فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين

وهي ست وثلاثون آية قال القرطبي : وهي مكية في قول ابن مسعود والضحاك ومقاتل ، ومدنية في قوله الحسن وعكرمة . وقال مقاتل : أيضاً هي أول سورة نزلت بالمدينة . وقال ابن عباس وقتادة : هي مدنية إلا ثمان آيات من قوله : { إن الذين أجرموا } إلى آخرها . وقال الكلبي وجابر بن زيد : نزلت بين مكة والمدينة . وأخرج النحاس وابن مردويه عن ابن عباس قال : نزلت سورة المطففين بمكة . وأخرج ابن مردويه عن ابن الزبير مثله . وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : آخر ما نزل بمكة سورة المطففين . وأخرج ابن مردويه والبيهقي في الشعب . قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس قال : لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً ، فأنزل الله { ويل للمطففين } فأحسنوا الكيل بعد ذلك .

قوله : { وَيْلٌ لّلْمُطَفّفِينَ } ويل مبتدأ ، وسوّغ الابتداء به كونه دعاء ، ولو نصب لجاز . قال مكي والمختار : في ويل وشبهه إذا كان غير مضاف الرفع ، ويجوز النصب ، فإن كان مضافاً أو معرّفاً كان الاختيار فيه النصب نحو قوله : { وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُواْ } [ طه : 61 ] و { للمطففين } خبره ، والمطفف : المنقص ، وحقيقته الأخذ في الكيل أو الوزن شيئًا طفيفاً : أي نزراً حقيراً . قال أهل اللغة : المطفف مأخوذ من الطفف ، وهو القليل ، فالمطفف هو المقلل حق صاحبه بنقصانه عن الحق في كيل أو وزن . قال الزجاج : إنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مطفف . لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف . قال أبو عبيدة والمبرد : المطفف الذي يبخس في الكيل والوزن . والمراد بالويل هنا شدّة العذاب ، أو نفس العذاب ، أو الشرّ الشديد ، أو هو واد في جهنم . قال الكلبي : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وهم يسيئون كيلهم ووزنهم لغيرهم ، ويستوفون لأنفسهم ، فنزلت هذه الآية . وقال السديّ : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، وكان بها رجل يقال له أبو جهينة ، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر ، فأنزل الله هذه الآية . قال الفراء : هم بعد نزول هذه الآية أحسن الناس كيلاً إلى يومهم هذا .