معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين

وآياتها ست وثلاثون

{ ويل للمطففين } يعني الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون حقوق الناس . قال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان : مطفف ، لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف .

أخبرنا أبو بكر يعقوب بن أحمد بن محمد بن علي الصيرفي ، حدثنا أبو محمد الحسن بن أحمد المخلدي ، أنبأنا أبو حامد أحمد بن محمد بن الحسن الحافظ ، حدثنا عبد الرحمن بن بشر ، حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، حدثني يزيد النحوي أن عكرمة حدثه عن ابن عباس قال : " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله عز وجل : { ويل للمطففين } فأحسنوا الكيل " . وقال السدي : " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يقال له : أبو جهينة ، ومعه صاعان ، يكيل بأحدهما ، ويكتال بالآخر ، فأنزل الله هذه الآية " . فالله تعالى جعل الويل للمطففين .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المطففين

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المطففين " أو سورة " ويل للمطففين " أو سورة " التطفيف " من السور التي اختلف المفسرون في كونها مكية أو مدنية أو بعضها مكي وبعضها مدني .

فصاحب الكشاف يقول : مكية . . وهي آخر سورة نزلت بمكة .

والإمام ابن كثير يقول : هي مدنية ، دون أن يذكر في ذلك خلافا .

والإمام القرطبي يقول : سورة " المطففين " : مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومدنية في قول الحسن وعكرمة ، وهي ست وثلاثون آية .

قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : هي مدنية إلا ثماني آيات ، من قوله –تعالى- : [ إن الذين أجرموا ] إلى آخرها . فإنها مكية . وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة .

والإمام الآلوسي يجمع كل هذه الأقوال في تفسيره بشيء من التفصيل دون أن يرجح بينها .

2- ويبدو لنا أن سورة المطففين من السور المكية ، إلا أننا نرجح أنها من آخر ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من قرآن مكي ، وقد ذكرها الإمام السيوطي في كتابه الإتقان ، على أنها آخر سورة مكية ، نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة( {[1]} ) .

ومما يجعلنا نرجح أن سورة المطففين من السور المكية : حديثها الواضح عن الفجار والأبرار .

وعن يوم القيامة وسوء عاقبة المكذبين به ، وعن أقوال المشركين في شأن القرآن الكريم .

وعن الموازنة بين مصير المؤمنين والكافرين ، وعن موقف كفار قريش من فقراء المؤمنين .

وهذه الموضوعات نراها من السمات الواضحة للقرآن المكي ، وإذا كان القرآن المدني قد تحدث عنها ، فبصورة أقل تفصيلا من القرآن المكي .

3- والسورة الكريمة في مطلعها تهدد الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم . وتذكرهم بيوم البعث والحساب والجزاء ، لعلهم يتوبون إلى خالقهم ويستغفرونه مما فرط منهم .

ثم تسوق موازنة مفصلة بين سوء عاقبة الفجار ، وحسن عاقبة الأبرار .

ثم تختتم بذكر ما كان يفعله المشركون مع فقراء المؤمنين ، من استهزاء وإيذاء ، وبشرت هؤلاء المؤمنين : بأنهم يوم الجزاء والحساب ، سيضحكون من الكفار ، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا . قال –تعالى- : [ فاليوم الذي آمنوا من الكفار يضحكون . على الأرائك ينظرون . هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ] .

الويل : لفظ دال على الهلاك أو الشر ، وهو اسم لا فعل له من لفظه . . وقيل : هو اسم واد فى جهنم .

و { المطففين } جمع مطفف ، من الطفيف ، وهو الشئ التافه الحقير ، لأن ما يغتاله المطفف من غيره شئ قليل . والتطفيف : الإِنقاص فى المكيال أو الميزان عن الحدود المطلوبة .

قال الإِمام ابن جرير : وأصل التطفيف ، من الشئ الطفيف ، وهو القليل النزر . والمطفف : المقلل صاحب الحق عَمَّا له من الوفاء والتمام فى الوكيل أو وزن . ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء فى حسبه أو عدد : هم سواء كطف الصاع . يعنى بذلك كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء . .

وقوله : { اكتالوا } من الاكتيال وهو افتعال من الكيل . والمراد به : أخذ مالهم من مكيل من غيرهم بحكم الشراء .

