التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

تفسير سورة المطففين

مقدمة وتمهيد

1- سورة " المطففين " أو سورة " ويل للمطففين " أو سورة " التطفيف " من السور التي اختلف المفسرون في كونها مكية أو مدنية أو بعضها مكي وبعضها مدني .

فصاحب الكشاف يقول : مكية . . وهي آخر سورة نزلت بمكة .

والإمام ابن كثير يقول : هي مدنية ، دون أن يذكر في ذلك خلافا .

والإمام القرطبي يقول : سورة " المطففين " : مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومدنية في قول الحسن وعكرمة ، وهي ست وثلاثون آية .

قال مقاتل : وهي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : هي مدنية إلا ثماني آيات ، من قوله –تعالى- : [ إن الذين أجرموا ] إلى آخرها . فإنها مكية . وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة .

والإمام الآلوسي يجمع كل هذه الأقوال في تفسيره بشيء من التفصيل دون أن يرجح بينها .

2- ويبدو لنا أن سورة المطففين من السور المكية ، إلا أننا نرجح أنها من آخر ما نزل على الرسول صلى الله عليه وسلم من قرآن مكي ، وقد ذكرها الإمام السيوطي في كتابه الإتقان ، على أنها آخر سورة مكية ، نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة( {[1]} ) .

ومما يجعلنا نرجح أن سورة المطففين من السور المكية : حديثها الواضح عن الفجار والأبرار .

وعن يوم القيامة وسوء عاقبة المكذبين به ، وعن أقوال المشركين في شأن القرآن الكريم .

وعن الموازنة بين مصير المؤمنين والكافرين ، وعن موقف كفار قريش من فقراء المؤمنين .

وهذه الموضوعات نراها من السمات الواضحة للقرآن المكي ، وإذا كان القرآن المدني قد تحدث عنها ، فبصورة أقل تفصيلا من القرآن المكي .

3- والسورة الكريمة في مطلعها تهدد الذين ينقصون المكيال والميزان ويبخسون الناس أشياءهم . وتذكرهم بيوم البعث والحساب والجزاء ، لعلهم يتوبون إلى خالقهم ويستغفرونه مما فرط منهم .

ثم تسوق موازنة مفصلة بين سوء عاقبة الفجار ، وحسن عاقبة الأبرار .

ثم تختتم بذكر ما كان يفعله المشركون مع فقراء المؤمنين ، من استهزاء وإيذاء ، وبشرت هؤلاء المؤمنين : بأنهم يوم الجزاء والحساب ، سيضحكون من الكفار ، كما ضحك الكفار منهم في الدنيا . قال –تعالى- : [ فاليوم الذي آمنوا من الكفار يضحكون . على الأرائك ينظرون . هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون ] .

الويل : لفظ دال على الهلاك أو الشر ، وهو اسم لا فعل له من لفظه . . وقيل : هو اسم واد فى جهنم .

و { المطففين } جمع مطفف ، من الطفيف ، وهو الشئ التافه الحقير ، لأن ما يغتاله المطفف من غيره شئ قليل . والتطفيف : الإِنقاص فى المكيال أو الميزان عن الحدود المطلوبة .

قال الإِمام ابن جرير : وأصل التطفيف ، من الشئ الطفيف ، وهو القليل النزر . والمطفف : المقلل صاحب الحق عَمَّا له من الوفاء والتمام فى الوكيل أو وزن . ومنه قيل للقوم الذين يكونون سواء فى حسبه أو عدد : هم سواء كطف الصاع . يعنى بذلك كقرب الممتلئ منه ناقص عن الملء . .

وقوله : { اكتالوا } من الاكتيال وهو افتعال من الكيل . والمراد به : أخذ مالهم من مكيل من غيرهم بحكم الشراء .

ومعنى : { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } : كالوهم أو وزنوا لهم ، فحذفت اللام ، فتعدى الفعل إلى المفعول ، فهو من باب الحذف والإِيصال .

فالواوان فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } يعودان إلى الاسم الموصول فى قوله : { الذين إِذَا اكتالوا } والضميران المنفصلان " هم " ، يعودان إلى الناس .

قال صاحب الكشاف : والضمير فى { كَالُوهُمْ أَوْ وَّزَنُوهُمْ } ضمير منصوب راجع إلأى الناس . وفيه وجهان : أن يراد : كالوا لهم ، أو وزنوا لهم فحذف الجار ، وأوصل الفعل ، كما فى قول الشاعر :

ولقد جنيتك أكمؤا وعساقلا . . . ولقد نهيتك عن بنات الأوبر

بمعنى جنيت لك . وأن يكون على حذف مضاف ، وإقامة المضاف إليه مقامه ، والمضاف هو المكيل أو الموزون . .

والمعنى : هلاك شديد ، وعذاب أليم ، للمطففين ، وهم الذين يبخسون حقوق الناس فى حالتى الكيل والوزن وما يشبههما ، ومن مظاهر ذلك أنهم إذا اشتروا من الناس شيئا حرصوا على أن يأخذوا حقوقهم منهم كاملة غير منقوصة ، وإذا باعوا لهم شيئا ، عن طريق الكيل أو الوزن أو ما يشبههما { يُخْسِرُونَ } أى : ينقصون فى الكيل أو الوزن .

يقال : خسَر فلان الميزان وأخْسَره ، إذا نقصه ، ولم يتممه كما يقتضيه العدل والقسط .

وافتتحت السورة الكريمة بلفظ " الويل " للإِشعار بالتهديد والتشديد ، والوعيد الأليم لمن يفعل ذلك . وقوله { ويل } مبتدأ ، وهو نكرة ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء . وخبره " للمطففين " .


[1]:- سورة إبراهيم: الآية 1.