فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سور المطففين

هي ست وثلاثون آية . قال القرطبي وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل . ومدنية في قول الحسن وعكرمة . وقال مقاتل أيضا هي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة هي مدنية إلا ثماني آيات من قوله : { إن الذين أجرموا } إلى آخرها . وقال الكلبي وجابر بن زيد نزلت بين مكة والمدينة . وعن ابن عباس نزلت بمكة وعن ابن الزبير مثله .

وعن ابن عباس قال آخر ما نزل بمكة سورة المطففين . وعنه قال : " لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأزل الله { ويل للمطففين } فأحسنوا الكيل بعد ذلك " أخرجه ابن مردويه والبيهقي في الشعب . قال السيوطي : بسند صحيح{[1]} .

بسم الله الرحمان الرحيم

{ ويل للمطففين } ويل مبتدأ ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء ، ولو نصب لجاز ، قال مكي والمختار في ويل وشبهه إذا كان غير مضاف الرفع ، ويجوز النصب ، فإن كان مضافا أو معرفا كان الاختيار فيه النصب كقوله { ويلكم لا تفتروا } والمطفف المنقص ، وحقيقته الأخذ في الكيل أو الوزن شيئا طفيفا أي نزرا خفيفا حقيرا .

قال أهل اللغة : المطفف مأخوذ من الطفف وهو القليل ، فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن .

قال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف .

قال أبو عبيدة والمبرد : المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن .

والمراد بالويل هنا شدة العذاب أو نفس العذاب أو الشر الشديد أو هو واد في جهنم .

قال الكلبي " قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسيئون كيلهم ووزنهم لغيرهم ، ويستوفون لأنفسهم فنزلت هذه الآية " {[1696]} .

وقال السدي قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وكان بها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان ، يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله هذه الآية .

قال الفراء : هم بعد نزول هذه الآية أحسن الناس كيلا إلى يومهم هذا .

وقد أخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما نقص قوم العهد إلا سلط الله عليهم العدو ، ولا طففوا الكيل إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين " وهذا الوعيد يلحق كل من يأخذ لنفسه زائدا أو يدفع إلى غيره ناقصا قليلا أو كثيرا ، لكن إن لم يتب منه فإن تاب قبلت توبته ، ومن فعل ذلك وأصر عليه كان مصرا على كبيرة من الكبائر ، وذلك لأن عامة الخلق محتاجون إلى المعاملات وهي مبنية على أمر الكيل والوزن والزرع ، فلهذا السبب عظم الله أمر الكيل والوزن .


[1]:ثم بفتح الثاء أي هناك.
[1696]:قال الألوسي و "هم" ضمير مرفوع تأكيد للضمير المرفوع وهو الواو يعني في "كالوا".