إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين مكية ، مختلف فيها ، وآيها ست وثلاثون .

{ وَيْلٌ للمُطَفّفِينَ } قيلَ : الويلُ شدةُ الشرِّ وقيلَ : العذابُ الأليمُ ، وقيلَ : هو وادٍ في جهنمَ يهوي فيه الكافرُ أربعينَ خريفاً قبل أنْ يبلغَ قعَرهُ ، وقيلَ وقيلَ ، وأياً ما كانَ فهو مبتدأٌ وإنْ كان نكرةً لوقوعِه في موقعِ الدُّعاءِ . والتطفيفُ البخسُ في الكيل والوزنِ لأنَّ ما يُبخسُ شيءٌ طفيفٌ حقيرٌ . ورويَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قدَم المدينةَ وكانَ أهلُها من أخبثِ الناسِ كيلاً فنزلتْ فأحسنُوا الكيلَ . وقيلَ : قدمَها عليهِ الصلاةُ والسلامُ وبها رجلٌ يعرفُ بأبي جهينةَ ومعه صاعانِ يكيلُ بأحدِهما ويكتالُ بالآخرِ ، وقيلَ : كانْ أهلُ المدينةِ تجاراً يطففونَ وكانتْ بياعاتُهم المنابذةَ{[828]} والملامسةَ{[829]} والمخاضرةَ{[830]} فنزلتْ فخرجٍ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقرأَها عليهمُ وقالَ : «خمسٍ بخمسٍ ما نقصَ قومٌ العهدَ إلا سلَّط الله عليهم عدوَّهم وما حكمُوا بغيرِ ما أنزلَ الله إلا فشَا فيهم الفقرُ وما ظهرتْ فيهم الفاحشةُ إلا فشَا فيهم الموتُ ولا طففُوا الكيلَ إلا مُنِعوا النباتَ وأُخِذوا بالسنينَ ولا منعُوا الزكاةَ إلا حُبِس عنهم القطرُ » .


[828]:المنابذة في التجر: أن يقول الرجل لصاحبه: انبذ إلي الثوب أو غيره من المتاع، أو انبذه إليك فقد وجب البيع بكذا وكذا وقال اللحياني: المنابذة أن ترمي إليه بالثوب، ويرمي لك بمثله، والمنابذة أيضا: أن يرمي إليك بحصاة وفي الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المنابذة في البيع والملامسة.
[829]:الملامسة: أن تشتري المتاع بأن تلمسه ولا تنظر إليه. قال أبو عبيد: الملامسة أن يقول: إن لمست ثوبي أو لمست ثوبك أو إذا لمست المبيع فقد وجب البيع بيننا بكذا وكذا، وهذا البيع مع ما سبقه كله غرر وقد نهي عنه.
[830]:وردت في الأصل المخاطرة والصحيح هو المخاطرة وهي من أنواع البيع كالمنابذة والملامسة ومعناها بيع الثمار وهي خضر لم يبد صلاحها وقد نهي عنه ويدخل فيه بيع الرطاب والبقول وأشباهها.