معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

قوله تعالى : { فإن أعرضوا } عن الإجابة ، { فما أرسلناك عليهم حفيظاً إن عليك } ما عليك . { إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة } قال ابن عباس : يعني الغنى والصحة . { فرح بها وإن تصبهم سيئة } قحط ، { بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور } أي : لما تقدم من نعمة الله عليه ينسى ويجحد بأول شدة جميع ما سلف من النعم .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

ثم بين - سبحانه - وظيفة رسوله - صلى الله عليه وسلم - فقال : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ . . } .

أى : فإن أعرض هؤلاء الظالمون عن دعوتك - أيها الرسول الكريم - ، فلا تحزن لذلك ، فإننا ما أرسلناك لتكون رقيبا على أعمالهم ، ومركها لهم على الإِيمان ، وإنما أرسلناك لتلغ دعوة ربك إليهم ، ومن شاء بعد ذلك فليؤمن ومن شاء فليكفر .

والمراد بالإِنسان فى قوله - سبحانه - : { وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } جنسه الشامل للجميع والمراد بالرحمة : ما يشمل الغنى والصحة وغيرهما من النعم .

أى : وإنا إذا أعطينا ومنحنا الإِنسان بفضلنا وكرمنا نعمة كالمال والولد والجاه . فرح بها وانشرح لها .

{ وَإِن تُصِبْهُمْ } أى : الناس { سَيِّئَةٌ } من بلاء أو مرض أو خوف أو فقر { بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ } أى : بسبب ما اكتسبته أيديهم من المعاصى والسيئات حزنوا وامتعضوا .

وقوله : { فَإِنَّ الإنسان كَفُورٌ } تعليل لجواب الشرط المحذوف ، أى : وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم نسوا نعمنا وقنطوا ، فإن الإِنسان الكافر كثير الكفر والجحود لنعم خالقه - عز وجل - أما من آمن وعمل صالحا فإنه يشكر ربه عند النعم ، ويصبر عند البلاء والنقم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

ثم يكشف عن طبيعة هذا الإنسان الذي يعارض ويعاند ، ويعرض نفسه للأذى والعذاب ، وهو لا يحتمل في نفسه الأذى ؛ وهو رقيق الاحتمال ، يستطار بالنعمة ، ويجزع من الشدة ، ويتجاوز حده فيكفر من الضيق :

( وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها ، وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فإن الإنسان كفور ) . .

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

وقوله : { فَإِنْ أَعْرَضُوا } يعني : المشركين { فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا } أي : لست عليهم بمصيطر . وقال تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } [ البقرة : 272 ] ، وقال تعالى : { فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ } [ الرعد : 40 ] وقال هاهنا : { إِنْ عَلَيْكَ إِلا الْبَلاغُ } أي : إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم .

ثم قال تعالى : { وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا } أي : إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك ، { وَإِنْ تُصِبْهُمْ } يعني الناس { سيئة } أي : جدب ونقمة وبلاء وشدة ، { فَإِنَّ الإنْسَانَ كَفُورٌ } أي : يجحد ما تقدم من النعمة{[25967]} ولا يعرف إلا الساعة الراهنة ، فإن أصابته نعمة أشر وبطر ، وإن أصابته محنة يئس وقنط ، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ للنساء ] {[25968]} يا معشر النساء ، تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار " فقالت امرأة : ولِمَ يا رسول الله ؟ قال : " لأنكن تُكثرن الشكاية ، وتكفرن العشير ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما قالت : ما رأيت منك خيرا قط " {[25969]} وهذا حال أكثر الناس{[25970]} إلا من هداه الله وألهمه رشده ، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فالمؤمن كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن " {[25971]} .


[25967]:- (1) في ت، م: "النعم".
[25968]:- (2) زيادة من ت، م، أ.
[25969]:- (3) رواه مسلم في صحيحه برقم (79) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه، وبرقم (80) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[25970]:- (4) في ت، م: "النساء".
[25971]:- (5) رواه مسلم في صحيحه برقم (299) من حديث صهيب رضي الله عنه.
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{فَإِنۡ أَعۡرَضُواْ فَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ عَلَيۡهِمۡ حَفِيظًاۖ إِنۡ عَلَيۡكَ إِلَّا ٱلۡبَلَٰغُۗ وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقۡنَا ٱلۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ فَرِحَ بِهَاۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَإِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ كَفُورٞ} (48)

القول في تأويل قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاّ الْبَلاَغُ وَإِنّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ بِمَا قَدّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنّ الإِنسَانَ كَفُورٌ } .

يقول تعالى ذكره : فإن أعرض هؤلاء المشركون يا محمد عما أتيتهم به من الحقّ ، ودعوتهم إليه من الرشد ، فلم يستجيبوا لك ، وأبَوْا قبوله منك ، فدعهم ، فإنا لن نرسلك إليهم رقيبا عليهم ، تحفظ عليهم أعْمالهم وتحصيها إنْ عَلَيْكَ إلاّ البَلاغُ يقول : ما عليك يا محمد إلا أن تبلغهم ما أرسلناك به إليهم من الرسالة ، فإذا بلغتهم ذلك ، فقد قضيت ما عليك وَإنّا إذَا أذَقْنا الإنْسانَ منّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها يقول تعالى ذكره : فإنا إذا أغنينا ابن آدم فأعطيناه من عندنا سعة ، وذلك هو الرحمة التي ذكرها جلّ ثناؤه ، فرح بها : يقول : سرّ بما أعطيناه من الغِنى ، ورزقناه من السّعة وكثرة المال ، وَإنْ تُصِبْهُمْ سَيّئَةٌ يقول : وإن أصابتهم فاقة وفقر وضيق عيش بِما قَدّمَتْ أيْدِيهِمْ يقول : بما أسلفت من معصية الله عقوبة له على معصيته إياه ، جحد نعمة الله ، وأيس من الخير فإنّ الإنْسانَ كَفُورٌ يقول تعالى ذكره : فإن الإنسان جحود نعم ربه ، يعدّد المصائب ، ويجحد النعم . وإنما قال : وَإنْ تُصْبِهُمْ سَيّئَةٌ فأخرج الهاء والميم مخرج كناية جمع الذكور ، وقد ذكر الإنسان قبل ذلك بمعنى الواحد ، لأنه بمعنى الجمع .