قوله تعالى : " أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " " من " في موضع رفع بالابتداء ، وخبره محذوف . قال الكسائي : والذي يدل عليه قوله تعالى : " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " فالمعنى : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات . قال : وهذا كلام عربي طريف لا يعرفه إلا قليل . وذكره الزمخشري عن الزجاج . قال النحاس : والذي قال الكسائي أحسن ما قيل في الآية ، لما ذكره من الدلالة على المحذوف ، والمعنى أن الله جل وعز نهى نبيه عن شدة الاغتمام بهم والحزن عليهم ، كما قال جل وعز : " فلعلك باخع نفسك " {[13104]} [ الكهف : 6 ] قال أهل التفسير : قاتل . قال نصر ابن علي : سألت الأصمعي عن قول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل اليمن : ( هم أرق قلوبا وأبخع طاعة ) ما معنى أبخع ؟ فقال : أنصح . فقلت له : إن أهل التفسير مجاهدا وغيره يقولون في قول الله عز وجل : " لعلك باخع نفسك " : معناه قاتل نفسك . فقال : هو من ذاك بعينه ، كأنه من شدة النصح لهم قاتل نفسه . وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، مجازه : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا ، فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء . وقيل : الجواب محذوف ، المعنى أفمن زين له سوء عمله كمن هدي ، ويكون يدل على هذا المحذوف " فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء " . وقرأ يزيد بن القعقاع : " فلا تذهب نفسك " وفي " أفمن زين له سوء عمله " أربعة أقوال ، أحدها : أنهم اليهود والنصارى والمجوس . قاله أبو قلابة . ويكون " سوء عمله " معاندة الرسول عليه الصلاة والسلام . الثاني : أنهم الخوارج . رواه عمر بن القاسم . يكون " سوء عمله " تحريف التأويل . الثالث : الشيطان . قاله الحسن . ويكون " سوء عمله " الإغواء . الرابع : كفار قريش . قاله الكلبي . ويكون " سوء عمله " الشرك . وقال : إنها نزلت في العاص بن وائل السهمي والأسود بن المطلب . وقال غيره : نزلت في أبي جهل بن هشام . " فرآه حسنا " أي صوابا . قاله الكلبي . وقال : جميلا .
قلت : والقول بأن المراد كفار قريش أظهر الأقوال ؛ لقوله تعالى : " ليس عليك هداهم " {[13105]} [ البقرة : 272 ] ، وقوله : " ولا يحزنك الذين يسارعون في الكفر " {[13106]} [ آل عمران : 176 ] ، وقال : " فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا " {[13107]} [ الكهف : 6 ] ، وقوله : " لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين " {[13108]} ، وقوله في هذه الآية : " فلا تذهب نفسك عليهم حسرات " وهذا ظاهر بين ، أي لا ينفع تأسفك على مقامهم على كفرهم ، فإن الله أضلهم . وهذه الآية ترد على القدرية قولهم على ما تقدم ، أي أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا تريد أن تهديه ، وإنما ذلك إلى الله لا إليك ، والذي إليك هو التبليغ . وقرأ أبو جعفر وشيبة وابن محيصن : " فلا تُذهِب " بضم التاء وكسر الهاء " نفسك " نصبا على المفعول ، والمعنيان متقاربان . " حسرات " منصوب مفعول من أجله ؛ أي فلا تذهب نفسك للحسرات . و " عليهم " صلة " تذهب " ، كما تقول : هلك عليه حبا ومات عليه حزنا . وهو بيان للمتحسر عليه . ولا يجوز أن يتعلق بالحسرات ؛ لأن المصدر لا يتقدم عليه صلته . ويجوز أن يكون حالا كأن كلها صارت حسرات لفرط التحسر . كما قال جرير :
مَشَقَ الهواجر لحمَهن مع السُّرى *** حتى ذهبن كَلاَكِلاً وصدورا
يريد : رجعن كلاكلا وصدورا ، أي لم يبق إلا كلاكلها وصدورها . ومنه قول الآخر :
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.