قوله تعالى : { ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله } . أي طلب رضا الله تعالى .
قوله تعالى : { وتثبيتاً من أنفسهم } . قال قتادة : احتساباً ، وقال الشعبي والكلبي : تصديقاً من أنفسهم ، أي يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم على يقين بالثواب وتصديق بوعد الله ، يعلمون أن ما أخرجوا خير لهم مما تركوا ، وقيل : على يقين بإخلاف الله عليهم . وقال عطاء ومجاهد : يثبتون أي يضعون أموالهم .
قال الحسن : كان الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان لله أمضى ، وإن كان يخالطه شك أمسك ، وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت ، كقوله تعالى : " وتبتل إليه تبتيلاً " أي تبتل .
قوله تعالى : { كمثل جنة } . أي بستان قال المبرد والفراء : إذا كان في البستان نخل فهو جنة ، وإن كان فيه كرم فهو فردوس .
قوله تعالى : { بربوة } . قرأ ابن عامر وعاصم ، بربوة وإلى ربوة في سورة المؤمنين بفتح الراء ، وقرأ الآخرون بضمها ، وهي المكان المرتفع المستوي الذي تجري فيه الأنهار فلا يعلوه الماء ، ولا يعلو عن الماء ، وإنما جعلها بربوة لأن النبات عليها أحسن وأزكى .
قوله تعالى : { أصابها وابل } . مطر شديد كثير .
قوله تعالى : { فآتت أكلها } . ثمرها ، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف ، وقرأ الباقون بالتثقيل ، وزاد نافع وابن كثير تخفيف أكلها والأكل ، وخفف أبو عمرو ورسلنا ورسلكم ورسلهم وسبلنا .
قوله تعالى : { ضعفين } . أي أضعفت في الحمل . قال عطاء : حملت في سنة من الريع ما يحمل غيرها في سنتين ، وقال عكرمة : حملت في السنة مرتين .
قوله تعالى : { فإن لم يصبها وابل فطل } . أي فطش ، وهو المطر الضعيف الخفيف ويكون دائماً . قال السدي : هو الندى ، وهذا مثل ضربه الله تعالى لعمل المؤمن المخلص فيقول : كما أن هذه الجنة تريع في كل حال ولا تخلف ، سواء قل المطر أو كثر ، كذلك يضعف الله صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمن ولا يؤذي سواء قلت نفقته أو كثرت ، وذلك أن الطل إذا كان يدوم عمل الوابل الشديد .
وبعد أن بين القرآن سوء عاقبة الذين يراءون في صدقتهم ، ويفسدون ثمارها بالمن والأذى ، أتبع ذلك ببيان حسن عاقبة الذين ينفقون أموالهم ابتغاء رضا الله ، فقال - تعالى :
{ وَمَثَلُ الذين يُنْفِقُونَ . . . }
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 265 )
التثبيت : تحقيق الشيء وترسيخه ،
والجنة - كما يقول الراغب - كل بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض . وأصل الجن ستر الشيء على الحاسة ، يقال : جنة الليل وأجنه أي ستره . وسميت الجنة بذلك لأنها تظلل ما تحتها وتستره . ( الربوة ) - بضم الراء - وفتحها - المكان المرتفع من الأرض . وأصلها من قولهم : ربا الشيء يربو إذا ازداد وارتفع ومنه الربا للزيادة المأخوذة على أصل الشيء .
والمعنى : ومثل الذين ينفقون أموالهم طلبا لرضي الله - تعالى - { وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } أي : وتوطينا لأنفسهم أي : وتوطينا لأنفسهم على حفظ هذه الطاعة وعلى ترك ما يفسدها كمثل جنة بموضع مرتفع من الأرض نزل بها مطر كثير فأخرجت ثمرها ( ضعفين ) أي ضعفا بعد ضعف فتكون التثنية للتكثير ، أو فأعطت صابحها أو الناس مثلى ما كانت تثمر في سائر الأوقات بسبب ما أصابها من المطر الغزير . أو فأخرجت ثمرها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من الجنان .
والمقصود تشبيه نفقة هؤلاء المؤمنين المخلصين في زكائها ونمائها عند الله بتلك الحديقة اليانعة المرتفعة التي تنزل عليها المطر الغزير فأتت أكلها مضاعفاً وأخرجت للناس من كل زوج بهيج .
وقوله : { ابتغآء } مفعول لأجله أي يبذلون نفقتهم من أجل رضا الله - عز وجل - أو حال من فاعل ينفقون . أي ينفقون أموالهم طالبين رضا الله .
