة الملحة إلى طعام .
و { الأموال } جمع مال ، وهو ما يملك مما له قيمة ، وجرى للعرب عرف باستعماله في النعم خاصة - وهي الإِبل والبقر والغنم - .
و { والثمرات } : جمع ثمرة وهي حمل الشجر ، وقد تطلق على الشجر سوالنبات نفسه .
والمعنى : ولنصيبنكم بشيء من الخوف وبشيء من الجوع ، وبشيء من النقص في الأنفس والأموال والثمرات ، ليظهر هل تصبرون أو لا تصبرون ، فنرتب الثواب على الصبر والثبات على الطاعة ، ونرتب العقاب على الجزع وعدم التسليم لأمر الله - تعالى - .
ولقد حدث للمسلمين الأولين خوف شديد بسبب تألب أعدائهم عليهم كما حصل في غزوة الأحزاب . وحدث لهم جوع أليم بسبب هجرتهم من أوطانهم ، وقلة ذات يدهم حتى لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشد الحجر على بطنه . وحدث لهم نقص في أموالهم بسبب اشتغالهم بإعلاء كلمة الله . وحدث لهم نقص في أنفسهم بسبب قتالهم لأعدائهم . ولكن كل هذه الآلام لم تزدهم إلا إيماناً وتسليماً لقضاء الله وقدره ، واستمساكاً بتعاليم دينهم .
وهذا البلاء وتلك الآلام لا بد منها ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة ، كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف ، إذ العقائد الرخيصة التي لا يؤد أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم تركها عند الصدمة الأولى ، وليعلم من جاء بعدهم من المؤمنين إذا ما أصابهم مثل هذه الأمور أن ما أصابهم ليس لنقصان من درجاتهم ، وحط من مراتبهم ، فقد أصيب بمثل ذلك أو أكثر من هم أفضل منهم وهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الإِمام الرازي : وأما الحكمة في تقديم تعريف هذا الابتلاء . أي الإِخبار به قبل وقوعه : ففيها وجوه .
أحدها : ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت فيكون ذلك أبعد لهم عن الجزع وأسهل عليهم بعد الورود .
وثانيها : أنهم إذا علموا أنه ستصل إلأيهم تلك المحن اشتد خوفهم ، فيصير ذلك الخوف تعجيلا للابتلاء ، فيستحقون به مزيد الثواب .
وثالثها : أن الكفار إذا شاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه مقيمين على دينهم مستقرين عليه ، مع ما كانوا عليه من نهاية الضر والمحنة والجوع - يعلمون أن القوم إنما اختاروا هذا الدين لقطعهم بصحته فيدعوهم ذلك إلى مزيد التأمل في دلائله . ومن الملعوم الظاهر أن التبع إذا عرفوا أن المتبوع في أعظم المحن بسبب المذهب الذي ينصره ، ثم رأوه مع ذلك مصراً على ذلك المذهب : كان ذلك أدعى لهم إلى اتباعه مما إذا رأوه مرفه الحال لا كلفة عليه في ذلك المذهب .
ورابعها : أنه - تعالى - أخبر بوقوع ذلك الابتلاء قبل وقوعه فوجد مخبر ذلك الخبر على ما أخبر عنه . فكان إخباراً عن الغيب فكان معجزاً .
وخامسها : أن من المنافقين من أظهر متابعة الرسول طمعاً في المال وسعة الرزق ، فإذا اختبره - سبحانه - بنزول هذه المحن ، فعند ذلك يتميز المنافق عن الموافق .
وسادسها : أن إِخلاص الإِنسان حالة البلاء ورجوعه إلى باب الله - تعالى - أكثر من إخلاصه حال إقبال الدنيا عليه . فكانت الحكمة في هذا الابتلاء ذلك .
ثم يمضي السياق في التعبئة لمواجهة الأحداث ، وفي تقويم التصور لحقيقة الأحداث :
( ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات . وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا : إنا لله وإنا إليه راجعون ) . .
ولا بد من تربية النفوس بالبلاء ، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد ، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات . . لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة ، كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف . والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى . فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين . وكلما تألموا في سبيلها ، وكلما بذلوا من أجلها . . كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها . كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها . . إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم : لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء ، ولا صبروا عليه . . وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها ، مقدرين لها ، مندفعين إليها . . وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا . .
ولا بد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى . فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة ؛ وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد . والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون ، والران عن القلوب .
عطف : { وَلَنَبْلُوَنَّكُم } على قوله : { استعينوا بالصبر والصلوات } [ البقرة : 153 ] عَطْفَ المقصد على المقدمة كما أشرنا إليه قبل ، ولك أن تجعل قوله : { ونبلونكم } عطفاً على قوله : { ولأُتم نعمتي عليكم } [ البقرة : 150 ] الآيات ليُعلم المسلمين أن تمام النعمة ومنزلة الكرامة عند الله لا يحول بينهم وبين لحاق المصائب الدنيوية المرتبطة بأسبابها ، وأن تلك المصائب مظهر لثباتهم على الإيمان ومحبة الله تعالى والتسليم لقضائه فينالون بذلك بهجة نفوسهم بما أصابهم في مرضاة الله ويزدادون به رفعة وزكاء ، ويزدادون يقيناً بأن اتِّباعهم لهذا الدين لم يكن لنوال حُظوظ في الدنيا ، وينجر لهم من ذلك ثواب ، ولذلك جاء بعده { وبشر الصابرين } وجعل قوله : { يأيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلوات } [ البقرة : 153 ] الآية بين هذين المتعاطفين ليكون نصيحة لعلاج الأمرين تمام النعمة والهدى والابتلاء ، ثم أعيد عليه ما يصير الجميع خبراً بقوله : { وبشر الصابرين } .
وجيءَ بكلمة { شيءٍ } تهويناً للخبر المفجع ، وإشارة إلى الفرق بين هذا الابتلاء وبين الجوع والخوف اللذين سلطهما الله على بعض الأمم عقوبة ، كما في قوله : { فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون } [ النحل : 112 ] ولذلك جاء هنا بكلمة ( شيءٍ ) وجاء هنالك بما يدل على الملابسة والتمكن ، وهو أن استعار لها اللباس الملازم لللاَّبس ، لأن كلمة ( شيء ) من أسماء الأجناس العالية العامَّة ، فإذا أضيفت إلى اسم جنس أو بينت به علم أن المتكلم ما زاد كلمة ( شيء ) قبل اسم ذلك الجنس إلاّ لقصد التقليل لأن الاقتصار على اسم الجنس الذي ذكره المتكلم بعدها لو شاء المتكلم لأغنى غَناءَها ، فما ذكر كلمة شيء إلاّ والقصد أن يدل على أن تنكير اسم الجنس ليس للتعظيم ولا للتنويع ، فبقي له الدلالة على التحقير وهذا كقول السّريّ مخاطباً لأبي إسحاق الصابي :
فشيئاً من دَمِ العُنْقُو *** دِ أَجعله مكان دَمي{[167]}
فقول الله تعالى : { ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع } عُدول عن أن يقول بخوف وجوع أما لو ذكر لفظ شيء مع غير اسمِ جنسٍ كما إذا أُتبع بوصف أو لم يتبع أو أضيف لغير اسم جنس فهو حينئذٍ يدل على مطلق التنويع نحو قول قُحَيط العِجْلي :
فلا تَطْمَعْ أَبَيْتَ اللعْنَ فيها*** ومَنْعُكها بشيء يستطاع
فقد فسره المرزوقي وغيره بأن معنى بشيء بمَعْنًى من المعاني من غلبة أو معازَّةٍ أو فداء أو نحو ذلك اهـ .
وقد يكون بيان هذه الكلمة محذوفاً لدلالة المقام ، كقوله تعالى : { فمن عفى له من أخيه شيء } [ البقرة : 178 ] فهو الدية على بعض التفاسير أو هو العفو على تفسير آخر ، وقول عمر بن أبي ربيعة :
ومِنْ ماليءٍ عينيه من شيءٍ غيرهِ *** إذَا راح نحو الجمرَةِ البيضُ كالدمى
أي من محاسن امرأة غير امرأته .
إذا ما تقاضَى المرءَ يومٌ وليلةٌ *** تَقاضَاه شيءٌ لا يَمَلُّ التقاضيا
أي شيء من الزمان ، ومن ذلك قوله تعالى : { لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً } [ آل عمران : 10 ] أي من الغَنَاء .