ومعنى : { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } : كالوهم أو وزنوا لهم ، فحذفت اللام ، فتعدى الفعل إلى المفعول ، فهو من باب الحذف والإِيصال .

فالواوان فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } يعودان إلى الاسم الموصول فى قوله : { الذين إِذَا اكتالوا } والضميران المنفصلان " هم " ، يعودان إلى الناس .

قال صاحب الكشاف : والضمير فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ضمير منصوب راجع إلأى الناس . وفيه وجهان : أن يراد : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم فحذف الجار ، وأوصل الفعل ، كما فى قول الشاعر :

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا . . . ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

بمعنى جنيت لك . وأن يكون على حذف مضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، والمضاف هو المكيل أو الموزون . .

والمعنى : هلاك شديد ، وعذاب أليم ، للمطففين ، وهم الذين يبخسون حقوق الناس فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما ، ومن مظاهر ذلك أنهم إذا اشتروا من الناس شيئا حرصوا على أن يأخذوا حقوقهم منهم كاملة غير منقوصة ، وإذا باعوا لهم شيئا ، عن طريق الكيل أو الوزن أو ما يشبههما { يُخْسِرُونَ } أى : ينقصون فى الكيل أو الوزن .

يقال : خسَر فلان الميزان وأخْسَره ، إذا نقصه ، ولم يتممه كما يقتضيه العدل والقسط .

وافتتحت السورة الكريمة بلفظ " الويل " للإِشعار بالتهديد والتشديد ، والوعيد الأليم لمن يفعل ذلك . وقوله { ويل } مبتدأ ، وهو نكرة ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء . وخبره " للمطففين " .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.
 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين مكية وآياتها ست وثلاثون

هذه السورة تصور قطاعا من الواقع العملي الذي كانت الدعوة تواجهه في مكة - إلى جانب ما كانت تستهدفه من إيقاظ القلوب ، وهز المشاعر ، وتوجيهها إلى هذا الحدث الجديد في حياة العرب وفي حياة الإنسانية ، وهو الرسالة السماوية للأرض ، وما تتضمنه من تصور جديد شامل محيط .

هذا القطاع من الواقع العملي تصوره السورة في أولها ، وهي تتهدد المطففين بالويل في اليوم العظيم ، ( يوم يقوم الناس لرب العالمين ) . . كما تصوره في ختامها وهي تصف سوء أدب الذين أجرموا مع الذين آمنوا ، وتغامزهم عليهم ، وضحكهم منهم ، وقولهم عنهم : ( إن هؤلاء لضالون ! ) .

وهذا إلى جانب ما تعرضه من حال الفجار وحال الأبرار ؛ ومصير هؤلاء وهؤلاء في ذلك اليوم العظيم .

وهي تتألف من أربعة مقاطع . . يبدأ المقطع الأول منها بإعلان الحرب على المطففين : ( ويل للمطففين . الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ؛ وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم ? يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .

ويتحدث المقطع الثاني عن الفجار في شدة وردع وزجر ، وتهديد بالويل والهلاك ، ودمغ بالإثم والاعتداء ، وبيان لسبب هذا العمى وعلة هذا الانطماس ، وتصوير لجزائهم يوم القيامة ، وعذابهم بالحجاب عن ربهم ، كما حجبت الآثام في الأرض قلوبهم ، ثم بالجحيم مع الترذيل والتأنيب : كلا . إن كتاب الفجار لفي سجين . وما أدراك ما سجين ? كتاب مرقوم . ويل يومئذ للمكذبين ! الذين يكذبون بيوم الدين . وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ، إذا تتلى عليه آياتنا قال : أساطير الأولين . كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون . كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون . ثم إنهم لصالوا الجحيم . ثم يقال : هذا الذي كنتم به تكذبون . .

والمقطع الثالث يعرض الصفحة المقابلة . صفحة الأبرار . ورفعة مقامهم . والنعيم المقرر لهم . ونضرته التي تفيض على وجوههم . والرحيق الذي يشربون وهم على الأرائك ينظرون . . وهي صفحة ناعمة وضيئة : ( كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون ? كتاب مرقوم ، يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم ، على الأرائك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك - وفي ذلك فليتنافس المتنافسون - ومزاجه من تسنيم . عينا يشرب بها المقربون ) . .

