والهمزة في أكان للاستفهام على سبيل الإنكار لوقوع العجب من الإيحاء إلى بشر منهم بالإنذار والتبشير ، أي : لا عجب في ذلك فهي عادة الله في الأمم السالفة ، أوحى إلى رسلهم الكتب بالتبشير والإنذار على أيدي من اصطفاه منهم .
واسم كان أن أوحينا ، وعجباً الخبر ، وللناس فقيل : هو في موضع الحال من عجباً لأنه لو تأخر لكان صفة ، فلما تقدَّم كان حالاً .
وقيل : يتعلق بقوله : عجباً وليس مصدراً ، بل هو بمعنى معجب .
والمصدر إذا كان بمعنى المفعول جاز تقدم معموله عليه كاسم المفعول .
وقيل : هو تبيين أي أعنى للناس .
وقيل : يتعلق بكان وإن كانت ناقصة ، وهذا لا يتم إلا إذا قدرت دالة على الحدث فإنها إنْ تمحضت للدلالة على الزمان لم يصح تعلق بها .
وقرأ عبد الله : عجب ، فقيل : عجب اسم كان ، وأنْ أوحينا هو الخبر ، فيكون نظير : يكون مزاجها عسل وماء ، وهذا محمول على الشذوذ ، وهذا تخريج الزمخشري وابن عطية .
وقيل : كان تامة ، وعجب فاعل بها ، والمعنى : أحدث للناس عجب لأن أوحينا ، وهذا التوجيه حسن .
ومعنى للناس عجباً : أنهم جعلوه لهم أعجوبة يتعجبون منها ، ونصبوه علماً لم يوجهون نحوه استهزاءهم وإنكارهم .
وقرأ رؤبة : إلى رجل بسكون الجيم وهي لغة تميمية يسكنون فعلاً نحو سبع وعضد في سبع وعضد .
ولما كان الإنذار عاماً كان متعلقه وهو الناس عامًّا ، والبشارة خاصة ، فكان متعلقها خاصاً وهو الذين آمنوا .
وأن أنذر : أن تفسيرية أو مصدرية مخففة من الثقيلة ، وأصله أنه أنذر الناس على معنى أن الشأن قولنا أنذر الناس ، قالهما الزمخشري : ويجوز أنْ تكون أنْ المصدرية الثنائية الوضع ، لا المخففة من الثقيلة لأنّها توصل بالماضي والمضارع والأمر ، فوصلت هنا بالأمر ، وينسبك منها معه مصدر تقديره : بإنذار الناس .
وهذا الوجه أولى من التفسيرية ، لأنّ الكوفيين لا يثبتون لأنّ أن تكون تفسيرية .
ومن المصدرية المخففة من الثقيلة لتقدير حذف اسمها وإضمار خبرها ، وهو القول فيجتمع فيها حذف الاسم والخبر ، ولأنّ التأصيل خير من دعوى الحذف بالتحفيف .
وبشر الذين آمنوا أن لهم أي : بأن لهم ، وحذفت الباء .
وقدم صدق قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك ، والربيع بن أنس ، وابن زيد : هي الأعمال الصالحة من العبادات .
وقال الحسن وقتادة : هي شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم .
وقال زيد بن أسلم وغيره : هي المصيبة بمحمد صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن عباس وغيره : هي السعادة السابقة لهم في اللوح المحفوظ .
وقال مقاتل : سابقة خير عند الله قدموها .
وإلى هذا المعنى أشار وضاح اليمن في قوله :
مالك وضاح دائم الغزل *** ألست تخشى تقارب الأجل
صل لذي العرش واتخذ قدماً *** ينجيك يوم العثار والزلل
وقال الحسن أيضاً : ولد صالح قدموه .
وقيل : تقديم الله في البعث لهذه الأمة وفي إدخالهم الجنة ، كما قال : «نحن الآخرون السابقون يوم القيامة » وقيل : تقدم شرف ، ومنه قول العجاج :
ذل بني العوام من آل الحكم *** وتركوا الملك لملك ذي قدم
وقال الزجاج : درجة عالية وعنه منزلة رفيعة .
لكم قدم لا ينكر الناس أنها *** مع الحسب العادي طمت على البحر
وقال الزمخشري : قدم صدق عند ربهم سابقة وفضلاً ومنزلة رفيعة ، ولما كان السعي والسبق بالقدم سميت المسعاة الجميلة والسابقة قدماً ، كما سميت النعمة يداً ، لأنها تعطى باليد وباعاً لأن صاحبها يبوع بها فقيل لفلان : قدم في الخير ، وإضافته إلى صدق دلالة على زيادة فضل وأنه من السوابق العظيمة .
وقال ابن عطية : والصدق في هذه الآية بمعنى الصلاح ، كما تقول : رجل صدق .
وعن الأوزاعي : قدم بكسر القاف تسمية بالمصدر قال : الكافرون .
ذهب الطبري إلى أنّ في الكلام حذفاً يدل الظاهر عليه تقديره : فلما أنذر وبشر قال الكافرون كذا وكذا .
قال ابن عطية : قال الكافرون : يحتمل أن يكون تفسيراً لقوله : أكان للناس وحينا إلى بشر عجباً قال الكافرون عنه كذا وكذا .
وقرأ الجمهور والعربيان ونافع : لسحر إشارة إلى الوحي ، وباقي السبعة ، وابن مسعود ، وأبو رزين ، ومسروق ، وابن جبير ، ومجاهد ، وابن وثاب ، وطلحة ، والأعمش ، وابن محيصن ، وابن كثير ، وعيسى بن عمرو بخلاف عنهما لساحر إشارة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، وفي مصحف أبي ما هذا إلا سحر .
وقرأ الأعمش أيضاً : ما هذا إلا ساحر .
قال ابن عطية : وقولهم في الإنذار والبشارة سحر إنما هو بسبب أنه فرق كلمتهم ، وحال بين القريب وقريبه ، فأشبه ذلك ما يفعله الساحر ، وظنوه من ذلك الباب .
وقال الزمخشري : وهذا دليل عجزهم واعترافهم به وإن كانوا كاذبين في تسميته سحراً .
ولما كان قولهم فيما لا يمكن أن يكون سحراً ظاهر الفساد ، لم يحتج قولهم إلى جواب ، لأنهم يعلمون نشأته معهم بمكة وخلطتهم له وما كانت قلة علم ، ثم أتى به من الوحي المتضمن ما لم يتضمنه كتاب إلهي من قصص الأولين والأخبار بالغيوب والاشتمال على مصالح الدنيا والآخرة ، مع الفصاحة والبراعة التي أعجزتهم إلى غير ذلك من المعاني التي تضمنها يقضي بفساد مقالتهم ، وقولهم ذلك هو ديدن الكفرة مع أنبيائهم إذ أتوهم بالمعجزات كما قال : فرعون وقومه في موسى عليه السلام : { إن هذا لساحر عليم } { قالوا ساحران تظاهران } وقوم عيسى عليه السلام : { إن هذا إلا سحر مبين } ودعوى السحر إنما هي على سبيل العناد والجحد .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.