وكَأَنَّ مراعاة هذين الاستعمالين في كلمة شيء هو الذي دعَا الشيخَ عبد القاهر في « دلائل الإعجاز » إلى الحكم بحسن وقع كلمة شيء في بيت ابن أبي ربيعة وبيتتِ أبي حية النميري ، وبِقلَّتها وتضاؤُلها في قول أبي الطيب :
لو الفَلكُ الدوَّار أبْغَضْتَ سَعْيَهُ *** لعَوَّقَهُ شيءٌ عن الدَّوَرَانِ
لأنها في بيت أبي الطيب لا يتعلق بها معنى التقليل كما هو ظاهر ولا التنويع لقلة جدوى التنويع هنا إذ لا يجهل أحد أن معوِّقَ الفلك لا بد أن يكون شيئاً .
والمراد بالخوف والجوع وما عطف عليهما معانيها المتبادرة وهي ما أصاب المسلمين من القلة وتألب المشركين عليهم بعد الهجرة ، كما وقع في يوم الأحزاب إذ جاءوهم من فوقهم ومن أسفل منهم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وأما الجوع فكما أصابهم من قلة الأزواد في بعض الغزوات ، ونقص الأموال ما ينشأ عن قلة العناية بنخيلهم في خروجهم إلى الغزو ، ونقص الأنفس يكون بقلة الولادة لبعدهم عن نسائهم كما قال النابغة :
شعب العلافيات بين فروجهم *** والمحصنات عوازب الأطهار
وكما قال الأعشى يمدح هوذة بن علي صاحب اليمامة بكثرة غزواته :
أفى كل عام أنت حاشم غزوة *** تَشُد لأقصاها عزيم عزائكا
مورِّثةٍ مالاً وفي المَجْدِ رِفْعَةً *** لما ضاع فيها من قُروء نسائك
وكذلك نقص الأنفس بالاستشهاد في سبيل الله ، وما يصيبهم في خلال ذلك وفيما بعده من مصائب ترجع إلى هاته الأمور .
والكلام على الأموال يأتي عند قوله تعالى : { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } [ البقرة : 188 ] في هذه السورة وعند قوله : { إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم } [ آل عمران : 10 ] في سورة آل عمران .
وجملة : { وبشر الصابرين } معطوفة على { ولنبلونكم } ، والخطاب للرسول عليه السلام بمناسبة أنه ممن شمله قوله : { ولنبلونكم } وهو عطف إنشاء على خبر ولا ضير فيه عند من تحقق أساليب العرب ورأى في كلامهم كثرة عطف الخبر على الإنشاء وعكسه .
وأفيد مضمون الجملة الذي هو حصول الصلوات والرحمة والهدى للصابرين بطريقة التبشير على لسان الرسول تكريماً لشأنه ، وزيادة في تعلق المؤمنين به بحيث تحصل خيراتهم بواسطته ، فلذلك كان من لطائف القرآن إسنادُ البلوى إلى الله بدون واسطة الرسول ، وإسنادُ البِشارة بالخير الآتي من قِبَل الله إلى الرسول .
والكلام على الصبر وفضائله تقدم في قوله تعالى : { واستعينوا بالصبر والصلوات } [ البقرة : 45 ] .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع}: القحط.
{ونقص من الأموال والأنفس والثمرات}: قحط المطر.
{وبشر الصابرين} على هذه البلية بالجنة.
سئل الشافعي عن قول الله عز وجل: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بشيء مِّنَ اَلْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ اَلاَمْوَالِ وَالاَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ اِلصَّابِرِينَ} قال: الخوف: خوف الصدور؛ والجوع: جوع شهر رمضان؛ ونقص من الأموال: الزكوات؛ والأنفس: الأمراض، والثمرات: الصدقات، وبشر الصابرين على أدائها. (أحكام الشافعي 1/39.)...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وهذا إخبار من الله تعالى ذكره أتباع رسوله صلى الله عليه وسلم أنه مبتليهم وممتحنهم بشدائد من الأمور ليعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، كما ابتلاهم فامتحنهم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وكما امتحن أصفياءه قبلهم، ووعدهم ذلك في آية أخرى فقال لهم:"أمْ حَسِبْتُمْ أنْ تَدْخُلُوا الجَنّةَ وَلَمّا يَأتِكُمْ مَثَلُ الّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسّتْهُمُ البأساءُ والضّرّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرّسُولُ وَالّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ ألا إنّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ"...
عن ابن عباس قوله: "وَلَنَبْلُوَنّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ والجُوعِ "ونحو هذا، قال: أخبر الله المؤمنين أن الدنيا دار بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وأمرهم بالصبر وبشرهم، فقال: "وَبَشّرِ الصّابِرِينَ "ثم أخبرهم أنه فعل هكذا بأنبيائه وصفوته لتطيب أنفسهم، فقال: "مَسّتْهُم البَأْسَاءُ والضّرّاءُ وزُلْزِلُوا".
"وَلَنَبْلُوَنّكُمْ": ولنختبرنكم.
"بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ" يعني من الخوف من العدوّ. وبالجوع، وهو القحط. يقول: لنختبرنكم بشيء من خوف ينالكم من عدوّكم، وبسَنَة تصيبكم ينالكم فيها مجاعة وشدة وتعذر المطالب عليكم فتنقص لذلك أموالكم، وحروب تكون بينكم وبين أعدائكم من الكفار، فينقص لها عددكم، وموت ذراريكم وأولادكم، وجدوب تحدث، فتنقص لها ثماركم. كل ذلك امتحان مني لكم واختبار مني لكم، فيتبين صادقوكم في إيمانهم من كاذبيكم فيه، ويعرف أهل البصائر في دينهم منكم من أهل النفاق فيه والشكّ والارتياب. كل ذلك خطاب منه لأتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وإنما قال تعالى ذكره: "بِشَيْءٍ مِنَ الخَوْفِ" ولم يقل «بأشياء» لاختلاف أنواع ما أعلم عباده أنه ممتحنهم به. فلما كان ذلك مختلفا وكانت «مِن» تدلّ على أن كل نوع منها مضمر (في) شيء وأن معنى ذلك: ولنبلونكم بشيء من الخوف وبشيء من الجوع وبشيء من نقص الأموال. اكتفى بدلالة ذكر الشيء في أوله من إعادته مع كل نوع منها. ففعل تعالى ذكره كل ذلك بهم وامتحنهم بضروب المحن...عن الربيع قال: قد كان ذلك، وسيكون ما هو أشدّ من ذلك.
"وَبَشّرِ الصّابِرِينَ الّذِينَ إذَا أصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إنّا لِلّهِ وَإنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ". ثم قال تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: يا محمد بشر الصابرين على امتحاني بما أمتحنهم به، والحافظين أنفسهم عن التقدم على نهيي عما أنهاهم عنه، والاَخذين أنفسهم بأداء ما أكلفهم من فرائضي مع ابتلائي إياهم بما ابتليتهم به القائلين إذا أصابتهم مصيبة: "إنا لله وإنا إليه راجعون". فأمره الله تعالى ذكره بأن يخصّ بالبشارة على ما يمتحنهم به من الشدائد أهل الصبر الذين وصف الله صفتهم. وأصل التبشير: إخبار الرجل الرجل الخبر يسرّه أو يسوءه لم يسبقه به إليه غيره.
جائزٌ والله أعلم أن يكون قدّم إليهم ذكر ما علم أنه يصيبهم في الله من هذه البلايا والشدائد لمعنيين، أحدهما: ليوطنوا أنفسهم على الصبر عليها إذا وردت؛ فيكون ذلك أبعد من الجزع وأسهل عليهم بعد الورود. والثاني: ما يتعجلون به من ثواب توطين النفس.
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
الخطاب بهذه الآية متوجه إلى أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله). ولو قيل: إنه خطاب لجميع الخلق، لكان أيضا صحيحا، لأن ذلك جاز في جميعهم. والابتلاء، والاختبار، والامتحان، بمعنى واحد، والابتلاء بهذه الأمور المذكورة في الآية بأمور مختلفة؛ فالخوف: هو انزعاج النفس لما يتوقع من الضرر، وكان ذلك لقصد المشركين لهم بالعداوة. والجوع: كان لفقرهم وتشاغلهم بالجهاد في سبيل الله عن المعاش. ونقص الاموال: للانقطاع بالجهاد عن العمارة. والأنفس: بالقتل في الحرب مع رسول (صلى الله عليه وآله)...