والمقطع الأخير يصف ما كان الأبرار يلاقونه في عالم الغرور الباطل من الفجار من إيذاء وسخرية وسوء أدب . ليضع في مقابله ما آل إليه أمر الأبرار وأمر الفجار في عالم الحقيقة الدائم الطويل :

( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ، وإذا مروا بهم يتغامزون ، وإذا انقلبوا إلى أهلهم انقلبوا فكهين . وإذا رأوهم قالوا : إن هؤلاء لضالون . وما أرسلوا عليهم حافظين . فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون . هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ? ) . .

والسورة في عمومها تمثل جانبا من بيئة الدعوة ، كما تمثل جانبا من أسلوب الدعوة في مواجهة واقع البيئة ، وواقع النفس البشرية . . . وهذا ما سنحاول الكشف عنه في عرضنا للسورة بالتفصيل . .

( ويل للمطففين : الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون ، وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون . ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم : يوم يقوم الناس لرب العالمين ? ) . .

تبدأ السورة بالحرب يعلنها الله على المطففين : ( ويل للمطففين ) . . والويل : الهلاك . وسواء كان المراد هو تقرير أن هذا أمر مقضي ، أو أن هذا دعاء . فهو في الحالين واحد فالدعاء من الله قرار . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

تفسير سورة المطففين

وهي مدنية .

قال النسائي وابن ماجة : أخبرنا محمد بن عقيل - زاد ابن ماجة : وعبد الرحمن بن بشر - قالا حدثنا علي بن الحسين بن واقد ، حدثني أبي ، عن يزيد - هو ابن أبي سعيد النحوي ، مولى قريش - عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما قدم نبي الله صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } فحسنَّوا الكيلَ بعد ذلك{[29826]} .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا جعفر بن النضر بن حماد ، حدثنا محمد بن عبيد ، عن الأعمش ، عن عمرو بن مُرّة ، عن عبد الله بن الحارث ، عن هلال بن طلق قال : بينا أنا أسير مع ابن عمر فقلت : من أحسن الناس هيئةً وأوفاه كيلا ؟ أهل مكة أو المدينة ؟ قال : حق لهم ، أما سمعت الله يقول : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ }

وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا ابن فضيل ، عن ضرار ، عن عبد الله المكتب ، عن رجل ، عن عبد الله قال : قال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، إن أهل المدينة ليوفون الكيل . قال : وما يمنعهم أن يوفوا الكيل وقد قال الله عز وجل : { وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ } حتى بلغ : { يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ } {[29827]} .

فالمراد بالتطفيف هاهنا : البَخْس في المكيال والميزان ، إما بالازدياد إن اقتضى من الناس ، وإما بالنقصان إن قَضَاهم ؛ ولهذا فسر تعالى المطففين الذين وعدهم بالخَسَار والهَلاك وهو الويل ، بقوله : { الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ }


[29826]:- (1) سنن النسائي الكبرى برقم (11654) وسنن ابن ماجة برقم (2223).
[29827]:- (2) تفسير الطبري (30/58).
 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم سورة المطففين وهي مكية في قول جماعة من المفسرين واحتجوا لذكر الأساطير وهذا على أن تطفيف الكيل والوزن كان بمكة حسبما هو في كل أمة لا سيما مع كفرهم . وقال ابن عباس والسدي والنقاش وغيره :السورة مدنية قال السدي : كان بالمدينة رجل يكنى أبا جهينة له مكيالان يأخذ بالأوفى ويعطي بالأنقص فنزلت السورة فيه يقال إنها أول سورة نزلت بالمدينة وقال ابن عباس أيضا فيما روي عنه نزل بعضها بمكة ونزل أمر التطفيف بالمدينة لأنهم كانوا أشد الناس فسادا في هذا المعنى فأصلحهم الله تعالى بهذه السورة وقال آخرون نزلت السورة بين مكة والمدينة وذلك ليصلح الله تعالى أمرهم قبل ورود رسوله عليهم قال القاضي أبو محمد وامر الكيل والوزن وكيد جدا وتصرفه في المدن ضروري في الأموال التي هي حرام بغير حق والفساد فيه كبير لا تنفع فيما وقع منه التوبة ولا يخلص إلا رد المظلمة إلى صاحبها وقال مالك بن دينار احتضر جار لي فجعل يقول جبلان من نار فقلت له ما هذا فقال لي يا أخي كان لي مكيالان آخذا بالوافي وأعطي بالناقص وقال عكرمة أشهد على كل كيال أو وزان انه في النار وقال بعض العرب لا تلتمسوا المروءة ممن مروءته في رؤوس المكاييل وألسنة الموازين

