أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

سورة طه مكية وهي مائة وأربع وثلاثون آية .

بسم الله الرحمان الرحيم { طه } فخمها قالون وابن كثير وابن عامر وحفص ويعقوب على الأصل ، وفخم الطاء وحده أبو عمرو وورش لاستعلائه وأمالها الباقون : وهما من أسماء الحروف . وقيل معناه يا رجل على لغة عك ، فإن صح فلعل أصله يا هذا فتصرفوا فيه بالقلب والاختصار والاستشهاد بقوله :

إن السفاهة طاها في خلائقكم *** لا قدس الله أخلاق الملاعين

ضعيف لجواز أن يكون قسما كقوله حم لا ينصرون ، وقرئ { طه } على أنه أمر للرسول صلى الله عليه وسلم بأن يطأ الأرض بقدميه ، فإنه كان يقوم في تهجده على إحدى رجليه وأن أصله طأ فقلبت همزته هاء أو قلبت في يطأ ألفا كقوله : لا هناك المرتع . ثم بنى عليه الأمر وضم إليه هاء السكت وعلى هذا يحتمل أن يكون أصل { طه } طأها والألف مبدلة من الهمزة والهاء كناية الأرض ، لكن يرد ذلك كتابتهما على صورة الحرف وكذا التفسير بيا رجل أو اكتفى بشطري الكلمتين وعبر عنهما باسمهما .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة طه هذه السورة مكية{[1]} .

اختلف الناس في قوله { طه } بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور إلا قول من قال هناك : إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم كما تقول أ . ب . ج . د . فإنه لا يترتب هنا لأن ما بعد { طه } من الكلام لا يصح أن يكون خبراً عن { طه } واختصت أيضاً { طه } بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة ، فمنها قول من قال { طه } اسم من أسماء محمد عليه السلام ، وقوله من { طه } معناه «يا رجل بالسريانية » وقيل بغيرها من لغات العجم ، وحكي أنها لغة يمنية في عك{[8073]} وأنشد الطبري : [ الطويل ]

دعوت بطه في القتال فلم يجب . . . فخفت عليه أن يكون موائلاً{[8074]}

ويروى مزايلاً وقال الآخر : [ البسيط ]

إن السفاهة طه من خلائقكم . . . لا بارك الله في القوم الملاعين{[8075]}

وقالت فرقة : سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح{[8076]} بين قدميه فقيل له : طأ الأرض أي لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح{[8077]} ، فالضمير في { طه } للأرض وخففت الهمزة فصارت ألفاً ساكنة ، وقرأت «طه » وأصله :طأ فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت ، وقرأ ابن كثير وابن عامر «طَهَ » بفتح الطاء والهاء وروي ذلك عن قالون عن نافع ، وروي يعقوب عنه كسرهما ، وروي عنه بين الكسر والفتح ، وأمالت فرقة ، والتفخيم لغة الحجاز والنبي عليه السلام ، وقرأ عاصم{[8078]} وحمزة والكسائي بكسر الطاء والهاء ، وقرأ أبو عمر و «طَهِ » بفتح الطاء وكسر الهاء ، وقرأت فرقة «طَهْ » بفتح الطاء وسكون الهاء ، وقد تقدمت ، وروي عن الضحاك وعمرو بن فائد أنهما قرآ «طاوي » .


[1]:- أي فيمن نزلت، أفي المؤمنين جميعا أم في مؤمني أهل الكتاب؟
[8073]:عك: اسم قبيلة من قبائل اليمن.
[8074]:هذا البيت لمتمم بن نويرة، شقيق مالك بن نويرة، وهو في الطبري والقرطبي، ويروى: هتفت بطه، والموائل: طالب النجاة الذي يلجأ إلى الشيء لينجو بنفسه. والمزايل: المفارق المبارح، يقول: دعوت في القتال بقولي: يا رجل، فلم يجب، فخفت عليه أن يكون قد فارقنا طلبا للنجاة، والشاهد أن (طه) هنا بمعنى: يا رجل.
[8075]:البيت ليزيد بن المهلهل، ويروى: إن السفاهة طه من شمائلكم لا قدس الله أرواح الملاعين والخلائق: جمع خليقة، وهي الطبيعة التي يخلق المرء بها، والبيت شاهد على أن معنى (طه) يا رجل عند بعض العرب.
[8076]:هكذا في الأصول، والظاهر أن يقال: "تتورمان وتحتاجان".
[8077]:يريد أنه من تعبه يقف على قدم ويريح الثانية، ثم يبدلهما فيقف على التي ارتاحت ويريح الأخرى، وهكذا.
[8078]:قراءة عاصم برواية حفص عنه بفتح الطاء والهاء مع مدهما، أما هذه فرواية أخرى.
 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{طه} (1)

