معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

قوله تعالى : { أفمن زين له سوء عمله } قال ابن عباس : نزلت في أبي جهل ومشركي مكة . وقال سعيد بن جبير : نزلت في أصحاب الأهواء والبدع . وقال قتادة : منهم الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم ، فأما أهل الكبائر فليسوا منهم ، لأنهم لا يستحلون الكبائر . { أفمن زين } شبه وموه عليه وحسن { له سوء عمله } أي : قبيح عمله ، { فرآه حسناً } زين له الشيطان ذلك بالوسواس . وفي الآية حذف مجازه : أفمن زين له سوء عمله فرأى الباطل حقاً كمن هداه الله فرأى الحق حقاً والباطل باطلاً { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } وقيل : جوابه تحت قوله : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } فيكون معناه : { أفمن زين له عمله } فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة ، أي : تتحسر عليه فلا تذهب نفسك عليهم حسرات . وقال الحسن بن الفضل : فيه تقديم وتأخير مجازه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، والحسرة شدة الحزن على ما فات من الأمر ، ومعنى الآية : لا تهتم بكفرهم وهلاكهم إن لم يؤمنوا . وقرأ أبو جعفر : فلا تذهب بضم التاء وكسر الهاء نفسك نصب . { إن الله عليم بما يصنعون* }

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

ثم بين - سبحانه - الفرق الشاسع بين المؤمن والكافر ، والمطيع ، والعاصى ، فقال : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً . . . } .

والاستفهام للإِنكار . و " من " موصولة فى مضوع رفع على الابتداء . والجملة بعدها صلنها ، والخبر محذوف لدلالة الكلام عليه ، و { زُيِّنَ } من التزيين بمعنى التحسين . وقوله { سواء عَمَلِهِ } أى : عمله السيئ . فهو من إضافة الصفة إلى الموصوف .

والمعنى : أفمن زين له الشيطان عمله السيئ ، فرآه حسنا ، كمن ليس كذلك ؟ كلا إنهما لا يستويان فى عرف أى عاقل ، فإن الشخص الذى ارتكب الأفعال القبيحة التى زينها له الشيطان ، أو نفسه الأمارة بالسوء ، أو هواه . . . مصيره إلى الشقاء والتعاسة .

أما الشخص الذى خالف الشيطان ، والنفس الأمارة بالسوء ، والهوى المردى . . فمصيره إلى السعادة والفلاح .

وقد صرح - سبحانه - بالأمرين فى آيات منها قوله - تعالى - { أَفَمَن كَانَ على بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُ سواء عَمَلِهِ واتبعوا أَهْوَاءَهُمْ } وجملة { فَإِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } تعليل لسببية التزيين لرؤية القبيح حسنا . .

أى : هؤلاء الذين يعملون الأعمال السيئة ، وهم يحسبون أنهم يسحنون صنعا ، لا قدرة لك على هدايتهم - أيها الرسول الكريم - فإن الله - تعالى - وحده ، هو الذى يضل من يشاء إضلاله ، ويهدى من يشاء هدايته .

والفاء فى قوله - تعالى - : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } لتفريع . والحسرات جمعه حسرة ، وهى أشد ما يعترى الإِنسان من ندم على أمر قد مضى وانتهى والجار والمجرور " عليهم " متعلق بقوله " حسرات " .

أى : إذا كان الأمر كما أخبرناك - أيها الرسول الكريم - فامض فى طريقك وبلغ رسالة ربك ، ومن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، ولا تهلك نفسك هما وغما وحزنا من اجل هؤلاء الذين أعرضوا عن الحق ، واعتنقوا الباطل ، وظنوا أنهم بذلك يحسنون صنعا . .

ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما يزيد فى تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم فقال - تعالى - : { إِنَّ الله عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .

أى : إن الله - تعالى - لا يخفى عليه شئ مما يفعله هؤلاء الجاهلون من أفعاله قبيحة ، وسيجازيهم يوم القيامة بما يستحقونه من عقاب .

