ولما بين بهذا الطريق أن محمداً رسول حق من عند الله أنكر على كفار قريش تعجبهم من كونه رسولاً فقال : { أكان للناس عجباً } نصب على أنه خبر كان واسمه { أن أوحينا } وفائدة اللام في قوله : { للناس } مع تقديمه هي أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتحدثون بها ، ثم إن تعجبهم إما أن يكون من جعل البشر رسولا أو من تخصيص محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي والنبوة فقد روي أنهم كانوا يقولون العجب أن الله لم يجد رسولاً يرسله إلى الناس إلا يتيم أبي طالب ، وكلا الأمرين ليس بعجب ، أما الأول فلأن الجنس إلى الجنس أميل { ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً } [ الأنعام : 9 ] { قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً }
[ الإسراء : 95 ] . وأما الثاني فلأن الفقر واليتم لا يوجب في النبوة قدحاً لأن الله غني عن العالمين { وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى } [ سبأ : 37 ] وإنما المعتبر في الاستنباء كونه متصفاً بالصدق والأمانة والتقوى ، وكان لمحمد صلى الله عليه وسلم في ذلك قبل بعثه اليد الطولى إذ كان يدعى محمداً الأمين . و «أن » في قوله : { أن أنذر الناس } هي المفسرة لأن الإيحاء فيه معنى القول ، أو مخففة من الثقيلة وقد عملت في ضمير شأن مقدر معناه إنه أي إن الشأن قولنا أنذر الناس . وقوله : { وبشر الذين آمنوا أن لهم } أي بأن لهم ، والإنذار إخبار مع تخويف وإنه عام للناس كلهم ، ولكن البشارة خاصة بالمؤمنين . ويحتمل أن يراد بالناس الكفار فقط ويمكن أن يكون تعجبهم عائداً إلى الإنذار والتبشير وليس ذلك بعجب بل المنكر في العقول تعطيل الأعمال وأن يترك الإنسان سدىً ، وإرسال الرسل أمر ما أخلى الله تعالى المكلفين عنه شيئاً من الأزمنة ، وبه تتم الماليكة والأمر والنهي والإذن والمنع والثواب والجزاء . وإنما قدم الإنذار على التبشير لأن الإنذار تحذير عن فعل ما لا ينبغي ، والتبشير ترغيب في فعل ما ينبغي والتخلية مقدمة على التحلية . ومعنى { قدم صدق } سابقة فضل ومنزلة رفيعة أي سبق لهم عند الله خير . قال أحمد بن يحيى : القدم كل ما قدمت من خير . وقال ابن الأنباري : كناية عن العمل الذي لا يقع فيه تأخير ولا إبطاء . والسبب في إطلاق القدم على السابقة أن السعي والسبق لا يحصل إلا بالقدم فسمي المسبب باسم السبب كما سميت النعمة يداً لأنها تعطى باليد ، وإضافة القدم إلى صدق لأجل المبالغة وللتنبيه على أنها من السوابق العظيمة أي القدم التي يصدق ويحق أن تسمى قدماً . وأما عبارات المفسرين فمنهم من قال : قدم صدق هي الأعمال الصالحة ، ومنهم من قال الثواب ، ومنها من قال شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم . أما قوله : { قال الكافرون } فقال القفال : فيه إضمار والتقدير : فلما أنذرهم قالوا ذلك . ثم من قرأ لساحر بالألف فقوله هذا إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن قرأ السحر إشارة إلى القرآن وفيه دليل على عجزهم واعترافهم بأنهم قاصرون عن معارضته كالسحر ، ومن هنا جوز بعضهم أن يكونوا أرادوا به المدح أي إنه لكمال فصاحته وتعذر الإتيان بمثله جارٍ مجرى السحر .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.