الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

قوله : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ } أي شُبّه وموّه وحُسّنَ له { سُوءُ } : قبح عمله وفعله { فَرَآهُ حَسَناً } زين ذلك الشيطان بالوسواس ونفسه تميله إلى الشبهة وترك النظر في الحجة المؤدية إلى الحق ، والله سبحانه وتعالى يخلقه ذلك في قلبه ، وجوابه محذوف مجازه : أفمن زين له سُوء عمله كمن لم يزين له سوء عمله ورأى الحق حقاً والباطل باطلاً ؟ نظيره قوله :{ أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ } [ الرعد : 33 ] ، وقوله :{ أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ } [ الزمر : 9 ]ونحوها .

وقيل : معناه : أفمن زين له سوء عمله فأضلّه الله كمن هداه ؟ دليله قوله : { فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ } .

وقيل : معناه تحت قوله : { فَلاَ تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ } ، فيكون معناه : أفمن زُيّن له سوء عمله فأضله الله ذهبت نفسك عليه حسرة ، أي تتحسف عليه ؟ فلا تذهب نفسك عليهم حسرات ، وقال الحسين بن الفضل : فيه تقديم وتأخير ، مجازه : أفمن زُيّن له سوء عمله فرآه حسناً فلا تُذهب نفسك عليهم حسرات فإنّ الله يُضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ، والحسرة : شدة الحزن على ما فات من الأمر .

وقراءة العامة : ( تذهَبَ نفسُك ) : بفتح الباء والهاء وضم السين ، وقرأ أبو جعفر بضم التاء وكسر الهاء وفتح السين ، ومعنى الآية : لا تغتم بكفرهم وهلاكهم إذ لم يؤمنوا ، نظيره{ فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ } [ الكهف : 6 ] [ الشعراء : 3 ] .

{ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ } .