قوله تعالى : { فاستجاب لهم ربهم أني } . أي بأني .
قوله تعالى : { لا أضيع } . لا أحبط
قوله تعالى : { عمل عامل منكم } . أيها المؤمنون .
قوله تعالى : { من ذكر أو أنثى } . قال مجاهد : قالت أم سلمة يا رسول الله إني أسمع الله يذكر الرجال في الهجرة ولا يذكر النساء فأنزل الله تعالى هذه الآية .
قوله تعالى : { بعضكم من بعض } . قال الكلبي : في الدين والنصرة والموالاة وقيل : كلكم من آدم وحواء ، وقال الضحاك : رجالكم شكل نسائكم ونساؤكم شكل رجالكم في الطاعة ، كما قال والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض .
قوله تعالى : { فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي } . أي في طاعتي وديني ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم المشركون من مكة .
قوله تعالى : { وقاتلوا وقتلوا } . قرأ ابن عامر وابن كثير " قتلوا " بالتشديد ، وقال الحسن : يعني أنهم قطعوا في المعركة ، والآخرون بالتخفيف ، وقرأ أكثر القراء " وقاتلوا وقتلوا " يريد أنهم قاتلوا العدو ثم أنهم قتلوا ، وقرأ حمزة والكسائي " قتلوا وقاتلوا " وله وجهان : أحدهما معناه : وقاتل من بقي منهم ، ومعنى قوله " وقتلوا " أي قتل بعضهم ، تقول العرب : قتلنا بني فلان وإنما قتلوا بعضهم ، والوجه الآخر وقتلوا وقد قاتلوا .
وقاتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله } . نصب على القطع قاله الكسائي ، وقال المبرد : مصدر ، أي : لأثيبنهم ثواباً ( والله عنده حسن الثواب ) .
لقد كانت نتيجة دعواتهم ، أن أجاب الله لهم سؤالهم وحقق لهم مطالبهم فقال - تعالى - { فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } ! ! .
قال الحسن البصرى : " ما زالوا يقولون ربنا حتى استجاب لهم " .
وقال جعفر الصادق : " من حزبه أمر فقال خمس مرات { رَبَّنَآ } أنجاه الله مما يخالف ، وأعطاه ما أراد ، قيل : وكيف ذلك ؟ قال : اقرءوا أن شئتم قوله - تعالى - { الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَاماً } . . . إلخ فإن هؤلاء الأخيار قد نادوا ربهم خمس مرات فأجاب الله لهم دعاءهم .
ودلت الفاء فى قوله { فاستجاب } على سرعة الإجابة ، لأن الفاء للتعقيب ، فهم لأنهم دعوا الله بقلب سليم ، أجاب الله لهم دعاءهم بدون إبطاء .
واستجاب هنا بمعنى أجاب عند جمهور العلماء ، إن السين والتاء للتأكيد ، مثل استوقد واستخلص .
وقال بعضه : إن استجاب أخص من أجاب ، لأن استجاب يقال لمن قبل ما دعى إليه ، وأجاب أعم فيقال لمن أجاب بالقبول وبالرد .
والمعنى : أن الله - تعالى - قد بشر هؤلاء الأخيار برضاه عنهم ، بأن أخبرهم بأنه قد أجاب لهم دعاءهم ، وأنه - سبحانه - لا يضيع عمل عامل منهم ، بل سيجازيهم بالجزاء الأوفى ، وسيمنحهم من الثواب . فوق ما عملوا لأنه هو الكريم الوهاب ، ولن يفرق فى عطائه بين ذكر وأنثى ، لأن الذكر من الأثنى والأنثى من الذكر وقد خلقهم جميعا من نفس واحدة .
وفى التعبير باللفظ السامى { رَبُّهُمْ } إشارة إلى أن الذى سيجزيهم هو خالقهم ومربيهم والمنعم عليهم ، والرحيم بهم .
ومعنى { أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ } لا أزيل ثواب عمل أى عامل منكم ، بل أكافئه عليه بما يستحقه ، وأعطيه من ثوابى ورحمتى ما يشرح صدره ، ويدخل البهجة والسرور على نفسه .
وقوله { مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى } بيان لعامل ، وتأكيد عمومه ، أى لا اضيع عمل أى شخص عامل سواء أكان هذا العامل ذكراً أم أنثى .
ومعنى { بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } أن الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر ، كلكم بنو آدم وهذه جملة معترضة مبينة لسبب شركة النساء مع الرجال فيما وعد الله به عباده من أجر جزاء أعمالهم الصالحة .
روى الترمذى عن أم سلمة قالت : يا رسول الله ، لا أسمع الله - تعالى - ذكر النساء فى الهجرة ، فأنز الله - تعالى - { فاستجاب لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنْكُمْ مِّن ذَكَرٍ أَوْ أنثى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ } .
ثم بين - سبحانه - الأعمال الصالحة التى استحق بها هؤلاء الأبرار حسن الثواب منه - سبحانه - فقال : { فالذين هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } .
أى فالذين هاجروا بأن تركوا أوطانهم التى أحبوها إلى أماكن أخرى من أجل إعلاء كلمة الله ، وأخرجوا من ديارهم ، فرارا بدينهم من ظلم ظالمين ، واعتداء المعتدين ، { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } أى تحملوا الأذى والاضطهاد فى سبيل الحق الذى آمنوا به { وَقَاتَلُواْ } أعداء الله { وَقُتِلُواْ } وهم يجاهدون من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل .
هؤلاء الذين فعلوا كل ذلك ، وعدهم الله - تعالى - بالأجر العظيم فقال : { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } أى لأمحون عنهم ما ارتكبوه من سيئات ، ولأسترنها عليهم حتى تعتبر نسيا منسيا { وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار } أى تجرى من تحت قصورها الأنهار التى فيها العسل المصفى ، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين .
وقوله { ثَوَاباً مِّن عِندِ الله والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب } أى لأثيبنهم ثوابا عظيما من عندى ، والله - تعالى - عنده حسن الجزاء لمن آمن وعمل صالحا .
فأنت ترى أن الله - تعالى - قد منح هؤلاء الأخيرا ذلك الأجر الجزيل لأنهم قد هاجروا من الأرض التى أحبوها إلى غيرها من أجل إعلاء كلمة الله ، وأخرجوا منها مضطرين لا مختارين فرارا بدينهم ، ولقد ذكر المؤرخون أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندما خرج من مكة مهاجرا التفت إليها وقال : " يا مكة والله لأنت أحب بلاد الله إلى ولولا أن قومك أخرجونى ما خرجت " .
ولأنهم قد تحملوا ما تحملوا من الأذى فى سبيل الله ، ولأنهم قد جاهدوا أعداء الله وأعداءهم حتى استشهدوا وهم يقاتلون من أجل إعلاء كلمة الله .
وقوله { الذين هَاجَرُواْ } مبتدأ ، وهو تفصيل لعمل العامل منهم على سبيل التعظيم له ، والتفخيم لشأنه . وخبره قوله { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } .
وقوله { وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ } معطوف على { هَاجَرُواْ } . وجمع بينهما للإشعار بأنهم قد تركوا أوطانهم تارة باختيارهم ليبحثوا عن مكان أصلح لنماء دعوتهم ، وانتشار الحق الذى اعتنقوه ، وتارة بغير اختيارهم بل تركوها مجبرين ومضطرين بعد أن ألجأهم أعداؤهم إلى الخروج منها بسبب ما نالهم منهم من ظلم واعتداء .
وقوله { وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي } معطوف على ما قبله . والمراد من الإيذاء ما هو أعم من أن يكون بالإخراج من الديار ، أو غير ذلك مما كان يصيب المؤمنين من جهة المشركين .