لطائف الإشارات للقشيري 465 هـ :
ابتلاهم بالنعمة لِيُظْهِرَ شكرهم، وابتلاهم بالمحنة ليظهر صبرهم، فلما أدخل المعلوم من حالهم في الوجود، ورسمهم بالرقم الذي قَسَمَه، وأثبتهم على الوصف الذي علمه، (ابتلاهم) بالخوف وفيه تصفية لصدورهم، وبالجوع وفيه تنقية لأبدانهم، وبنقص من الأموال تزكو به نفوسهم، وبمصائب النفوس يعظم بها عند الله أجرهم، وبآفة الثمرات يتضاعف من الله خلفهم. {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} يعني الذين لا اعتراض لهم على تقديره فيما أمضاه...
اعلم أن القفال رحمه الله قال: هذا متعلق بقوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} أي استعينوا بالصبر والصلاة فإنا نبلوكم بالخوف وبكذا...
فإن قيل إنه تعالى قال: {واشكروا لي ولا تكفرون} والشكر يوجب المزيد على ما قال: {لئن شكرتم لأزيدنكم} فكيف أردفه بقوله: {ولنبلونكم بشيء من الخوف}
(الأول): أنه تعالى أخبر أن إكمال الشرائع إتمام النعمة، فكان ذلك موجبا للشكر، ثم أخبر أن القيام بتلك الشرائع لا يمكن إلا بتحمل المحن، فلا جرم أمر فيها بالصبر.
(الثاني): أنه تعالى أنعم أولا فأمر بالشكر، ثم ابتلى وأمر بالصبر، لينال الرجل درجة الشاكرين والصابرين معا، فيكمل إيمانه...
قوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الخوف والجوع}. هذا ترق لأن الجوع أشد من الخوف. فإن قلت: إنه أيضا أشد من النقص من الأموال. قلت: الجواب أن النقص من الأموال أكثر وجودا في النّاس من الجوع فهو أشد مفسدة والنقص من الأنفس بالمرض أو بالموت أشد من الجميع...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان من شأن الطين الذي منه البشر وما تولد منه أنه لا يخلص عن الشوائب إلا بعد معاناة شديدة، ألا ترى أن الذهب أصفاه وهو لا يخلو عن الغش ولا يعرى عما خالطه من الدنس إلا بالامتحان بشديد النيران! قال تعالى معلماً لهم بالتربية بما تحصل به التصفية بما تؤدي إليه مناصبة الكفار ومقارعة أهل دار البوار: {ولنبلونكم} عطفاً على ما أرشد إليه التقدير من نحو قوله: فلنأمركم بمقارعة كل من أمرناكم من قبل بمجاملته وليتمالأن عليكم أهل الأرض ولنبلونكم أي يصيبكم بأشياء إصابة تشبه فعل المختبر لأحوالكم ليظهر الصابر من الجزع. قال الحرالي: فالصبر الأول أي في {أن الله مع الصابرين} عن الكسل وعلى العمل، والصبر الثاني أي في {وبشر الصابرين} على مصائب الدنيا، فلذلك انتظم بهذه الآيات آية {ولنبلونكم} عطفاً وتجاوزاً لأمور يؤخذ بها من لم يجاهد في سبيل الله ضعفاً عن صبر النفس عن كره القتال.
{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القتال وهو كره لكم} [البقرة: 216] فمن لم يحمل الصبر الأول على الجهاد أخذ بأمور هي بلايا في باطنه تجاوزها الخطاب فانعطف عليها {ولنبلونكم بشيء من الخوف} وهو حذر النفس من أمور ظاهرة تضرها {والجوع} وهو غلبة الحاجة إلى الغذاء على النفس حتى تترامى لأجله فيما لا تتأمل عاقبته، فإذا كان على غير غلبة مع حاجة فهو الغرث، فلذلك في الجوع بلاء مّا والغرث عادة جارية. وقال أيضاً: الجوع فراغ الجسم عما به قوامه كفراغ النفس عن الأمنة التي لها قوام مّا، فأفقدها القوامين في ذات نفسها بالخوف وفي بدنها بالجوع لما لم تصبر على كره الجهاد، وقد كان ذلك لأهل الصبر عليه أهون من الصبر على الخوف والجوع، وإنما كان أول نائلهم من هذا الابتلاء الخوف حيث خافوا الأعداء على أنفسهم فجاءهم إلى مواطنهم، من لم يمش إلى طبيبه ليستريح جاء الطبيب لهلاكه، وشتان بين خوف الغازي للعدو في عقره وبين خوف المحصر في أهله، وكذلك شتان بين أرزاق المجاهد وتزويده وخير الزاد التقوى في سبيله لجهاده وبين جوع المتخلف في عيلته -انتهى. ونكر الشيء وما بعده حثاً على الشكر بالإشارة إلى أن كل ما أصاب منها ففي قدرة الله ما هو أعظم منه، فعدم الإصابة به نعمة.
