وقوله { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } قال الحسن معناه من الإيمان والتوبة والرجوع إلى الإتابة والعمل الصالح ، وذلك أنهم اشتهوه في وقت لا تنفع فيه التوبة ، وقاله أيضاً قتادة ، وقال مجاهد معناه وحيل بينهم وبين نعيم الدنيا ولذاتها ، وقيل حيل بينهم وبين الجنة ونعيمها ، وهذا يتمكن جداً على القول بأن الأخذ والفزع المذكورين هو في يوم القيامة{[9682]} .
وقوله { كما فعل بأشياعهم من قبل } الأشياع الفرق المتشابهة ، فأشياع هؤلاء هم الكفرة من كل أمة ، وهو جمع شيعة{[9683]} ، وشيع ، وقوله { من قبل } يصلح على بعض الأقوال المتقدمة تعلقه بفعل ، ويصلح على قوم من قال إن الفزع هو في يوم القيامة تعلقه { بأشياعهم } أي بمن اتصف بصفتهم من قبل في الزمن الأول ، لأن ما يفعل بجميعهم إنما هو في وقت واحد . لا يقال فيه { من قبل } ، و «الشك المريب » أقوى ما يكون من الشك وأشده إظلاماً{[9684]} .
عطف على الجمل الفعلية نظائر هذه وهي جُمل { فَزِعوا وأُخذوا وقالوا } [ سبأ : 51 ، 52 ] أي وحَال زَجُّهم في النار بينهم وبين ما يأملُونه من النجاة بقولهم : { آمنا به } [ سبأ : 52 ] . وما يشتهونه هو النجاة من العذاب أَوْ عودتهم إلى الدنيا ؛ فقد حُكي عنهم في آيات أُخرى أنهم تمنَّوه { فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين } [ الأنعام : 27 ] ، { ربنا أرجعنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل } .
والتشبيه في قوله : { كما فعل بأشياعهم من قبل } تشبيه للحيلولة بحيلولة أخرى وهي الحيلولة بين بعض الأمم وبين الإِمهال حين حلّ بهم عذاب الدنيا ، مثل فرعون وقومه إذ قال : { آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين } [ يونس : 90 ] ، وكذلك قوم نوح حين رأوا الطوفان ، وما من أمة حلّ بها عذاب إلا وتمنّت الإِيمان حينئذٍ فلم ينفعهم إلاّ قوم يونس .
والأشياع : المشابهون في النحلة وإن كانوا سالفين . وأصل المشايعة المتابعة في العمل والحلف ونحوه ، ثم أطلقت هنا على مطلق المماثلة على سبيل المجاز المرسل بقرينة قوله : { من قبل } ، أي كما فعل بأمثالهم في الدنيا من قبل ، وأما يوم الحشر فإنما يحال بينهم وبين ما يشتهون وكذلك أشياعهم في وقت واحد .
وفائدة هذا التشبيه تذكير الأحياء منهم وهم مشركو أهل مكة بما حل بالأمم من قبلهم ليُوقنوا أن سنة الله واحدة وأنهم لا تنفعهم أصنامهم التي زعموها شفعاء عند الله .
وجملة { إنهم كانوا في شك مريب } مسوقة لتعليل الجمل التي قبلها . وفُعِل بهم جميع ما سمعت لأنهم كانوا في حياتهم في شك من ذلك اليوم وما وُصف لهم من أهواله .
وإنما جعلت حالتهم شكاً لأنهم كانوا في بعض الأمور شاكّين وفي بعضها موقنين ، ألا ترى قوله تعالى : { قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظناً وما نحن بمستيقنين } [ الجاثية : 32 ] . وإذا كان الشك مفضياً إلى تلك العقوبة فاليقين أولى بذلك ، ومآل الشك واليقين بالانتفاء واحد إذ ترتب عليهما عدم الإِيمان به وعدم النظر في دليله .
ويجوز أن تكون جملة { إنهم كانوا في شك مريب } مستأنفة استئنافاً بيانياً ناشئة عن سؤال يثيره قولُه : { وحيل بينهم وبين ما يشتهون } كأن سائلاً سأل هل كانوا طامعين في حصول ما تمنّوه ؟ فأجيب بأنهم كانوا يتمنون ذلك ويشكون في استجابته فلما حيل بينهم وبينه غشِيَهم اليأس ، واليأس بعد الشك أوقع في الحزن من اليأس المتأصل .
والمريب : المُوقع في الريب . والريب : الشك ، فوصفُ الشك به وصفٌ له بما هو مشتق من مادته لإِفادة المبالغة كقولهم : شِعْر شاعر ، وليْل أَليل ، أو ليلٌ داج . ومحاولة غير هذا تعسف .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.