وقوله : { وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } معطوف على سابقه ، وقد ذكر صاحب الكشاف أوجها في معنى هذه الجملة الكريمة فقال : قوله : { وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } أي وليثبتوا منها ببذل المال الذي هو شقيق الروح على سائر العبادات الشاقة وعلى الإِيمان ، لأن النفس إذا رضيت بالتحامل عليها وتكليفها ، ما يصعب عليها ذلت خاضعة لصاحبها وقل طمعها في اتباعه لشهواتها وبالعكس ، فكان إنفاق المال تثبيتا لها على الإِيمان واليقين . و { مِّنْ } على هذا الوجه للتبعيض ، مثلها في قولهم : هز من عطفه وحرك من نشاطه . ويجوز أن يراد من قوله - تعالى - : { وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } أي : وتصديقا للإِسلام وتحقيقا للجزاء من أصل أنفسهم لأنه إذا أنفق السملم ماله في سبيل الله ، علم أن تصديقه وإيمانه بالثواب من أصل نفسه ومن إخلاص قلبه . و { مِّنْ } على هذا الوجه لابتداء الغاية ، كقوله - تعالى - ( حَسَداً مِّنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) ويحتمل أن يكون المعنى : وتثبيتا من أنفسهم عند المؤمنين أنها صادقة الإِيمان مخلصة فيه ، وتعضد هذا المعنى قراءة مجاهد : وتثبيتا من أنفسهم : فإن قلت : فما معنى التبعيض ؟ قلت : معناه أن من يذل ماله لوجه الله فقد ثبت بعض نفسه ، ومن بذل ماله وروحه معاً فهو الذي ثبتها كله كما في قوله - تعالى - : { وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ }
وخصص الجنة بأنها بربوة لأن الأشجار في المكان المرتفع من الأرض تكون عادة أحسن منظرا ، وأزكى ثمرا ، للطاقة هوائها ، فكان من فوائده هذا القيد إعطاء وجه الشبه - وهو تضعيف المنفعة وجمالها قوة ووضوحاً ، كما أن من فوائده تحسين المشبه به تحسينا يعود أثره إلى المشبه عند السامع .
ثم قال - تعالى - : { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } .
والطل : هو المطر القليل وجمعه طلال ، وهو مبتدأ محذوف الخبر أي فطل قليل يصبها يكفيها .
والمراد أن هذه الجنة لطيبها وكرم منبتها تزكو وتثرم كثر المطر النازل عليها أو قل فكذلك نفقة المؤمنين المخلصين تزكو عند الله وتطيب كثرة أو قلت ، لأن إخلاصهم فيها جعلها عند الله - تعالى - مضاعفة نامية .
ثم ختم - سبحانه - الآية بقوله : { والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِير } .
أي أنه - سبحانه - عليم بأحوال عباده لا تخفى عليه خافية ، وسيجازي المخلصين بما يرضيهم كما سيجازي المنانين والمرائين بما يستحقون . ففي الجملة الكريمة ترغيب وترهيب ووعيد .
وبذلك نرى القرآن الكريم قد ساق في هذه الآية وسابقتها حالتين متقابلتين : حالة الذي يبطل صدقته بالمن والأذى والرياء ، وكيف تكون عاقبته ونهايته . وحالة الذي ينفق ماله طلباً لرضا الله وتعويداً لنفسه على فعل الطيبات وكيف يكون جزاؤه عند العليم الخبير ولقد صور القرآن هاتين الحالتين تصويراً مؤثراً بديعاً ، من شأنه أن يهدي العقلاء إلى فعل الخيرات ، وإخلاص النيات ، واجتناب السيئات
أما المنظر الثاني المقابل له في المشهد . . فقلب عامر بالإيمان ، ندي ببشاشته . ينفق ماله ( ابتغاء مرضاة الله ) . . وينفقه عن ثقة ثابتة في الخير ، نابعة من الإيمان ، عميقة الجذور في الضمير . . وإذا كان القلب الصلد وعليه ستار من الرياء يمثله صفوان صلد عليه غشاء من التراب ، فالقلب المؤمن تمثله جنة . جنة خصبة عميقة التربة في مقابل حفنة التراب على الصفوان . جنة تقوم على ربوة في مقابل الحجر الذي تقوم عليه حفنة التراب ! ليكون المنظر متناسق الأشكال ! فإذا جاء الوابل لم يذهب بالتربة الخصبة هنا كما ذهب بغشاء التراب هناك . بل أحياها وأخصبها ونماها . .
( أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين ) . .
أحياها كما تحيي الصدقة قلب المؤمن فيزكو ويزداد صلة بالله ، ويزكو ماله كذلك ويضاعف له الله ما يشاء . وكما تزكو حياة الجماعة المسلمة بالإنفاق وتصلح وتنمو :
( فإن لم يصبها وابل ) . . غزير . . ( فطل ) من الرذاذ يكفي في التربة الخصبة ويكفي منه القليل !
إنه المشهد الكامل ، المتقابل المناظر ، المنسق الجزئيات ، المعروض بطريقة معجزة التناسق والأداء ، الممثل بمناظره الشاخصة لكل خالجة في القلب وكل خاطرة ، المصور للمشاعر والوجدانات بما يقابلها من الحالات والمحسوسات ، الموحي للقلب باختيار الطريق في يسر عجيب . .
ولما كان المشهد مجالا للبصر والبصيرة من جانب ، ومرد الأمر فيه كذلك إلى رؤية الله ومعرفته بما وراء الظواهر ، جاء التعقيب لمسة للقلوب :
وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآَتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( 265 )
من أساليب فصاحة القرآن أنه يأتي فيه نقيض ما يتقدم ذكره لتبيين حال التضاد بعرضها على الذهن ، فلما ذكر الله صدقات القوم الذين لا خلاق لصدقاتهم ونهى المؤمنين عن مواقعة ما يشبه ذلك بوجه ما عقب في هذه الآية بذكر نفقات القوم الذين تزكو صدقاتهم وهي على وجهها في الشرع( {[2594]} ) فضرب لها مثلاً ، وتقدير الكلام ومثل نفقة الذين ينفقون كمثل غراس جنة ، لأن المراد بذكر الجنة غراسها أو تقدر الإضمار في آخر الكلام دون إضمار نفقة في أوله ، كأنه قال : كمثل غارس جنة( {[2595]} ) ، و { ابتغاء } معناه طلب ، وإعرابه النصب على المصدر في موضع الحال( {[2596]} ) . وكان يتوجه فيه النصب على المفعول من أجله . لكن النصب على المصدر هو الصواب من جهة عطف المصدر الذي هو { وتثبيتاً } عليه . ولا يصح في { تثبيتاً } أنه مفعول من أجله ، لأن الإنفاق ليس من أجل التثبيت . وقال مكي في المشكل( {[2597]} ) : كلاهما مفعول من أجله وهو مردود بما بيناه ، و { مرضاة } مصدر من رضي يرضى ، وقال الشعبي والسدي وقتادة وابن زيد وأبو صالح : { وتثبيتاً } معناه وتيقناً ، أي إن نفوسهم لها بصائر متأكدة فهي تثبتهم على الإنفاق في طاعة الله تثبيتاً( {[2598]} ) ، وقال مجاهد والحسن : معنى قوله : { وتثبيتاً } أي إنهم يتثبتون أين يضعون صدقاتهم ؟ وقال الحسن كأن الرجل إذا هم بصدقة تثبت ، فإن كان ذلك لله أمضاه وإن خالطه شك أمسك ، والقول الأول أصوب . لأن هذا المعنى الذي ذهب إليه مجاهد والحسن إنما عبارته وتثبتاً ، فإن قال محتج إن هذا من المصادر التي خرجت على غير المصدر كقوله تعالى : { وتبتل إليه تبتيلاً }( {[2599]} ) [ المزمل : 8 ] ، وكقوله : { أنبتكم من الأرض نباتاً }( {[2600]} ) [ نوح : 17 ] فالجواب لا يسوغ إلا مع ذكر المصدر والإفصاح بالفعل المتقدم للمصدر ، وأما إذا لم يقع إفصاح بفعل فليس لك أن تأتي بمصدر في غير معناه ثم تقول أحمله على فعل كذا وكذا لفعل لم يتقدم له ذكر ، هذا مهيع كلام العرب فيما علمت ، وقال قتادة : { وتثبيتاً } معناه وإحساناً من أنفسهم .
قال القاضي أبو محمد : وهذا نحو القول الأول ، والجنة البستان وهي قطعة أرض نبتت فيها الأشجار حتى سترت الأرض ، فهي من لفظ الجن والجنن والجنة وجن الليل ، والربوة ما ارتفع من الأرض ارتفاعاً يسيراً معه في الأغلب كثافة التراب وطيبه وتعمقه ، وما كان كذلك فنباته أحسن ، ورياض الحزن ليس من هذا كما زعم الطبري( {[2601]} ) ، بل تلك هي الرياض المنسوبة إلى نجد لأنها خير من رياض تهامة ونبات نجد أعطر ونسميه أبرد وأرق ، ونجد يقال له الحزن ، قول ما يصلح هواء تهامه إلا بالليل ، وللذلك قالت الأعرابية : زوجي كليل تهامة( {[2602]} ) ، وقال ابن عباس : الربوة المكان المرتفع الذي لا تجري فيه الأنهار .