ولما كان الجوع قد يكون عن رياضة بين أنه عن حاجة بقوله: {ونقص} وهو التقاصر عن الكفاف {من الأموال} أي النعم التي كانت منها أغذيتهم. قال الحرالي: لأن ذلك عرف استعمالهم في لفظ المال. وقال أيضاً: والمال ما هو للمتمول بمنزلة الجزء منه عنده لماله لذلك منه، فضاعف تعالى مثال البلاء في ذوات أنفسهم وأبدانهم ليقطع عنهم راحة تطلع الكفاية من الأموال في مقابلة ما ينال المجاهد من الغناء والرزق، فالمجاهد آمن في جيشه متزود في رحله غانم من عدوه، والمتخلف خائف في أهله جائع في عيلته ناقص المال من ذات يده- انتهى.
ولما كان ذلك قد يكون عن إفراط في الكثرة قال: {والأنفس} قال الحرالي: فيه إشعار بأن من جاهد كثر عدده ونما ولده، وأن من تكاسل قل عدده ودرج خلفه، وفي ضمنه إشعار بمنال المتكاسل حواصد من جوارف الآجال من الوباء والطاعون وغيره -انتهى. وقال: {والثمرات} التي هي أنفس الأشجار التي بها قوام أنفس الأبدان تخصيصاً لها بالذكر، لأنها أعظم أموال الأنصار الذين هم من أخص الناس بهذا الذكر لا سيما في وقت نزول هذه الآيات وهو أول زمان الهجرة.
ولما كان السياق مرشداً إلى أن التقدير: فأنذر من لم يصبر، ولكنه طوى إشارة إلى إجلال الذين آمنوا عن أن يكون فيهم من لم يصبر عطف عليه إرشاداً إليه وحثاً على الصبر ثم الذكر الموجبين للنصر قوله: {وبشر الصابرين} وقال الحرالي: ولما كان هذا البلاء عن تكاسل من الصبر الأول كما قال تعالى: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [الرعد: 11] وكان مما يتداركه صبر عليه تدارك تعالى هذه الرتبة ببشرى الصابرين من هلكه ما ينال من لم يصبر على هذه المصيبة وضجر منها وتسخط فيها، فكان للصابر الأول الصحبة بقوله: {إن الله مع الصابرين}.
تفسير المنار لرشيد رضا 1354 هـ :
ذكر الله تعالى فضل الشهادة التي استهدف لها المؤمنين في سبيل الدعوة إلى الحق والدفاع عنه، ثم ذكر مجموع المصائب التي يبلوهم ويمنحهم بها وهي لا تنافي ما وعدهم به من نعم الدنيا فقال {ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات} أي ولنمتحننكم ببعض ضروب الخوف من الأعداء وغيره من المصائب البشرية المعتادة في المعايش، وأكد هذا بصيغة القسم لتوطين الأنفس عليه فعلمهم به أن مجرد الانتساب إلى الإيمان، لا يقتضي سعة الرزق وقوة السلطان، وانتفاء المخاوف والأحزان، بل يجري ذلك بسنن الله تعالى في الخلق كما أن من سنن الخلق وقوع المصائب بأسبابها. وإنما المؤمن الموفق من يستفيد من مجاري الأقدار، إذ يتربى ويتأدب بمقاومة الشدائد والأخطار، ومن لم تعلمه الحوادث، وتهذبه الكوارث، فهو جاهل بهدي الدين، متبع غير سبيل المؤمنين، غير معتبر بقوله تعالى بعد ذكر هذا البلاء المبين {وبشر الصابرين} فإنه تعالى أراد أن ينبهنا بهذا إلى أن هذه العقيدة هي التي تكتسب بها ملكة الصبر التي يقرن بها الظفر ويكون صاحبها أهلا لأن يبشر باحتمال البلاء والاستفادة بحسن العقبة في الأمور كلها.
فالبشارة في الآية عامة ولم يذكر المبشر به إيذانا بذلك وهو إيجار لا يعهد مثله في غير القرآن الحكيم، فأنت ترى أنه لو أريد ذكر ما يبشرون به لخرج الكلام إلى تطويل لا حاجة إليه كبيان عاقبة من يقع في كل نوع من أنواع المخاوف فيصابرها وينجح في أعقابها وهي كثيرة، وهكذا الخوف المشار إليه في الآية وأعداء الإسلام على ما كانوا عليه من الكثرة والقوة ظاهر لا يخفى، على أن بعضهم فسره بالخوف من الله تعالى وهو باطل لأن هذا من أعظم ثمرات الإيمان، لا من مصائب الامتحان، فهو نعمة تعين على الصبر لا مصيبة يطلب الصبر عليها أو فيها لأجل تهوين خطبها. وأما الجوع فقد قالوا إنه ما يكون من الجدب والقحط.
قال الأستاذ الإمام: وليس هذا هو المراد في الآية المسوقة لبيان ما يلاقي المؤمنون في سبيل الإيمان ولا وقع للصحابة في ذلك العهد وإنما هو أحدهم يؤمن فيفصل من أهله وعشيرته ويخرج في الغالب صفر اليدين، ولذلك كان الفقر عاما في المسلمين من أول عهدهم إلى ما بعد فتح مكة، ومن هذا التفسير يفهم المراد من نقص الأموال وهي الأنعام التي كانت معظم ما يتموله العرب. وأما الثمرات فهي على أصلها، وكان معظمها ثمرات النخل. وقيل هي الولد ثمر القلب كما يقولون في المجاز المشهور. وقد بلغ من الجوع المسلمين أن كانوا يتبلغون بتمرات يسيرة ولاسيما في غزوتي الأحزاب وتبوك. وأما نقص الأنفس فهو ما كان من القتل والموتان من اجتواء المدينة، فقد كانت عند هجرتهم إليها بلد وباء وحمى ثم حسن مناخها.
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
فأخبر في هذه الآية أنه سيبتلي عباده {بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ} من الأعداء {وَالْجُوعِ} أي: بشيء يسير منهما، لأنه لو ابتلاهم بالخوف كله، أو الجوع، لهلكوا، والمحن تمحص لا تهلك... {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} أي: بشرهم بأنهم يوفون أجرهم بغير حساب...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
لا بد من تربية النفوس بالبلاء، ومن امتحان التصميم على معركة الحق بالمخاوف والشدائد، وبالجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات.. لا بد من هذا البلاء ليؤدي المؤمنون تكاليف العقيدة، كي تعز على نفوسهم بمقدار ما أدوا في سبيلها من تكاليف. والعقائد الرخيصة التي لا يؤدي أصحابها تكاليفها لا يعز عليهم التخلي عنها عند الصدمة الأولى.
فالتكاليف هنا هي الثمن النفسي الذي تعز به العقيدة في نفوس أهلها قبل أن تعز في نفوس الآخرين. وكلما تألموا في سبيلها، وكلما بذلوا من أجلها.. كانت أعز عليهم وكانوا أضن بها. كذلك لن يدرك الآخرون قيمتها إلا حين يرون ابتلاء أهلها بها وصبرهم على بلائها.. إنهم عندئذ سيقولون في أنفسهم: لو لم يكن ما عند هؤلاء من العقيدة خيرا مما يبتلون به وأكبر ما قبلوا هذا البلاء، ولا صبروا عليه.. وعندئذ ينقلب المعارضون للعقيدة باحثين عنها، مقدرين لها، مندفعين إليها.. وعندئذ يجيء نصر الله والفتح ويدخل الناس في دين الله أفواجا.. ولا بد من البلاء كذلك ليصلب عود أصحاب العقيدة ويقوى.
فالشدائد تستجيش مكنون القوى ومذخور الطاقة؛ وتفتح في القلب منافذ ومسارب ما كان ليعلمها المؤمن في نفسه إلا تحت مطارق الشدائد. والقيم والموازين والتصورات ما كانت لتصح وتدق وتستقيم إلا في جو المحنة التي تزيل الغبش عن العيون، والران عن القلوب...