السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

وقوله تعالى : { أكان للناس } أي : أهل مكة ، استفهام إنكار للتعجب . وقوله تعالى : { عجباً } خبر كان ، والعجب تغير النفس بما لا تعرف سببه مما خرج عن العادة ، ثم ذكر الحامل على العجب ؛ وهو اسم كان بقوله تعالى : { أن أوحينا } أي : إيحاؤنا { إلى رجل منهم } أي : من أهل مكة ومن قريش ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، يعرفون صدقه ونسبه وأمانته ، قيل : كانوا يقولون : العجب أنّ الله تعالى لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب ، وهو من فرط حماقتهم وقصور نظرهم على الأمور العاجلة ، وجهلهم بحقيقة الوحي والنبوّة ، وهو لم يكن صلى الله عليه وسلم يقصر عن عظمائهم فيما يعتبر فيه إلا في المال ، وخفة المال أهون شيءٍ في هذا الباب ، ولذلك كان أكثر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله كذلك ، وقد قال الله تعالى : { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقرّبكم عندنا زلفى } [ سبأ : 37 ] .

{ أن أنذر الناس } عامّة ، أي : أعلمهم مع الخوف ما أمامهم من البعث وغيره ، وأن هي المفسرة ؛ لأنّ الإيحاء فيه معنى القول . { وبشر الذين آمنوا } إنما عمم في الإنذار لأنه قل أن يسلم أحد من كبيرة أو صغيرة أو هفوة جليلة أو حقيرة على اختلاف الرتب وتباين المقامات ، وخصص البشارة إذ ليس للكافر ما يصح أن يبشر به . { أنَّ } أي : بأنَّ . { لهم قدم } أي : سلف { صدق عند ربهم } اختلفت عبارات المفسرين وأهل اللغة في معنى قدم صدق ، فقال ابن عباس : أجراً حسناً مما قدّموا من أعمالهم . وقال مجاهد : الأعمال الصالحة : صلاتهم وصومهم وصدقتهم وتسبيحهم . وقال الحسن : عمل صالح أسلفوه يقدمون عليه . وقال عطاء : مقام صدق لا زوال له ولا بؤس فيه . وقال زيد بن أسلم : هو شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وأضيف القدم إلى الصدق وهو نعته كقولهم : مسجد الجامع ، وصلاة الأولى ، وحب الحصيد . وقال أبو عبيدة : كل سابق في خير أو شرّ فهو عند العرب قدم . قال الشاعر :

صل لذي العرش واتخذ قدما *** ينجيك يوم العثار والندم

وهو مؤنث فيقال : قدم حسنة وقدم صالحة . وقوله تعالى : { قال الكافرون إنَّ هذا لسحر مبين } قرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر بكسر السين وسكون الحاء على أنَّ الإشارة للقرآن المشتمل على ذلك ، والباقون بفتح السين وألف بعدها وكسر الحاء على أنّ الإشارة للنبيّ صلى الله عليه وسلم .