محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمۡوَٰلَهُمُ ٱبۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثۡبِيتٗا مِّنۡ أَنفُسِهِمۡ كَمَثَلِ جَنَّةِۭ بِرَبۡوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٞ فَـَٔاتَتۡ أُكُلَهَا ضِعۡفَيۡنِ فَإِن لَّمۡ يُصِبۡهَا وَابِلٞ فَطَلّٞۗ وَٱللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ} (265)

{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة اللّه وتثبيتا من أنفسهم كمثل جنّة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطلّ واللّه بما تعملون بصير 265 } .

{ ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله } مفعول له { وتثبيتا } معطوف عليه . ويجوز أن يكونا حالين . أي مبتغين ومتثبتين { من أنفسهم } قال أبو البقاء : يجوز أن يكون ( من ) بمعنى اللام أي تثبيتا لأنفسهم . كما تقول : فعلت ذلك كسرا من شهوتي . ويجوز أن تكون على أصلها أي تثبيتاً صادراً من أنفسهم . والتثبيت مصدر فعل متعد . فعلى الوجه الأول يكون { من أنفسهم } مفعول المصدر . وعلى الثاني ، يكون المفعول محذوفا . تقديره : / ويثبتون أعمالهم بإخلاص النيّة . ويجوز أن يكون تثبيتا بمعنى ( تثبُّت ) فيكون لازما . والمصادر قد تختلف . ويقع بعضها موقع بعض . ومثله قوله تعالى : { وتبتّل إليه تبتيلا } {[1430]} . أي تبتلا : انتهى . وعن الشعبيّ : تثبيتاً تصديقاً ويقيناً { كمثل جنة } أي بستان { بربوة } أي موضع مرتفع { أصابها وابل } مطر كثير { فآتت أكلها } أي أخرجت ثمرها { ضعفين } أي بالنسبة إلى غيرها من الجنان { فإن لم يصبها وابل فطل } وهو المطر الضعيف ، أو أخف المطر ، أو أضعفه أو الندى . ولا بد من تقدير مضاف هنا كما تقدم : إما من جانب المشبه أو المشبه به . أي ومثل نفقة الذين إلخ . أو كمثل غارس جنّة إلخ . رعاية للتناسب .

قال الشهاب : وفي التشبيه وجهان : أحدهما أنه مركب ، والتشبيه لحال النفقة بحال الجنّة بالربوة في كونها زاكية متكثرة المنافع عند الله كيفما كانت الحال . والثاني أن تشبيه حالهم بحال الجنة على الربوة في أن نفقتهم ، كثرت أو قلت ، زاكية زائدة في حسن حالهم . كما أن الجنة يُضَعِّف أُكُلَها قويُّ المطر وضعيفُه . وهذا أيضا تشبيه مركب . إلا أنه لوحظ الشبه فيما بين المفردات . وحاصله : أن حالهم في إتباع القلة والكثرة تضعيف الأجر . كحال الجنة في إنتاج الوابل والطل تضعيف ثمارها . ويحتمل وجها ثالثا وهو أن يكون من تشبيه المفرد بالمفرد بأن تشبه حالهم بجنة مرتفعة في الحسن والبهجة . والنفقة الكثيرة والقليلة بالطل والوابل ، والأجر والثواب بالثمرات . والربوة مثلثة الراء . وأُكُل بضمتين ، وتسكن للتخفيف ، وبه قرئ { والله بما تعملون بصير } تحذير عن الرياء وترغيب في الإخلاص .


[1430]:[73/ المزمل/ 8] ونصها: {واذكر اسم ربك وتبتّل إليه تبتيلا 8}.