فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَلَنَبۡلُوَنَّكُم بِشَيۡءٖ مِّنَ ٱلۡخَوۡفِ وَٱلۡجُوعِ وَنَقۡصٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡوَٰلِ وَٱلۡأَنفُسِ وَٱلثَّمَرَٰتِۗ وَبَشِّرِ ٱلصَّـٰبِرِينَ} (155)

{ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين ، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } .

{ ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات } أي لنختبرنكم واللام جواب القسم ، أي والله لنبلونكم يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم والبلاء أصله المحنة أي نمتحنكم لنختبركم هل تصبرون على البلاء وتستسلمون للقضاء أم لا ، وليظهر الطائع من العاصي ، والتنكير للتقليل أي بشيء قليل من هذه الأمور ، فإن ما وقاهم عنه أكثر بالنسبة إلى ما أصابهم بألف مرة فكذا ما يصيب به معانديهم ، وإنما أخبر به قبل الوقوع ليوطنوا عليهم نفوسهم ويزداد يقينهم عند مشاهدتهم له حسبما أخبر به ، وليعلموا أنه شيء يسير له عاقبة محمودة ، والمراد بالخوف ما يحصل لمن يخشى من نزول ضرر به من عدو أو غيره ، وبالجوع المجاعة التي تحصل عند الجدب والقحط ، وبنقص الأموال ما يحدث فيها بسبب الجوائح وما أوجبه الله فيها من الزكاة ونحوها .

عن رجاء ابن حيوة قال : يأتي على الناس زمان لا تحمل النخلة فيه إلا تمرة ، وبنقص الأنفس بالموت والقتل في الجهاد ، وبنقص الثمرات ما يصيبها من الآفات ، وهو من عطف الخاص على العام لشمول الأموال للثمرات وغيرها .

وقال الشافعي : في تفسير هذه الآية الخوف خوف الله والجوع صيام شهر رمضان ونقص الأموال إخراج الزكاة والصدقات ونقص الأنفس بالأمراض ونقص الثمرات موت الأولاد لأن الولد ثمرة القلب . وفي الحديث : ( إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته أقبضتم ولد عبدي ؟ قالوا : نعم قال : أقبضتم ثمرة فؤاده ؟ قالوا : نعم قال : فماذا قال ؟ قالوا : حمدك واسترجع ، قال : ابنوا له بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد ) ، أخرجه الترمذي عن أبي موسى الأشعري مرفوعا .

وقال حديث حسن ، ولكن اللفظ القرآني أوسع مما قال وأعم منه فلا يخصص بشيء دون غيره { وبشر الصابرين } أمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لكل من يقدر على التبشير وقد تقدم معنى البشارة والصبر أصله الحبس ، والجملة عطف على { ولنبلونكم } عطف المضمون على المضمون أي الابتلاء حاصل لكم وكذا البشارة لكن لمن صبر قاله سعد التفتازاني .