محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

وقوله تعالى :

{ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن هذا لسحر مبين 2 } .

{ أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم } الهمزة لإنكار العجب والتعجب منه ، وإنما أنكر ذلك لكون سنة الله جارية أبدا على هذا الأسلوب في الإيحاء إلى الرجال ، وإنما كان تعجبهم لبعدهم عن مقامه ، وعدم مناسبة حالهم لحاله ومنافاة ما جاء به لما اعتقدوه و ( القدم ) بمعنى السبق مجازا ، لكونه سببه وآلته ، كما تطلق ( اليد ) على النعمة ، و ( العين ) على الجاسوس ، و ( الرأس ) على الرئيس . ثم إن السبق مجاز عن الفضل والتقدم المعنوي إلى المنازل الرفيعة ، فهو مجاز بمرتبتين أو ( القدم ) بمعنى المقام ، ك { مقعد صدق } {[4707]} بإطلاق الحال وإرادة المحل ، وإضافته إلى الصدق من إضافة الموصوف إلى الصفة . وأصله ( قدم صدق ) أي محققة مقررة . وفيه مبالغة لجعلها عين الصدق ، وتنبيه على أنهم إنما نالوا ما نالوا بصدقهم ، ظاهرا وباطنا .

قال في ( الانتصاف ) ولم يرد في سابقة السوء تسميتها ( قدما ) إما لأن المجاز لا يطرد ، وإما أن يكون مطردا ، ولكن غلب العرف على قصرها ، كما يغلب في الحقيقة .

{ قال الكافرون } وهم المتعجبون { إن هذا } أي الكتاب الحكيم { لسحر مبين } أي ظاهر وقرئ { لساحر } على أن الإشارة إلى الرسول صلوات الله عليه . وهو دليل عجزهم واعترافهم ، وإن كانوا كاذبين في تسميته سحرا ، وذلك لأن التعجب أولا ، ثم التكلم بما هو معلوم الانتفاء قطعا ، حتى نفس المعارض ، دأب العاجز المفحم .


[4707]:[54 / القمر / 55].