السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيۡلٞ لِّلۡمُطَفِّفِينَ} (1)

مقدمة السورة:

سورة المطففين مدنية ، في قول الحسن وعكرمة ومقاتل .

قال مقاتل : وهي أوّل سورة نزلت بالمدينة ، وقال ابن عباس وقتادة : مدنية إلا ثمان آيات وهي قوله تعالى : { إن الذين أجرموا } إلى آخرها فهو مكيّ . وقال الكلبي وجابر بن زيد نزلت بين مكة والمدينة ، ولعل هذا هو سبب الاختلاف وقال ابن مسعود والضحاك : مكية .

وهي ست وثلاثون آية وتسع وتسعون كلمة وسبعمائة وثمانون حرفاً .

{ بسم الله } الذي توكل عليه كفاه { الرحمن } الذي عمّ جوده الأبرار والعصاة { الرحيم } الذي خص أهل طاعته بهداه .

{ ويل } مبتدأ ، وسوغ الابتداء به كونه دعاء ، وهو إمّا كلمة عذاب أو هلاك ثابت عظيم في كل حال من أحوال الدنيا والآخرة ، أو واد في جهنم . وقوله تعالى : { للمطففين } خبره ، والتطفيف البخس في الكيل والوزن ؛ لأنّ ما يبخس شيء طفيف حقير . قال الزجاج : وإنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان : مطفف لأنه لا يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف .

وروى ابن عباس أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، وكانوا من أبخس الناس كيلاً فنزلت فأحسنوا الكيل ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليهم وقال : «خمس بخمس » قيل : يا رسول الله ما خمس ؟ قال : «ما نقض قوم العهد إلا سلط الله تعالى عليهم عدوّهم ، ولا حكموا بغير ما أنزل الله إلا فشا فيهم الفقر ، ولا ظهرت فيهم الفاحشة إلا فشا فيهم الموت ، ولا طففوا المكيال إلا منعوا النبات وأخذوا بالسنين ، ولا منعوا الزكاة إلا حبس عنهم المطر » . وقال : السدي : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة وبها رجل يعرف بأبي جهينة ، ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فنزلت .

وقيل : كان أهل المدينة تجاراً يطففون ، وكانت بياعاتهم المنابذة والملامسة والمخاطرة فنزلت . وعن عليّ أنه مرّ برجل يزن الزعفران وقد أرجح فقال له : أقم الوزن بالقسط ، ثم أرجح بعد ذلك ما شئت كأنه أمر بالتسوية أوّلاً ليعتادها ويفصل الواجب من النفل . وعن ابن عباس : إنكم معشر الأعاجم وليتم أمرين بهما هلك من كان قبلكم المكيال والميزان ، وخص الأعاجم لأنهم يجمعون الكيل والوزن جميعاً وكانا مفرّقين في الحرمين ، كان أهل مكة يزنون وأهل المدينة يكيلون . وعن ابن عمر أنه كان يمرّ بالبائع فيقول : اتق الله وأوف الكيل ، فإن المطففين يوقفون يوم القيامة لعظمة الرحمن حتى إنّ العرق يلجمهم إلى أنصاف آذانهم . وعن عكرمة أشهد أنّ كل كيال ووزان في النار فقيل له : إن ابنك كيال أو وزان فقال : أشهد أنه في النار . وعن أبيّ : لا تلتمس الحوائج ممن رزقه في رؤوس المكاييل وألسن الموازين .