{ ويل } معناه : الثبور والحزن والشقاء الأدوم ، وقد روي عن ابن مسعود وغيره أن وادياً في جهنم يسمى «ويلاً » ورفع { ويل } على الابتداء ، ورفع على معنى ثبت لهم واستقر وما كان في حيز الدعاء والترقب فهو منصوب نحو قولهم : رعياً وسقياً ، و «المطفف » : الذي ينقص الناس حقوقهم ، والتطفيف : النقصان أصله في الشيء الطفيف وهو النزر ، والمطفف إنما يأخذ بالميزان شيئاً طفيفاً ، وقال سلمان : الصلاة مكيال ، فمن أوفى وفي له ، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله في المطففين ، وقال بعض العلماء : يدخل التطفيف في كل قول وعمل ، ومنه قول عمر طففت ، ومعناه : نقصت الأجر والعمل وكذا قال مالك رحمه الله : يقال لكل شيء وفاء وتطفيف فقد جاء بالنقيضين ، وقد ذهب بعض الناس إلى أن التطفيف هو تجاوز الحد في وفاء ونقصان ، والمعنى والقرائن بحسب قول قول تبين المراد وهذا عند جد صحيح

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سميت هذه السورة في كتب السنة وفي بعض التفاسير { سورة ويل للمطففين } ، وكذلك ترجمها البخاري في كتاب التفسير من صحيحه ، والترمذي في جامعه .

وسميت في كثير من كتب التفسير والمصاحف { سورة المطففين } اختصارا .

ولم يذكرها في الإتقان في عداد السور ذوات أكثر من اسم وسماها { سورة المطففين } وفيه نظر .

وقد أختلف في كونها مكية أو مدنية أو بعضها مكي وبعضها مدني . فعن ابن مسعود والضحاك ومقاتل في رواية عنه : أنها مكية ، وعن ابن عباس في الأصح عنه وعكرمة والحسن السدي ومقاتل في رواية أخرى عنه : أنها مدنية ، قال : وهي أول سورة نزلت بالمدينة ، وعن ابن عباس في رواية عنه وقتادة : هي مدنية إلا ثمان آيات من آخرها من قوله { إن الذين أجرموا } إلى آخرها .

وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة فهي لذلك مكية ، لأن العبرة في المدني بما نزل بعد الهجرة على المختار من الأقوال لأهل علم القرآن .

قال ابن عطية : احتج جماعة من المفسرين على أنها مكية بذكر الأساطير فيها أي قوله { إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين } . والذي نختاره : أنها نزلت قبل الهجرة لأن معظم ما اشتملت عليه التعريض بمنكري البعث .

ومن اللطائف أن تكون نزلت بين مكة والمدينة لأن التطفيف كان فاشيا في البلدين . وقد حصل من اختلافهم أنها : إما آخر ما أنزل بمكة ، وإما أول ما أنزل بالمدينة ، والقول بأنها نزلت بين مكة والمدينة قول حسن .

فقد ذكر الواحدي في أسباب النزول عن ابن عباس قال لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى { ويل للمطففين } فأحسنوا الكيل بعد ذلك .

وعن القرظي كان بالمدينة تجار يطففون الكيل وكانت يباعاتهم كسبت القمار والملامسة والمناملة والمخاصرة ، فأنزل الله تعالى هذه الآية فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السوق وقرأها ، وكانت عادة فشت فيهم من زمن الشرك فلم يتفطن بعض الذين أسلموا من أهل المدينة لما فيه من أكل مال الناس . فأريد إيقاظهم لذلك ، فكانت مقدمة لإصلاح أحوال المسلمين في المدينة مع تشنيع أحوال المشركين بمكة ويثرب بأنهم الذين سنوا التطفيف .