{ قال القاضي أبو محمد عبد الحق رضي الله عنه } : وهذا إنما أراد به هذه الربوة المذكورة في كتاب الله ، لأن قوله تعالى : { أصابها وابل } إلى آخر الآية يدل على أنها ليس فيها ماء جار ، ولم يرد ابن عباس أن جنس الربا لا يجري فيها ماء ، لأن الله تعالى قد ذكر ربوة ذات قرار ومعين ، والمعروف في كلام العرب أن الربوة ما ارتفع عما جاوره سواء جرى فيها ماء أو لم يجر ، وقال الحسن : الربوة الأرض المستوية التي لا تعلو فوق الماء ، وهذا أيضاً أراد أنها ليست كالجبل والظرب( {[2603]} ) ونحوه ، قال الخليل أرض مرتفعة طيبة وخص( {[2604]} ) الله بالذكر التي لا يجري فيها ماء من حيث هي العرف في بلاد العرب فمثل لهم بما يحسونه كثيراً ، وقال السدي { بربوة } أي برباوة وهو ما انخفض من الأرض ، قال أبو محمد : وهذه عبارة قلقة( {[2605]} ) ولفظ الربوة هو مأخوذ من ربا يربو إذا زاد ، يقال «رُبوة » بضم الراء وبها قرأ ابن كثير وحمزة الكسائي ونافع وأبو عمرو . ويقال «رَبوة » بفتح الراء وبها قرأ عاصم وابن عامر ، وكذلك خلافهم في سورة المؤمنين( {[2606]} ) ، ويقال رِبوة بكسر الراء وبها قرأ ابن عباس فيما حكي عنه . ويقال رَباوة بفتح الراء والباء وألف بعدها ، وبها قرأ أبو جعفر وأبو عبد الرحمن ، ويقال رباوة بكسر الراء وبها قرأ الأشهب العقيلي ، { وآتت } معناه أعطت ، و «الأُكْل » بضم الهمزة وسكون الكاف الثمر الذي يؤكل ، والشيء المأكول من كل شيء يقال له أكل ، وإضافته إلى الجنة إضافة اختصاص كسرج الدابة وباب الدار ، وإلا فليس الثمر مما تأكله الجنة ، وقرأ ابن كثير( {[2607]} ) ونافع وأبو عمرو «أُكْلُها » بضم الهمزة وسكون الكاف ، وكذلك كل مضاف إلى مؤنث وفارقهما أبو عمرو فيما أضيف إلى مذكر مثل أكله أو كان غير مضاف إلى غير مكنى( {[2608]} ) مثل أكل خمط فثقل أبو عمرو ذلك ، وخففاه ، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي في جميع ما ذكرناه ، بالتثقيل . ويقال أكل وأكل بمعنى ، وهو من أكل بمنزلة الطعمة من طعم ، أي الشيء الذي يطعم ويؤكل ، و { ضعفين } معناه : اثنين مما يظن بها ويحرز من مثلها ، ثم أكد تعالى مدح هذه الربوة بأنها { إن لم يصبها وابل } فإن الطل يكفيها وينوب مناب الوابل ، وذلك لكرم الأرض ، والطل المستدق من القطر الخفيف ، قاله ابن عباس وغيره ، وهو مشهور اللغة ، وقال قوم الطل الندى ، وهذا تجوز وتشبيه( {[2609]} ) ، وقد روي ذلك عن ابن عباس . قال المبرد : تقديره { فطلٌّ } يكفيها( {[2610]} ) . وقال غيره التقدير : فالذي أصابهم طل ، فشبه نمو نفقات هؤلاء المخلصين الذين يربى الله صدقاتهم كتربية الفلو والفصيل حسب الحديث بنمو نبات هذه الجنة بالربوة الموصوفة ، وذلك كله بخلاف الصفوان الذي انكشف عنه ترابه فبقي صلداً ، وفي قوله تعالى : { والله بما تعملون بصير } وعد ووعيد ، وقرأ الزهري يعملون بالياء كأنه يريد به الناس أجمع . أو يريد المنفقين فقط فهو وعد محض .