وجمع - سبحانه - بين قوله { وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ } للإشارة إلى أن للقسمين ثوابا وأنهم لن يصيبهم إلا أحدى الحسنيين : النصر أو الشهادة ، وقوله : { لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ } جواب قسم محذوف ، أى والله لأكفرن عنهم سيئاتهم .
وقدّم - سبحانه - تكفير سيئاتهم على إدخالهم الجنة ، لأن التخلية - كما يقولون - مقدمة على التحلية ، فهو أولا طهرهم من الذنوب والآثام ونقاهم منها ، ثم أدخلهم بعد ذلك جنته وأعطاهم فيها ما لا عين رأت ، ولا أُذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وقوله { ثَوَاباً } مصدر مؤكد لما قبله ، لأن المعنى لأثيبنهم على ما عملوه ثوابا عظيما .
وقوله { مِّن عِندِ الله } صفة لقوله { ثَوَاباً } وهو وصف مؤكد ؛ لأن الثواب لا يكون إلا من عنده - تعالى - ، لكنه صرح به - سبحانه - تعظيما للثواب وتفخيما لشأنه .
وقوله { والله عِندَهُ حُسْنُ الثواب } تذييل مقرر لمضمون ما قبله .
وقد ختم - سبحانه - الآية بهذه الجملة الكريمة لبيان اختصاصه بالثواب الحسن كأن كل جزاء للأعمال فى الدنيا لا يعد حسنا بجوار ما أعده - سبحانه - فى الآخرة لعباده المتقين .
وبذلك نرى أن هذه الآيات الكريمة قد دعت المؤمنين إلى الإكثار من ذكر الله وإلى التفكر السليم فى عجائب صنعه ، وساقت لنا ألوانا من الدعوات الطيبات الخاشعات التى تضرع بها الأخيار إلى خالقهم ، وبينت لنا الثواب الجزيل والعطاء العظيم الذى منحه الله لهم فى مقابل إيمانهم الصادق ، وعملهم الصالح ، فقد جرت سنته - سبحانه - أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا ، وأنه لا يرد دعاء الأبرار من عباده .
ثم . . طال بالرد عليه والاستجابة له كذلك :
( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى - بعضكم من بعض - فالذين هاجروا ، وأخرجوا من ديارهم ، وأوذوا في سبيلي ، وقاتلوا وقتلوا ، لأكفرن عنهم سيئاتهم ، ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار . . ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب . . لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد . متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد . لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ، نزلا من عند الله . وما عند الله خير للأبرار ) . .
وهي استجابة مفصلة ، وتعبير مطول ، يتناسق مع السمة الفنية للتعبير القرآني ؛ وفق مقتضى الحال ، ومتطلبات الموقف ، من الجانب النفسي والشعوري .
ثم نخلص لمحتويات هذه الاستجابة الإلهية ، ودلالتها على طبيعة هذا المنهج الإلهي ومقوماته ، ثم على طبيعة منهج التربية الإسلامية وخصائصه . .
إن أولي الألباب هؤلاء ، تفكروا في خلق السماوات والأرض ، وتدبروا اختلاف الليل والنهار ، وتلقوا من كتاب الكون المفتوح ، واستجابت فطرتهم لإيحاء الحق المستكن فيه ، فاتجهوا إلى ربهم بذلك الدعاء الخاشع الواجف الطويل العميق . . ثم تلقوا الاستجابة من ربهم الكريم الرحيم ، على دعائهم المخلص الودود . . فماذا كانت الاستجابة ؟
لقد كانت قبولا للدعاء ، وتوجيها إلى مقومات هذا المنهج الإلهي وتكاليفه في آن :
( استجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم . . من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) . .