وما أنسب هذا المقصد بأن تكون نزلت بين مكة والمدينة لتطهير المدينة من فساد المعاملات التجارية قبل أن يدخل إليها النبي صلى الله عليه وسلم لئلا يشهد فيها منكرا عاما فإن الكيل والوزن لا يخلو وقت عن التعامل بهما في الأسواق وفي المبادلات .

وهي معدودة السادسة والثمانين في عداد نزول السور ، نزلت بعد سورة العنكبوت وقبل سورة البقرة .

وعدد آيها ست وثلاثون .

أغراضها

اشتملت على التحذير من التطفيف في الكيل والوزن وتفظيعه بأنه تحيل على أكل مال الناس في حال المعاملة أخذا وإعطاء .

وأن ذلك مما سيحاسبون عليه يوم القيامة .

وتهويل ذلك اليوم بأنه وقوف عند ربهم ليفصل بينهم وليجازيهم على أعمالهم وأن الأعمال محصاة عند الله .

ووعيد الذين يكذبون بيوم الجزاء والذين يكذبون بأن القرآن منزل من عند الله .

وقوبل حالهم بضده من حال الأبرار أهل الإيمان ورفع درجاتهم وإعلان كرامتهم بين الملائكة والمقربين وذكر صور من نعيمهم .

وانتقل من ذلك إلى وصف حال الفريقين في هذا العالم الزائل إذ كان المشركون يسخرون من المؤمنين ويلزمونهم ويستضعفونهم وكيف انقلب الحال في العالم الأبدي .

افتتاح السورة باسم الويل مؤذن بأنها تشتمل على وعيد فلفظ { ويل } من براعة الاستهلال ، ومثله قوله تعالى : { تبت يدا أبي لهب } [ المسد : 1 ] . وقد أخذ أبو بكر بن الخازن من عكسه قوله في طالع قصيدة بتهنئته بمولود :

بُشرى فقد أنجز الإِقبال ما وعدا

والتطفيف : النقص عن حق المقدار في الموزون أو المكيل ، وهو مصدر طفف إذ بلغ الطُفافة . والطُفافَ ( بضم الطاء وتخفيف الفاء ) مَا قصر عن ملء الإِناء من شراب أو طعام ، ويقال : الطَفّ بفتح الطاء دون هاء تأنيث ، وتطلق هذه الثلاثة على ما تجاوز حَرف المِكيال مما يُملأ به وإنما يكون شيئاً قليلاً زائداً على ما ملأ الإِناء ، فمن ثَمّ سميت طفافة ، أي قليل زيادة .

ولا نعرف له فعلاً مجرداً إذ لم ينقل إلا بصيغة التفعيل ، وفعله : طفّف ، كأنهم راعَوا في صيغة التفعيل معنى التكلف والمحاولة لأن المُطفف يحاول أن ينقص الكيل دون أن يشعر به المُكتال ، ويقابله الوفاء .

و { ويل } كلمة دعاء بسوء الحال ، وهو في القرآن وعيد بالعقاب وتقريع ، والويل : اسم وليس بمصدر لعدم وجود فعل له ، وتقدم عند قوله تعالى : { فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم } في سورة البقرة ( 79 ) .

وهو من عمل المتصدين للتجر يغتنمون حاجة الناس إلى الابتياع منهم وإلى البيع لهم لأن التجار هم أصحاب رؤوس الأموال وبيدهم المكاييل والموازين ، وكان أهل مكة تجاراً ، وكان في يثرب تجار أيضاً وفيهم اليهود مثلُ أبي رافع ، وكعب بن الأشرف تاجريْ أهل الحجاز وكانت تجارتهم في التمر والحبوب . وكان أهل مكة يتعاملون بالوزن لأنهم يتجرون في أصناف السلع ويزنون الذهب والفضة وأهل يثرب يتعاملون بالكيل .

والآية تؤذن بأن التطفيف كان متفشياً في المدينة في أول مدة الهجرة واختلاط المسلمين بالمنافقين يُسبب ذلك .

واجتمعت كلمة المفسرين على أن أهل يثرب كانوا من أخبث الناس كيلاً فقال جماعة من المفسرين : إن هذه الآية نزلت فيهم فأحسنوا الكيل بعد ذلك . رواه ابن ماجه عن ابن عباس .

وكان ممن اشتهر بالتطفيف في المدينة رجل يكنى أبا جُهينة واسمه عمرو كان له صاعان يأخذ بأحدهما ويعطي بالآخر .