وشبيه هذه الآية قوله - تعالى - : { لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ } وقوله - سبحانه - : { فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ على آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُواْ بهذا الحديث أَسَفاً }

وبعد هذه التسلية من الله - تعالى - لرسوله صلى الله عليه وسلم وبعد هذا التحذير من وسوسة الشيطان ومن خداعه ، وبعد هذا البيان لسوء عاقبة الكافرين ، وحسن عاقبة المؤمنين ، بعد كل ذلك . . ساقت السورة الكريمة ألوانا من نعم الله - تعالى - على عباده ، ومن حرمته بهم ، نرى ذلك فى الرياح وفى السحب ، وفى البحار والأنهار ، وفى الليل نهار ، وفى الشمس القمر . . . وفى غير ذلك من النعم الظاهرة والباطنة فى هذا الكون .

 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

القول في تأويل قوله تعالى : { أَفَمَن زُيّنَ لَهُ سُوَءَ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنّ اللّهَ يُضِلّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .

يقول تعالى ذكره : أفمن حسّن له الشيطان أعماله السيئة من معاصي الله والكفر به ، وعبادة ما دونه من الاَلهة والأوثان ، فرآه حسنا ، فحسب سيىء ذلك حسنا ، وظنّ أن قُبحه جميل ، لتزيين الشيطان ذلك له ، ذهبت نفسك عليهم حسرات وحذف من الكلام : ذهبت نفسك عليهم حسرات ، اكتفاء بدلالة قوله : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ منه . وقوله : فإنّ اللّهَ يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ يقول : فإن الله يخذل من يشاء عن الإيمان به واتباعك وتصديقك ، فيضله عن الرشاد إلى الحقّ في ذلك ، ويهدي من يشاء يقول : ويوفّق من يشاء للإيمان به واتباعك ، والقبول منك ، فتهديه إلى سبيل الرشاد فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ يقول : فلا تُهلك نفسك حزنا على ضلالتهم وكفرهم بالله ، وتكذيبهم لك . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة أفمَنْ زُيّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرآهُ حَسَنا فإنّ اللّهِ يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ قال قتادة والحسن : الشيطان زين لهم فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ : أي لا يُحزنك ذلك عليهم ، فإن الله يضلّ من يشاء ، ويهدي من يشاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ قال : الحسرات : الحزن ، وقرأ قول الله : يا حَسْرَتا على ما فَرّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ .

ووقع قوله : فإنّ اللّهَ يُضِلّ مَنْ يَشاءُ ويَهْدِي مَنْ يَشاءُ موضع الجواب ، وإنما هو منبع الجواب ، لأن الجواب هو المتروك الذي ذكرت ، فاكتفى به من الجواب لدلالته على الجواب ومعنى الكلام .

واختلفت القرّاء في قراءة قوله : فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فقرأته قرّاء الأمصار سوى أبي جعفر المدني فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ بفتح التاء من تَذهَبْ ، ونفسك برفعها . وقرأ ذلك أبو جعفر : «فَلا تُذْهِبْ » بضم التاء من تَذْهَبْ ، ونفسَك بنصبها ، بمعنى : لا تذهب أنت يا محمد نفسك .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ما عليه قرّاء الأمصار ، لإجماع الحجة من القرّاء عليه .

وقوله : إنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ يقول تعالى ذكره : إن الله يا محمد ذو علم بما يصنع هؤلاء الذين زيّن لهم الشيطان سوء أعمالهم ، وهو محصيه عليهم ، ومجازيهم به جزاءهم .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

وقوله : { أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا } تقرير له أي أفمن زين له سوء عمله بأن غلب وهمه وهواه على عقله حتى انتكس رأيه فرأى الباطل حقا والقبيح حسنا ، كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه ، فحذف الجواب لدلالة : { فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء } وقيل تقديره أفمن زين له سوء عمله ذهبت نفسك عليهم حسرة ، فحذف الجواب لدلالة : { فلا تذهب نفسك عليهم حسرات } عليه ومعناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيرهم وإصرارهم على التكذيب ، والفاءات الثلاث للسببية غير أن الأوليين دخلتا على السبب والثالثة دخلت على المسبب ، وجمع الحسرات للدلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم أو كثرة مساوي أفعالهم المقتضية للتأسف ، وعليهم ليس صلة لها لأن صلة المصدر لا تتقدمه بل صلة تذهب أو بيان للمتحسر عليه . { إن الله عليم بما يصنعون } فيجازيهم عليه .