قوله تعالى : { وإذا لقوا الذين آمنوا } . قال ابن عباس والحسن وقتادة : يعني منافقي اليهود الذين آمنوا بألسنتهم إذا لقوا المؤمنين المخلصين .
قوله تعالى : { قالوا آمنا } . كإيمانكم .
قوله تعالى : { وإذا خلا } . رجع .
قوله تعالى : { بعضهم إلى بعض } . كعب بن الأشرف وكعب بن أسد ووهب بن يهودا أو غيرهم من رؤساء اليهود لأمرهم على ذلك .
قوله تعالى : { قالوا أتحدثونهم بما فتح الله عليكم } . بما قص الله عليكم في كتابكم : أن محمداً حق وقوله صدق . والفتاح القاضي . وقال الكسائي : بما بينه الله لكم من العلم بصفة النبي صلى الله عليه وسلم ونعته ، وقال الواقدي : بما أنزل الله عليكم ، ونظيره : ( لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ) أي أنزلنا ، وقال أبو عبيدة : بما من الله عليكم وأعطاكم .
قوله تعالى : { ليحاجوكم به } . ليخاصموكم به ، يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ويحتجوا بقولكم عليكم فيقولوا : قد أقررتم أنه نبي حق في كتابكم ثن لا تتبعونه وذلك أنهم قالوا لأهل المدينة حين شاورهم في اتباع محمد صلى الله عليه وسلم : آمنوا به فإنه حق ثم قال بعضهم لبعض : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به ويعني لتكون لهم الحجة عليكم .
قوله تعالى : { عند ربكم } . في الدنيا والآخرة ، وقيل : إنهم أخبروا المؤمنين بما عذبهم الله به على الجنايات فقال بعضهم لبعض : أتحدثونهم بما أنزل الله عليكم من العذاب ليحاجوكم به عند ربكم ، ليروا الكرامة لأنفسهم عليكم عند الله . وقال مجاهد : هو قول يهود بني قريظة قال بعضهم لبعض حين قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : يا إخوان القردة والخنازير فقالوا : من أخبر محمد بهذا ما خرج هذا إلا منكم .
ثم أخبر القرآن الكريم عن بعضهم ، بأنهم قد ضموا إلى رذيلة التحريف رذيلة النفاق والتدليس فقال تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ . أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ } .
والمعنى : وإذا ما تلاقى المنافقون من اليهود مع المؤمنين ، قالوا لهم نفاقاً وخداعاً : صدقنا أن ما أنتم عليه هو الحق ، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله ، وإذا ما انفرد بعض اليهود ببعض قال الذين لم ينافقوا لإخوانهم الذين نافقوا معاتبين : أتخبرون المؤمنين بما بينه الله لكم في كتابكم مما يشهد بحقية ما هم عليه ، لتكون لهم الحجة عليكم يوم القيامة ، أفلا تعقلون أن هذا التحديث يقيم الحجة لهم عليكم ؟
فالآية الكريمة فيها بيان لنوع آخر من مساوئ اليهود ومخازيهم التي تدعو إلى اليأس من إيمانهم وتكشف النقاب عما كانوا يضمرونه من تدليس .
قال الإِمام الرازي : " وإنما عذلوهم على ذلك لأن اليهودي إذا اعترف بصحة التوراة ، واعترف بشهادتها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم كانت الحجة قوية عليه ، فلا جرم كان بعضهم يمنع بعضاً من الاعتراف بذلك أمام المؤمنين " .
والاستفهام في قوله تعالى : { وَإِذَا لَقُواْ الذين آمَنُواْ قالوا آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إلى بَعْضٍ قالوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ الله عَلَيْكُمْ } للإِنكار والتوبيخ .
والفتح يطلق على القضاء ومنه قوله تعالى : { رَبَّنَا افتح بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بالحق } أي : اقض بيننا وبين قومنا بالحق .
قال ابن جرير : " أصل الفتح في كلام العرب القضاء والحكم ، والمعنى أتحدثونهم بما حكم الله به عليكم وقضاه فيكم ؟ ومن حكمه - تعالى - وقضائه فيهم أخذه ميثاقهم بأن يؤمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم فقد بشرت به التوراة " .
وقوله تعالى : { لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } متعلق بالحديث ، ومرادهم تأكيد النكير على إخوانهم الذين أظهروا إيمانهم نفاقاً ، فكأنهم يقولون لهم : أتحدثون المؤمنين بما يفضحكم يوم القيامة أمام الخالق - عز وجل - وفي حكمه وقضائه ، لأنهم سيقولون لكم : ألم تحدثونا في الدنيا بما في كتابكم من حقيقة ديننا وصدق نبينا ؟ فيكون ذلك زائداً في ظهور فضيحتكم وتوبيخكم على رءوس الخلائق يوم الموقف العظيم ، لأنه ليس من اعترف بالحق ثم كتم كمن ثبت على الإِنكار .
وجملة { أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } من بقية مقولهم لمن نافق منهم ، وقد أتوا بها لزيادة توبيخهم لهم حتى لا يعودوا إلى التحدث مع المؤمنين .
والمعنى : أليست لكم عقول تحجزكم عن أن تحدثوا المؤمنين بما يقيم لهم الحجة عليكم يوم القيامة ؟
( وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا : آمنا ، وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا : أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ؟ أفلا تعقلون ؟ ) . .
أفتطمعون أن يؤمنوا لكم ، وهم يضيفون إلى خراب الذمة ، وكتمان الحق ، وتحريف الكلم عن مواضعه . . الرياء والنفاق والخداع والمراوغة ؟
وقد كان بعضهم إذا لقوا المؤمنين قالوا : آمنا . . أي آمنا بأن محمدا مرسل ، بحكم ما عندهم في التوراة من البشارة به ، وبحكم أنهم كانوا ينتظرون بعثته ، ويطلبون أن ينصرهم الله به على من عداهم . وهو معنى قوله : ( وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا ) . . ولكن : ( إذا خلا بعضهم إلى بعض ) . . عاتبوهم على ما أفضوا للمسلمين من صحة رسالة محمد [ ص ] ومن معرفتهم بحقيقة بعثته من كتابهم ، فقال بعضهم لبعض : ( أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به عند ربكم ) . . فتكون لهم الحجة عليكم ؟ . . وهنا تدركهم طبيعتهم المحجبة عن معرفة صفة الله وحقيقة علمه ؛ فيتصورون أن الله لا يأخذ عليهم الحجة إلا أن يقولوها بأفواههم للمسلمين ! أما إذا كتموا وسكتوا فلن تكون لله عليهم حجة ! . . وأعجب العجب أن يقول بعضهم لبعض في هذا : ( أفلا تعقلون ؟ ) . . فيا للسخرية من العقل والتعقل الذي يتحدثون عنه مثل هذا الحديث ! !
وقوله : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } الآية .
قال محمد بن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد ، عن عكرمة أو سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا } أي بصاحبكم رسول الله ، ولكنه إليكم خاصة . { وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا } لا تحدثوا العرب بهذا ، فإنكم قد كنتم تستفتحون به عليهم ، فكان منهم . فأنزل الله : { وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ } أي : تقرون بأنه نبي ، وقد علمتم أنه قد أخذ له الميثاق عليكم باتباعه ، وهو يخبرهم أنه النبي الذي كنا ننتظر ، ونجد في كتابنا . اجحدوه ولا تقروا به .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.