والاستفهام في قوله : { أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا } لإنكار العجب مع ما يفيده من التقريع والتوبيخ ، واسم كان { أَنْ أَوْحَيْنَا } وخبرها { عَجَبًا } أي : أكان إيحاؤنا عجباً للناس . وقرأ ابن مسعود «عجب » على أنه اسم كان ، على أن كان تامة ، و { أَنْ أَوْحَيْنَا } بدل من عجب . وقرئ بإسكان الجيم من " رجل " في قوله : { إلى رَجُلٍ مّنْهُمْ } أي : من جنسهم ، وليس في هذا الإيحاء إلى رجل من جنسهم ما يقتضي العجب ، فإنه لا يلابس الجنس ويرشده ويخبره عن الله سبحانه ، إلا من كان من جنسه ، ولو كان من غير جنسهم لكان من الملائكة ، أو من الجنّ ، ويتعذر المقصود حينئذ من الإرسال ؛ لأنهم لا يأنسون إليه ، ولا يشاهدونه . ولو فرضنا تشكله لهم وظهوره ، فإما أن يظهر في غير شكل النوع الإنساني ، وذلك أوحش لقلوبهم وأبعد من أنسهم ، أو في الشكل الإنساني ، فلا بدّ من إنكارهم لكونه في الأصل غير إنسان ، هذا إن كان العجب منهم لكونه من جنسهم ، وإن كان لكونه يتيماً أو فقيراً .
فذلك لا يمنع من أن يكون من كان كذلك جامعاً من خصال الخير والشرف ما لا يجمعه غيره ، وبالغاً في كمال الصفات إلى حدّ يقصّر عنه من كان غنياً ، أو كان غير يتيم . وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يصطفيه الله بإرساله من خصال الكمال عند قريش ما هو أشهر من الشمس ، وأظهر من النهار ، حتى كانوا يسمونه الأمين . قوله : { أَنْ أَنذِرِ الناس } في موضع نصب بنزع الخافض ، أي بأن أنذر الناس . وقيل : هي المفسرة لأن في الإيحاء معنى القول ، وقيل : هي المخففة من الثقيلة ، قوله : { قَدَمَ صِدْقٍ } أي : منزل صدق ، وقال الزجاج : درجة عالية ، ومنه قول ذي الرمة :
لكم قدم لا ينكر الناس أنها *** مع الحسب العالي طمت على البحر
وقال ابن الأعرابي : القدم المتقدّم في الشرف . وقال أبو عبيدة والكسائي : كل سابق من خير أو شر ، فهو عند العرب قدم ، يقال : لفلان قدم في الإسلام ، وله عندي قدم صدق ، وقدم خير ، وقدم شرّ ، ومنه قول العجاج :
زلّ بنو العوام عند آل الحكم *** وترك الملك لملك ذي قدم
وقال ثعلب : القدم كل ما قدمت من خير ، وقال ابن الأنباري : القدم كناية عن العمل الذي لا يقع فيه تأخير ، ولا إبطاء . وقال قتادة : سلف صدق . وقال الربيع : ثواب صدق ، وقال الحسن : هو محمد صلى الله عليه وسلم ، وقال الحكيم الترمذي : قدمه صلى الله عليه وسلم في المقام المحمود ، وقال مقاتل : أعمالاً قدّموها واختاره ابن جرير ، ومنه قول الوضاح :
صلِّ لذي العرش واتخذ قوما *** ينجيك يوم الخصام والزلل
وقيل : غير ما تقدّم مما لا حاجة إلى التطويل بإيراده . قوله : { قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُّبِينٌ } . قرأ ابن كثير ، وعاصم ، وحمزة ، والكسائي ، وخلف ، والأعمش ، وابن محيصن : { لساحر } على أنهم أرادوا رسول الله صلى الله عليه وسلم باسم الإشارة . وقرأ الباقون «لسحر » على أنهم أرادوا القرآن ، وقد تقدّم معنى السحر في البقرة . وجملة : { قَالَ الكافرون } مستأنفة كأنه قيل : ماذا صنعوا بعد التعجب ؛ وقال القفال : فيه إضمار . والتقدير : فلما أنذرهم قال الكافرون ذلك .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.