إنه ليس مجرد التفكر ومجرد التدبر . وليس مجرد الخشوع والارتجاف . وليس مجرد الاتجاه إلى الله لتكفير السيئات والنجاة من الخزي ومن النار . . إنما هو " العمل " . العمل الإيجابي ، الذي ينشأ عن هذا التلقي ، وعن هذه الاستجابة ، وعن هذه الحساسية الممثلة في هذه الارتجافة . العمل الذي يعتبره الإسلام عبادة كعبادة التفكر والتدبر ، والذكر والاستغفار ، والخوف من الله ، والتوجه إليه بالرجاء . بل العمل الذي يعتبره الإسلام الثمرة الواقعية المرجوة لهذه العبادة ، والذي يقبل من الجميع : ذكرانا وإناثا بلا تفرقة ناشئة من اختلاف الجنس . فكلهم سواء في الإنسانية - بعضهم من بعض - وكلهم سواء في الميزان . .
ثم تفصيل للعمل ، تتبين منه تكاليف هذه العقيدة في النفس والمال ؛ كما تتبين منه طبيعة المنهج ، وطبيعة الأرض التي يقوم عليها ، وطبيعة الطريق وما فيه من عوائق وأشواك ، وضرورة مغالبة العوائق ، وتكسيرالأشواك ، وتمهيد التربة للنبتة الطيبة ، والتمكين لها في الأرض ، أيا كانت التضحيات ، وأيا كانت العقبات :
( فالذين هاجروا ، وأخرجوا من ديارهم ، وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا . لأكفرن عنهم سيئاتهم ، ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار . ثوابا من عند الله ، والله عنده حسن الثواب ) .
وقد كانت هذه صورة الداعين المخاطبين بهذا القرآن أول مرة . الذين هاجروا من مكة ، وأخرجوا من ديارهم ، في سبيل العقيدة ، وأوذوا في سبيل الله لا في أي غاية سواه ، وقاتلوا وقتلوا . . ولكنها صورة أصحاب هذه العقيدة في صميمها . . في كل أرض وفي كل زمان . . صورتها وهي تنشأ في الجاهلية - أية جاهلية - في الأرض المعادية لها - أية أرض - وبين القوم المعادين - أي قوم - فتضيق بها الصدور ، وتتأذى بها الأطماع والشهوات ، وتتعرض للأذى والمطاردة ، وأصحابها - في أول الأمر - قلة مستضعفة . . ثم تنمو النبتة الطيبة - كما لا بد أن تنمو - على الرغم من الأذى ، وعلى الرغم من المطاردة ، ثم تملك الصمود والمقاومة والدفاع عن نفسها . فيكون القتال ، ويكون القتل . . وعلى هذا الجهد الشاق المرير يكون تكفير السيئات ، ويكون الجزاء ويكون الثواب .
هذا هو الطريق . . طريق هذا المنهج الرباني ، الذي قدر الله أن يكون تحققه في واقع الحياة بالجهد البشري ، وعن طريق هذا الجهد ، وبالقدر الذي يبذله المؤمنون المجاهدون في سبيل الله . ابتغاء وجه الله .
وهذه هي طبيعة هذا المنهج ، ومقوماته ، وتكاليفه . . ثم هذه هي طريقة المنهج في التربية ، وطريقته في التوجيه ، للانتقال من مرحلة التأثر الوجداني بالتفكر والتدبر في خلق الله ؛ إلى مرحلة العمل الإيجابي وفق هذا التأثر تحقيقا للمنهج الذي أراده الله .
يقول تعالى : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ } أي : فأجابهم ربهم ، كما قال الشاعر :
وداعٍ دعا : يَا مَن يجيب إلى النّدى *** فَلم يَسْتجبْه عنْد ذاك مجيب{[6378]}
قال سعيد بن منصور : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن سلمة ، رجل من آل أم سلمة ، قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، لا نَسْمَع اللهَ ذَكَر النساء في الهجرة بشيء ؟ فأنزل الله [ عز وجل ]{[6379]} { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } إلى آخر الآية . وقالت الأنصار : هي أول ظعينة قَدمت علينا .
وقد رواه الحاكم في مستدركه من حديث سفيان بن عُيَيْنة ، ثم قال : صحيح على شرط البخاري ، ولم يخرجاه{[6380]} .
وقد روى ابن أبي نَجيح ، عن مجاهد ، عن أم سَلَمة قالت : آخر آية أنزلت هذه الآية : { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } إلى آخرها . رواه ابن مَرْدُويَه .
ومعنى الآية : أن المؤمنين ذوي الألباب لما سألوا - مما تقدم ذكره - فاستجاب لهم ربهم - عقب ذلك بفاء التعقيب ، كما قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ } [ البقرة : 186 ] .
وقوله : { أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى } هذا تفسير للإجابة ، أي قال لهم مُجِيبًا{[6381]} لهم : أنه لا يضيع عمل عامل لديه ، بل يُوَفّي كل عامل بقسط عمله ، من ذكر أو أنثى .
وقوله : { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } أي : جميعكم في ثوابي سَواء { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا } أي : تركوا دار الشِّرك وأتَوا إلى دار الإيمان وفارقوا الأحباب والخلان والإخوان والجيران ، { وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ } أي : ضايقهم المشركون بالأذى حتى ألجؤوهم إلى الخروج من بين أظهرهم ؛ ولهذا قال : { وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي } أي : إنما كان ذنْبُهم إلى الناس أنهم آمنوا بالله وحده ، كما قال تعالى : { يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ } [ الممتحنة : 1 ] . وقال تعالى : { وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ } [ البروج : 8 ] .
وقوله : { وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا } وهذا أعلى المقامات أن يقاتل في سبيل الله ، فيُعْقَر جَواده ، ويعفَّر وجهه بدمه وترابه ، وقد ثبت في الصحيح أن رجلا قال : يا رسول الله ، أرأيت إن قُتلت في سبيل الله صابرا مُحْتَسبا مُقْبلا غير مُدبِر ، أيُكَفِّر الله عني خطاياي ؟ قال : " نعم " ثم قال : " كيف قلت ؟ " : فأعاد عليه{[6382]} ما قال ، فقال : " نعم ، إلا الدَّين ، قاله لي جبريل آنفًا " .
ولهذا قال تعالى : { لأكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ } أي : تجري في خلالها الأنهار من أنواع المشارب ، من لبن وعسل وخمر وماء غير آسن وغير ذلك ، مما لا عَيْنَ رَأتْ ، ولا أذن سَمِعت ، ولا خَطَر على قلب بَشَر .
وقوله : { ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ } أضافه إليه ونسبه إليه لِيدل على أنه عظيم ؛ لأن العظيم الكريم لا يعطي إلا جَزيلا كثيرًا ، كما قال الشاعر :
إن يُعَذب يَكُن غَرامًا وإن يُعْ *** طِ جَزيلا فإنَّه لا يُبَالي
وقوله : { وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ } أي : عنده حُسْن الجزاء لمن عمل صالحا .
قال ابن أبي حاتم : ذكر عن دُحَيم بن إبراهيم : حدثنا الوليد بن مسلم ، أخبرني حَرِيز{[6383]} بن عثمان : أن شداد بن أوس كان يقول : يا أيها الناس ، لا تَتهِموا الله في قضائه ، فإنه{[6384]} لا يبغي على مؤمن ، فإذا نزل بأحدكم شيء مما يُحِب فليحْمَد الله ، وإذا أنزل{[6385]} به شيء مما يكره فَليَصْبر وليحتسب ، فإن الله عنده حسن الثواب .
{ فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أَنّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مّنْكُمْ مّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىَ بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ فَالّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لاُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ وَلاُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ ثَوَاباً مّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثّوَابِ } .
يعني تعالى ذكره : فأجاب هؤلاء الداعين بما وصف الله عنهم أنهم دعوا به ربهم ، بأني لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا ذكرا كان العامل أو أنثى ، وذكر أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : ما بال الرجال يذكرون ولا تذكر النساء في الهجرة ؟ فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك هذه الاَية .
حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا مؤمل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، قال : قالت أم سلمة : يا رسول الله ، تذكر الرجال في الهجرة ولا نذكر ؟ فنزلت : { أني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى } . . . الاَية .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : سمعت رجلاً من ولد أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : قالت أم سلمة : يا رسول الله لا أسمع الله يذكر النساء في الهجرة بشيء ! فأنزل الله تبارك وتعالى : { فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى } .
حدثنا الربيع بن سليمان ، قال : حدثنا أسد بن موسى ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن رجل من ولد أم سلمة ، عن أم سلمة أنها قالت : يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء ! فأنزل الله تعالى : { فاسْتَجابَ لَهُمْ رَبّهُمْ أني لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } .
وقيل : فاستجاب لهم ، بمعنى : فأجابهم ، كما قال الشاعر :
وَدَاعٍ دَعا يا مَنْ يُجِيبُ إلى النّدَى *** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ
بمعنى : فلم يجبه عند ذاك مجيب .
وأدخلت «من » في قوله : { مِنْ ذَكَرٍ أوْ أُنْثَى } على الترجمة والتفسير عن قوله «منكم » ، بمعنى : لا أضيع عمل عامل منكم من الذكور والإناث وليست «من » هذه بالتي يجوز إسقاطها وحذفها من الكلام في الجحد ، لأنها دخلت بمعنى لا يصلح الكلام إلا به . وزعم بعض نحويي البصرة أنها دخلت في هذا الموضع ، كما تدخل في قولهم : «قد كان من حديث » قال : «ومن » ههنا أحسن ، لأن النهي قد دخل في قوله : لا أضيع . وأنكر ذلك بعض نحويي الكوفة وقال : لا تدخل «من » وتخرج إلا في موضع الجحد¹ وقال : قوله : { لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ } لم يدركه الجحد ، لأنك لا تقول : لا أضرب غلام رجل في الدار ولا في البيت فيدخل ، ولا لأنه لم ينله الجحد ، ولكن «مِنْ » مفسرة .
وأما قوله : { بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ } فإنه يعني : بعضكم أيها المؤمنون الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ، مِنْ بعض ، في النصرة والمسألة والدين ، وحكم جميعكم فيما أنا بكم فاعل على حكم أحدكم في أني لا أضيع عمل ذكر منكم ولا أنثى .
القول في تأويل قوله تعالى : { فالّذِينَ هاجَرُوا وأُخْرِجوا مِنْ دِيارِهِمْ وأُوذُوا فِي سَبِيلي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا ولأُكَفّرَنّ عَنْهُمْ سَيّئاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِها الأنهَارُ ثَوَابا مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَاللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثّوَابِ } .
يعني بقوله جل ثناؤه : فالذين هاجروا قومهم من أهل الكفر وعشيرتهم في الله ، إلى إخوانهم من أهل الإيمان بالله ، والتصديق برسوله ، وأخرجوا من ديارهم ، وهم المهاجرون الذين أخرجهم مشركو قريش من ديارهم بمكة ، وأوذوا في سبيلي ، يعني : وأوذوا في طاعتهم ربهم ، وعبادتهم إياه ، مخلصين له الدين ، وذلك هو سبيل الله التي آذى فيها المشركون من أهل مكة المؤمنين برسول الله صلى الله عليه وسلم من أهلها¹ وقتلوا ، يعني : وقتلوا في سبيل الله وقاتلوا فيها ، لأكفرن عنهم سيئاتهم ، يعني : لأمحونها عنهم ، ولأتفضلن عليهم بعفوي ورحمتي ، ولأغفرنها لهم ، ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ، ثوابها ، يعني : جزاء لهم على ما عملوا وأبلوا في الله وفي سبيله¹ من عند الله : يعني : من قِبَل الله لهم¹ والله عنده حسن الثواب ، يعني : أن الله عنده من جزاء أعمالهم جميع صنوفه ، وذلك ما لا يبلغه وصف واصف ، لأنه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر . كما :
حدثنا عبد الرحمن بن وهب ، قال : حدثنا عمي عبد الله بن وهب ، قال : ثني عمرو بن الحارث : أن أبا عشانة المعافري ، حدثه أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يقول : «إن أول ثلة تدخل الجنة لفقراء المهاجرين ، الذين تتقى بهم المكاره ، إذا أمروا سمعوا وأطاعوا وإن كانت لرجل منهم حاجة إلى السلطان لم تقض حتى يموت وهي في صدره ، وإن الله يدعو يوم القيامة الجنة ، فتأتي بزخرفها وزينتها ، فيقول : أين عبادي الذين قاتلوا في سبيلي وقتلوا ، وأوذوا في سبيلي ، وجاهدوا في سبيلي ، ادخلوا الجنة ، فيدخلونها بغير عذاب ، ولا حساب ، وتأتي الملائكة فيسجدون ويقولون : ربنا نحن نسبح لك الليل والنهار ، ونقدّس لك من هؤلاء الذين آثرتهم علينا ، فيقول الرب جل ثناؤه : هؤلاء عبادي الذين قاتلوا في سبيلي ، وأوذوا في سبيلي ، فتدخل الملائكة عليهم من كل باب : { سَلامٌ عَلَيْكُمْ بما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ } » .
واختلفت القراء في قراءة قوله : { وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا } فقرأه بعضهم : «وَقَتَلُوا وَقُتِلُوا » بالتخفيف ، بمعنى أنهم قتلوا من قتلوا من المشركين وقرأ ذلك آخرون : «وَقاتَلُوا وَقُتّلُوا » بتشديد قتّلوا ، بمعنى : أنهم قاتلوا المشركين ، وقتلهم المشركون بعضا بعد بعض وقتلاً بعد قتل . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة وبعض الكوفيين : «وَقاتَلُوا وَقَتَلُوا » بالتخفيف ، بمعنى أنهم قاتلوا المشركين وقتلوا . وقرأ ذلك عامة قراء الكوفيين : { وَقُتِلُوا } بالتخفيف { وَقاتَلُوا } بمعنى : أن بعضهم قُتل ، وقاتل من بقي منهم .
والقراءة التي لا أستجيز أن أعدوها إحدى هاتين القراءتين ، وهي : «وَقاتَلُوا وقَتَلُوا » بالتخفيف ، أو { وقُتِلُوا } بالتخفيف { وَقاتَلُوا } لأنها القراءة المنقولة نقل وراثة ، وما عداهما فشاذ . وبأي هاتين القراءتين التي ذكرت أني لا أستجيز أن أعدوهما قرأ قارىء فمصيب في ذلك الصواب من القراءة ، لاستفاضة القراءة بكل واحدة منهما في قراء الإسلام مع اتفاق معنييهما .
{ استجاب } استفعل بمعنى أجاب ، فليس استفعل على بابه من طلب الشيء بل هو كما قال الشاعر : [ الطويل ]
وداعٍ دَعَا يا مَنْ يُجيبُ إلى النَّدى . . . فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ{[3800]}
أي لم يجبه ، وقوله : { أني } يجوز أن تكون «أن » مفسرة ويمكن أن تكون بمعنى «أني » ، وقرأ عيسى بن عمر : «إني » بكسر الهمزة ، وهذه آية وعد من الله تعالى : أي هذا فعله مع الذين يتصفون بما ذكر ، وروي أن أم سلمة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله ، قد ذكر الله تعالى الرجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك ، فنزلت الآية{[3801]} ، ونزلت آيات في معناها فيها ذكر النساء ، وقوله : { من ذكر } تبيين لجنس العامل ، وقال قوم : { من } زائدة لتقدم النفي من الكلام{[3802]} .