مقدمة السورة:

سميت سورة { طاها } باسم الحرفين المنطوق بهما في أولها .

ورسم الحرفان بصورتهما لا بما ينطق به الناطق من اسميهما تبعا لرسم المصحف كما تقدم في سورة الأعراف . وكذلك وردت تسميتها في كتب السنة في حديث إسلام عمر بن الخطاب كما سيأتي قريبا .

وفي تفسير القرطبي عن مسند الدرامي عن هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تبارك وتعالى قرأ { طاها } { باسمين } قبل أن يخلق السماوات والأرض بألفي عام فلما سمعت الملائكة القرآن قالوا : طوبى لأمة ينزل هذا عليها الحديث . قال ابن فورك : معناه أن الله أظهر كلامه وأسمعه من أراد أن يسمعه من الملائكة ، فتكون هذه التسمية مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم .

وذكر في الإتقان عن السخاوي أنها تسمى أيضا { سورة الكليم } ، وفيه عن الهذلي في كامله أنها تسمى { سورة موسى } .

وهي مكية كلها على قول الجمهور . واقتصر عليه ابن عطية وكثير من المفسرين . وفي الإتقان أنه استثني منها آية { فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها } الآية . واستظهر في الإتقان أن يستثنى منها قوله تعالى { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } الآية . لما أخرج أبو يعلى والزار عن أبي رافع قال : أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيفا فأرسلني إلى رجل من اليهود أن أسلفني دقيقا إلى هلال رجب فقال : لا ، إلا برهن ، فأتيت النبي فأخبرته فقال : أما والله إني لأمين في السماء أمين في الأرض . فلم أخرج من عنده حتى نزلت { ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا } الآية اهـ .

وعندي أنه إن صح حديث أبي رافع فهو من اشتباه التلاوة بالنزول . فالعل النبي صلى الله عليه وسلم قرأها متذكرا فظنها أبو رافع نازلة ساعتئذ ولم يكن سمعها قبل ، أو أطلق النزول على التلاوة . ولهذا نظائر كثيرة في المرويات في أسباب النزول كما علمته غير مرة .

وهذه السورة هي الخامسة والأربعون في ترتيب النزول نزلت بعد سورة مريم وقبل سورة الواقعة . ونزلت قبل إسلام عمر بن الخطاب لما روى الدارقطني عن أنس بن مالك ، وابن إسحاق في سيرته عنه قال : خرج عمر متقلدا بسيف . فقيل له : إن ختنك وأختك قد صبوا ، فأتاهما عمر وعندهما خباب بن الأرت يقرئهما سورة { طاها } ، فقال : أعطوني الكتاب الذي عندكم فأقرأه? فقالت له أخته : إنك رجس ، ولا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ . فقام عمر وتوضأ وأخذ الكتاب فقرأ طه . فلما قرأ صدرا منها قال : ما أحسن هذا الكلام وأكرمه إلى آخر القصة . وذكر الفخر عن بعض المفسرين أن هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة .

وكان إسلام عمر في سنة خمس من البعثة قبيل الهجرة الأولى إلى الحبشة فتكون هذه السورة قد نزلت في سنة خمس أو أواخر سنة أربع من البعثة .

وعدت آيها في عدد أهل المدينة ومكة مائة وأربعا وثلاثين وفي عدد أهل الشام مائة وأربعين ، وفي عدد أهل البصرة مائة واثنتين وثلاثين . وفي عدد أهل الكوفة مائة وخمسا وثلاثين .

أغراضها

احتوت من الأغراض على : التحدي بالقرآن بذكر الحروف المقطعة في مفتتحها والتنويه بأنه تنزيل من الله لهدي القابلين للهداية ؛ فأكثرها في هذا الشأن .

والتنويه بعظمة الله تعالى . وإثبات رسالة محمد صلى الله عليه وسلم بأنها تماثل رسالة أعظم رسول قبله شاع ذكره في الناس . فضرب المثل لنزول القران على محمد صلى الله عليه وسلم بكلام الله موسى عليه السلام

وبسط نشأة موسى وتأييد الله إياه ونصره على فرعون بالحجة والمعجزات وبصرف كيد فرعون عنه وعن أتباعه .

وإنجاء الله موسى وقومه ، وغرق فرعون ، وما أكرم الله به بني إسرائيل في خروجهم من بلد القبط .

وقصة السامري وصنعه العجل الذي عبده بنو إسرائيل في مغيب موسى عليه السلام وكل ذلك تعويض بأن مآل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم صائر إلى ما صارت إليه بعثة موسى عليه السلام من النصر على معانديه . فلذلك انتقل من ذلك إلى وعيد من أعرضوا عن القرآن ولم تنفعهم أمثاله ومواعظه .

ورتب على ذلك سوء الجزاء في الآخرة لمن جعلوا مقادتهم بيد الشيطان وإنذارهم بسوء العقاب في الدنيا .

وتسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقولونه وتثبيته على الدين .

وتخلل ذلك إثبات البعث . وتهويل يوم القيامة وما يتقدمه من الحوادث والأهوال .

وهذان الحرفان من حروف فواتح بعض السور مثل آلم ، ويس . ورسما في خط المصحف بصورة حروف التهجي التي هي مسمى ( طا ) و ( ها ) كما رُسم جميع الفواتح التي بالحروف المقطعة . وقرئا لجميع القراء كما قرئت بقية فواتح السور . فالقول فيهما كالقول المختار في فواتح تلك السور ، وقد تقدم في أول سورة البقرة وسورة الأعراف .

وقيل هما حرفان مقتضَبَان من كلمتي ( طاهر ) و ( هاد ) وأنهما على معنى النّداء بحذف حرف النداء .

وتقدم وجه المدّ في ( طا ) ( ها ) في أول سورة يونس . وقيل مقتضبان من فعل ( طَأْ ) أمراً من الوطء . ومن ( ها ) ضمير المؤنثة الغائبة عائد إلى الأرض . وفُسر بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في أول أمره إذا قام في صلاة الليل قام على رِجْل واحدة فأمره الله بهذه الآية أن يطأ الأرض برجله الأخرى . ولم يصح .

وقيل ( طاها ) كلمة واحدة وأن أصلها من الحبشية ، ومعناها إنسان ، وتكلمت بها قبيلة ( عَك ) أو ( عُكْل ) وأنشدوا ليزيد بن مهلهل :

إن السفاهة طاها من شمائلكم *** لا باركَ الله في القوممِ الملاعين

وذهب بعض المفسرين إلى اعتبارهما كلمة لغة ( عَك ) أو ( عُكل ) أو كلمة من الحبشية أو النبطية وأنّ معناها في لغة : ( عك ) يا إنسان ، أو يا رجل ، وفي ما عداها : يا حبيبي ، وقيل : هي اسم سمى الله به نبيئه صلى الله عليه وسلم وأنه على معنى النّداء ، أو هو قسم به . وقيل : هي اسم من أسماء الله تعالى على معنى القسم .

ورويت في ذلك آثار وأخبار ذكر بعضها عياض في « الشِّفاء » . ويجري فيها قول من جعل جميع هذه الحروف متحدة في المقصود منها . كقول من قال : هي أسماء للسور الواقعة فيها ، ونحو ذلك مما تقدم في سورة البقرة . وإنما غرّهم بذلك تشابه في النطق فلا نطيل بردها . وكذلك لا التفات إلى قول من زعموا أنه من أسماء النبي صلى الله عليه وسلم .