الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

{ وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ } طلب رضا الله { وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ } قال الشعبي والكلبي والضحاك : يعني تصديقاً من أنفسهم يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم يعلمون أن ما أخرجوا خيراً لهم ممّا تركوا .

السدي وأبو صالح وأبو روق وابن زيد والمفضّل : على يقين إخلاف الله عليهم . قتادة : احتساباً بإيمان من أنفسهم ، عطاء ومجاهد : مثبّتون أي لا يضيّعون أموالهم ، وكذلك قرأ مجاهد : وتثبيتاً لأنفسهم .

قال الحسن : كان الرجل إذا همّ بصدقة تثبّت إن كان لله أعطى وإن خالطه شيء أمسك ، وعلى هذا القول يكون التثبيت بمعنى التثبت كقوله عزّ وجلّ : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] أي تبتّلاً .

سعيد بن جبير وأبو مالك : تخفيفاً في ذنبهم . ابن كيسان : إخلاصاً وتوطيناً لأنفسهم على طاعة الله عزّ وجلّ في نفقاتهم ، الزجاج : ينفقونها مقرّين بأن الله عزّ وجلّ رقيب عليهم .

وأصل هذه الكلمة من قول السائل : ثبت فلان في هذا الأمر إذا حققه وثبت عليه وعزمه وقوي عليه بذاته .

فثبت الله ما آتاك من حسن *** تثبيت موسى ونصراً كالذي نصروا

{ كَمَثَلِ جَنَّةٍ } أي بستان . قال الفراء : إذا كان في البستان نخل فهو جنّة ، وإذا كان كرم فهو فردوس .

وقول مجاهد : كمثل حبّة بالحاء والباء { بِرَبْوَةٍ } قرأ السليمي والعطاردي والحسن وعاصم وابن عامر : { بِرَبْوَةٍ } بفتح الراء هاهنا وفي سورة المؤمنين وهي لغة بني تميم .

وقال أبو جعفر وشيبة ونافع وابن كثير والأعمش وحمزة والكسائي وخلف وأبو عمرو ويعقوب وأيوب بضم الراء فيهما . واختاره أبو حاتم وأبو عبيد لأنّها أكمل اللغات وأشهرها ، وقول ابن عباس وأبو إسحاق السبيعي وابن أبي إسحاق : بربوة ، وقرأ أشهب العقيلي : برباوة بالألف وكسر الراء فيها . وهي جميعاً المكان المرتفع المستوي الذي تجري فيه الأنهار ولا يخلو من الماء . وإنّما سمّيت ربوة لأنّها ربت [ وطابت ] وعلت ، من قولهم ربا الشيء يربو إذا انتفخ وعظم ، وإنّما جعلها بربوة لأن النبات عليها أحسن وأزكى . { أَصَابَهَا وَابِلٌ } مطر شديد كثير { فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو : { أُكُلَهَا } بالتخفيف والباقون بالتشديد وهو الثمر .

قال المفضّل : الأكل : كثرة مافي الشيء ممّا يجود ويقوى به ، يقال : ثوب كثير الأكل ، أي كثير الغزل . ومعناه : وأعطت ثمرها ضعفين والضعف في الحمل .

قال عطاء : حملت في سنة من الريع ما تحمل غيرها في سنتين . قال عكرمة : حملت في السنة مرّتين . { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } أي فطشّ وهو أضعف المطر وألينه .

قال السدي : هو الندى .

أبو سلام عبد الملك بن سلام عن زيد بن أسلم في قوله { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } قال : هي أرض مصر إن لم يصبها مطر زكت وإن أصابها مطر ضعفت ، وهذا مثل ضربه الله عزّ وجلّ لعمل المؤمن المخلص ، يقول : كما أن هذه الجنّة تريع في كلّ حال ولا تخلف ولا تُخيّب صاحبها سواء قلّ المطر أو كثر ، كذلك يُضاعف الله عزّ وجلّ ثواب صدقة المؤمن المخلص الذي لا يمنّ ولا يُوذي سواء قلّت نفقته وصدقته أو كثرت فلا تخيب بحال . { وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } .