الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَفَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ فَرَءَاهُ حَسَنٗاۖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَيَهۡدِي مَن يَشَآءُۖ فَلَا تَذۡهَبۡ نَفۡسُكَ عَلَيۡهِمۡ حَسَرَٰتٍۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمُۢ بِمَا يَصۡنَعُونَ} (8)

ثم قال تعالى : { أفمن زين له سوء عمله [ فرآه حسنا } من : رفع بالابتداء وخبره محذوف ، والتقدير : أفمن زين له سوء علمه{[56099]} ] فرآه حسنا ذهبت نفسك عليهم حسرات{[56100]} .

والمعنى : أن الله نهى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يغتم{[56101]} بمن كفر به وألا يحزن عليهم ، وهذا مثل قوله : { فلعلك باخع نفسك{[56102]} } أي : قاتلها .

وقال الأصمعي في قول النبي صلى الله عليه وسلم : " أهل اليمن هم أرق قلوبا وأبخع طاعة " {[56103]} : إن معنى " أبخع " : أنصح قال : وباخع نفسك من هذا ، كأنه من شدة نصحه لهم قاتل نفسه{[56104]} .

وقيل : التقدير في خبر الابتداء : أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا كمن هداه الله ، ودل على هذا المحذوف قوله بعد ذلك : { يضل من يشاء ويهدي من يشاء } .

ويدل على المحذوف في القول الأول : { فلا تذهب نفسك } فلا يحسن الوقف على هذين القولين على " حسنا " وتقف على القول الثاني على { ويهدي من يشاء } ولا تقف على القول الأول إلا على { حسرات }{[56105]} والمعنى زين له الشيطان سوء عمله فأراه إياه حسنا .

ثم قال تعالى : { إن الله عليم بما يصنعون } أي : ذو علم بعملهم ومحصيه عليهم ومجازيهم به .


[56099]:ما بين المعقوقين مثبت في طرة أ
[56100]:انظر: إعراب النحاس 3/362
[56101]:جاء في اللسان مادة "غمم" 12/441 "الغم واحد الغموم والغم والغمة، الكرب... وقد غمه الأمر يغمه غما فاغتم وأنغم"
[56102]:الكهف: آية 6
[56103]:أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان باب تفاضل أهل الإيمان ورجحان أهل اليمن فيه 1/52 والترمذي في سننه: أبواب المناقب 4027، وأحمد في مسنده 2/252، وكلهم رووه بمعناه عن أبي هريرة.
[56104]:انظر: إعراب النحاس 3/362 والجامع للقرطبي 14/325
[56105]:انظر: هذا التوجيه في القطع والإئتناف 588 ـ 589.