{ أكان للناس عجبا } استفهام إنكار للتعجب و{ عجبا } خبر كان واسمه : { أن أوحينا } وقرئ بالرفع على أن الأمر بالعكس أو على " أن كان " تامة و{ أن أوحينا } بدل من عجب ، واللام للدلالة على أنهم جعلوه أعجوبة لهم يوجهون نحوه إنكارهم واستهزاءهم . { إلى رجل منهم } من أفناء رجالهم دون عظيم من عظمائهم . قيل كانوا يقولون العجب أن الله تعالى لم يجد رسولا يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب ، وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوة . هذا وأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن يقصر عن عظمائهم فيما يعتبرونه إلا في المال وخفة الحال أعون شيء في هذا الباب ، ولذلك كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك . وقيل تعجبوا من أنه بعث بشرا رسولا كما سبق ذكره في سورة " الأنعام " . { أن أنذر الناس } أن هي المفسرة أو المخففة من الثقيلة فتكون في موقع مفعول أوحينا . { وبشّر الذين آمنوا } عمم الإنذار إذ قلما من أحد ليس فيه ما ينبغي أن ينذر منه ، وخصص البشارة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة { أن لهم } بأن لهم { قدم صدق عند ربهم } سابقة منزلة رفيعة سميت قدما لأن السبق بها كما سميت النعمة يدا لأنها تعطى باليد ، وإضافتها إلى الصدق لتحققها والتنبيه على أنهم إنما ينالونها بصدق القول والنية . { قال الكافرون إن هذا } يعنون الكتاب وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام . { لسحرٌ مبين } وقرأ ابن كثير والكوفيون " لساحر " على أن الإشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول صلى الله عليه وسلم أمورا خارقة للعادة معجزة إياهم عن المعارضة . وقرئ " ما هذا إلا سحر مبين " .
وقوله : { أكان للناس عجباً } الآية ، قال ابن عباس وابن جريج وغيرهما : نسبت هذه الآية أن قريشاً استبعدوا أن يبعث الله رسولاً من البشر ، وقال الزجاج : إنما عجبوا من إخباره أنهم يبعثون من القبور إذ النذارة والبشارة تتضمنان ذلك ، وكثر كلامهم في ذلك حتى قال بعضهم : أما وجد الله من يبعث إلا يتيم أبي طالب ، ونحو هذا من الأقاويل التي اختصرتها لشهرتها فنزلت الآية ، وقوله : { أكان } تقرير{[6000]} والمراد ب «الناس » قائلوا هذه المقالة ، و { عجباً } خبر كان واسمها { أن أوحينا } ، وفي مصحف ابن مسعود «أكان للناس عجب » وجعل الخبر في قوله { أن أوحينا } والأول أصوب لأن الاسم معرفة والخبر نكرة وهذا القلب لا يصح ولا يجيء إلا شاذاً{[6001]} ومنه قول حسان : [ الوافر ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** يكون مزاجها عسلٌ وماء{[6002]}
ولفظة العجب هنا ليست بمعنى التعجب فقط بل معناه أَوَصَل إنكارهم وتعجبهم إلى التكذيب ؟ وقرأت فرقة «إلى رجل » بسكون الجيم ، ثم فسر الوحي وقسمه عل النذارة للكافرين والبشارة للمؤمنين ، و «القدم » هنا : ما قدم ، واختلف في المراد بها ها هنا فقال ابن عباس ومجاهد والضحاك والربيع بن أنس وابن زيد : هي الأعمال الصالحة من العبادات ، وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : هي شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال زيد بن أسلم وغيره : هي المصيبة بمحمد صلى الله عليه وسلم في موته ، وقال ابن عباس أيضاً وغيره : هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ ، وهذا أليق الأقوال بالآية ، ومن هذه اللفظة قول حسان : [ الطويل ]
لنا القدم العليا إليك وخلْفَنا *** لأوّلنا في طاعةِ اللهِ تابعُ{[6003]}
لكم قدم لا ينكر الناس أنها*** مع الحسب العادي طمت على البحر{[6004]}
ومن هذه اللفظة قول النبي صلى الله عليه وسلم في صفة جهنم : «حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط قط »{[6005]} ، أي ما قدم لها من خلقه ، هذا على أن الجبار اسم الله تعالى ، ومن جعله اسم جنس كأنه أراد الجبارين من بني آدم ، ف «القدم » على التأويل الجارحة{[6006]} والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح ، كما تقول رجل صدق ورجل سوء{[6007]} ، وقوله { قال الكافرون } يحتمل أن يكون تفسيراً لقوله أكان وحينا إلى بشر عجباً قال الكافرون عنه كذا وكذا ، وذهب الطبري إلى أن في الكلام حذفاً يدل الظاهر عليه تقديره فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا ، وقرأ جمهور الناس وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر «إن هذا لسحر مبين » ، وقرأ مسروق بن الأجدع وابن جبير والباقون من السبعة وابن مسعود وأبو رزين ومجاهد وابن وثاب وطلحة والأعمش وعيسى بن عمر بخلاف ، وابن محيصن وابن كثير بخلاف عنه «إنه لساحر » والمعنى متقارب ، وفي مصحف أبي «قال الكافرون ما هذا إلا سحر مبين » ، وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو بسبب أنه فرق بذلك كلمتهم وحال بين القريب وقريبه فأشبه ذلك ما يفعله الساحر فظنوه من ذلك الباب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.