الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

وقوله عز وجل : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا } [ يونس : 2 ] .

قال ابن عباس وغيره : سبب هذه الآية استبعاد قُرَيْش أَنْ يبعث اللَّه بشراً رسولاً ، والقَدَمُ هنا مَا قُدِّم ، واختلف في المراد بها هاهنا ، فقال ابنُ عبَّاس ومجاهد والضحاك وغيرهم : هي الأعمال الصَّالحات من العبادات . وقال الحسن بن أبي الحسن وقتادة : هي شَفَاعة محمَّد صلى الله عليه وسلم ، وقال ابن عباس أيضاً وغيره : هي السعادةُ السَّابقة لهم في اللَّوْح المحفوظ ، وهذا أليق الأقْوَالِ بالآية ؛ ومن هذه اللفظة قَوْلُ حَسَّان رضي اللَّه عنه : [ الطويل ]

لَنَا القَدَمُ العُلْيَا إِلَيْكَ وَخَلْفَنَا *** لَا وَلَنَا في طَاعَةِ اللَّهِ تَابعُ

ومن هذه اللفظة قوله صلى الله عليه وسلم : ( حَتَّى يَضَعَ الجَبَّارُ فِيهَا قَدَمَهُ ) أيْ ما قَدَّمَ لها ، هذا على أن الجبَّار اسم اللَّه تعالى ، و«الصِّدْق » هنا بمعنى الصَّلاح ، وقال البخاريُّ : قال زَيْدُ بن أسْلَمَ : { قَدَمَ صِدْقٍ } مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم . انتهى .

وقولهم : { إِنَّ هذا لساحر مُّبِينٌ } : إِنما هو بسبب أَنَّه فَرَّق بذلك كلمتهم ، وحَالَ بين القريب وقريبه ، فأشبه ذلك ما يفعله السَّاحر في ظَنِّهم القاصِرِ ؛ فَسَمَّوْه سحراً .