وقوله تعالى : { بعضكم من بعض } يعني في الأجر وتقبل العمل ، أي إن الرجال والنساء في ذلك على حد واحد ، وبيّن تعالى حال المهاجرين ، ثم الآية بعد تنسحب على كل من أوذي في الله تعالى وهاجر أيضاً إلى الله تعالى وإن كان اسم الهجرة وفصلها الخاص بها قد انقطع بعد الفتح ، فالمعنى باق إلى يوم القيامة ، { والله يضاعف لمن يشاء } [ البقرة : 261 ] و «هاجر » مفاعلة من اثنين ، وذلك أن الذي يهجر وطنه وقرابته في الله كان الوطن والقرابة يهجرونه أيضاً فهي مهاجرة ، وقوله تعالى : { وأخرجوا من ديارهم } عبارة إلزام ذنب للكفار ، وذلك أن المهاجرين إنما أخرجهم سوء العشرة وقبيح الأفعال فخرجوا باختيارهم فإذا جاء الكلام في مضمار إلزام الذنب ، للكفار قيل { أخرجوا من ديارهم } ، { وإخراج أهله منه أكبر عند الله }{[3803]} ، إلى غير ذلك من الأمثلة ، وإذا جاء الكلام في مضمار الفخر والقوة على الأعداء ، تمسك بالوجه الآخر من أنهم خرجوا برأيهم ، فمن ذلك إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على أبي سفيان بن الحارث حين أنشده : [ الطويل ]
. . . . . . . . . . . . . . . وردني *** إلى الله من طردت كل مطردِ{[3804]}
فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنت طردتني كل مطرد ؟ إنكاراً عليه ومن ذلك قول كعب بن زهير : [ البسيط ]
في عصبةٍ مِنْ قريشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ . . . ببطنِ مَكَّةَ لَمَّا أسْلَمُوا زُولُوا
زَالُوا فَمَا زَالَ أَنْكَاسٌ وَلاَ كُشُفٌ . . . عِنْدَ اللّقَاءِ وَلاَ مِيلٌ مَعَازِيلُ{[3805]}
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو : «وقاتلوا وقتُلوا » بتخفيف التاء وضم القاف ، ومعنى هذه القراءة بيّن ، وقرأ ابن كثير : «وقاتلوا وقتّلوا » بتشديد التاء وهي في المعنى كالأولى في المبالغة في القتل ، وقرأ حمزة والكسائي : «وقتلوا وقاتلوا » يبدآن بالفعل المبني للمفعول به ، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة ، غير أن ابن كثير وابن عامر يشددان في التوبة ، ومعنى قراءة حمزة هذه : إما أن لا تعطى الواو رتبة لأن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولاً في المعنى وليس كذلك العطف بالفاء ، ويجوز أن يكون المعنى وقتلوا وقاتل باقيهم فتشبه الآية قوله تعالى :
{ فما وهنوا لما أصابهم } [ آل عمران : 146 ] على تأويل من رأى أن القتل وقع بالربيين ، وقرأ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه : و «قَتَلوا » بفتح القاف والتاء من غير ألف ، و «قُتِلوا » بضم القاف وكسر التاء خفيفة ، وهي قراءة حسنة المعنى مستوفية للفضلين على الترتيب المتعارف ، وقرأ محارب بن ثار : «وقَتلوا » بفتح القاف «وقاتلوا » ، وقرأ طلحة بن مصرف : «وقُتّلوا » بضم القاف وشد التاء «وقاتلوا » وهذه يدخلها إما رفض رتبه الواو ، وإما أنه قاتل من بقي ، واللام في قوله : { لأكفرن } لام القسم و { ثواباً } مصدر مؤكد مثل قوله : { صنع الله } [ النمل : 88 ] و { كتاب الله عليكم } [ النساء : 24 ] وباقي الآية بين{[3806]} .