تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

وقوله تعالى : ( أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً ) يحتمل /225-ب/ وجهين ؛ يحتمل أي قد عجبوا ( أن أوحينا إلى رجل منهم ) ويحتمل أيعجبون ( أن أوحينا إلى رجل منهم ) على الاستئناف .

كانوا يعجبون من ثلاث : من إنزال القرآن على رجل منهم بعجز الخلائق عن إتيان مثله ، ويعجبون من الوحي إلى رجل منهم ، ومن[ في الأصل وم : و ] إرساله رسولا من بين الكل أو من البشر كقوله ( أبعث الله بشرا رسولا )[ الإسراء : 94 ] وكقوله : ( أأنزل عليه الذكر من بيننا )[ ص : 8 ] وكانوا يعجبون من البعث كقوله : ( أإذا متنا وكنا ترابا وعظاما أإنا لمبعوثون )الآية[ الصافات : 16 ] .

ثم يحتمل قوله : ( إلى رجل منهم ) أي من البشر ؛ أي لا يعجبون أن أوحينا إلى رجل من البشر ؛ فإن الإيحاء إلى من هو من البشر أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر وأقرب إلى الرأفة والرحمة ؛ لأن البشر يعرفون خروج ما هو خارج عن طوق البشر ووسعهم ، ولا يعرفون ذلك من غير جوهرهم وغير جنسهم ، ويألف كل جنس جنسه[ في الأصل وم : بجنسه ] . وكل جوهر جوهره[ في الأصل وم : بجوهره ] ، ولا يألف غير جوهره ولا غير جنسه . فإذا كان ما وصفنا كان بعث الرسول من جنس المبعوث [ إليهم ][ ساقطة من الأصل وم ] وجوهرهم أبلغ في الحجاج وأقطع للعذر وأقرب إلى الرأفة والرحمة .

ويحتمل قوله : ( أن أوحينا إلى رجل منهم ) أي من الأميين ؛ أي لا يعجبوا ( أن أوحينا إلى رجل منهم ) أي أمي فإن ذلك أبلغ في التعريف والحجاج لأنه بعث أميا ، لم يعرفوه بدراسة الكتب المتقدمة أو تلاوة شيء منها ، ولا عرفوه اختلف إلى أحد منهم تعلم[ في الأصل وم : في تعليم ] كتبهم ، ولا عرف أنه كتب شيئا ، أو خط خطا قط .

ثم أخبر عما [ في ][ ساقطة من الأصل وم ] كتبهم على موافقة ما فيها ، وكانت كتبهم بغير لسانه . دل [ هذا ][ ساقطة من الأصل وم ] أنه إنما عرف ذلك بالله تعالى فذلك أبلغ على إثبات الرسالة والحجاج ، والله أعلم .

وقوله تعالى : ( أن أنذر الناس ) قال بعضهم : الإنذار يكون في كل مكروه مرهوب ، والبشارة في كل محبوب مرغوب . وقال بعضهم : ( أن أنذر الناس ) يعني الكفار بالنار ( وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) .

اختلفوا في قوله : ( أن لهم قدم صدق عند ربهم ) . قال بعضهم : إن لهم الجنة عند ربهم . وقيل : إن لهم الأعمال الصالحة ، يقدمون عليها . وقيل : ( عند ربهم ) محمد صلى الله عليه وسلم يشفع لهم عند ربهم . وقيل : إن لهم الأعمال الصالحة ، قدموها بين أيديهم . [ وقيل ][ ساقطة في الأصل وم ] ( عند ربهم ) أي سلف خير أو سلف وعد ، وعد لهم بذلك ، وكل[ في الأصل وم : وكان ] أصله من القدم .

قال أبو عوسجة : يقال في الكلام : لفلان عندي قدم صدق ويد صدق ؛ أي نعمة قد أسلفها إلي . وقال القتبي : ( عند ربهم ) يعني عملا صالحا قدموه .

وعن ابن عباس رضي الله عنه [ أنه ][ ساقطة من الأصل وم ] قال : ما سبق لهم من السعادة في الذكر الأول ؛ فمن [ في الأصل وم : من ] قال : ( عند ربهم ) هو الشفاعة ، فالقدم كناية عن الشفاعة أي واقعة ، ومن قال : وعد ثواب أعمالهم ؛ فقد[ في الأصل وم : أي ] تقدم لهم وعد حق وصدق .

ويحتمل ( عند ربهم ) أي ثبتت قدمهم ، لا تزل على ما وصف من ثبوت قدم المؤمنين وقرارها[ في الأصل وم : و القرار ] ، ونزل قدم الكافرين كقوله : ( فنزل قدم بعد ثبوتها )[ النحل : 94 ] .

وقوله تعالى : ( قال الكافرون إن هذا لساحر مبين ) ومن قرأ لسِحر[ انظر معجم القراءات القرآنية ح3/58 ] عنى هذا القرآن ، ومن قرأ ( لساحر ) بالألف عنى به النبي .

ثم السحر هو الذي يتراءى في الظاهر أنه حق ، وهو في الحقيقة باطل ، ثم هو يأخذ الأبصار ، ويأخذ العقول . فأما الذي يأخذ الأبصار فهو[ الفاء ساقطة من الأصل وم ] ما يتراءى الشيء على غير ما هو في الحقيقة ، والذي يأخذ العقول هو أن يذهب بعقله ، فيصير مجنونا كقول[ في الأصل وم : وقال ] فرعون لموسى : ( إني لأظنك يا موسى مسحورا )[ الإسراء : 101 ] أي مجنونا . لكن هؤلاء لم يريدوا بقوله : ( لساحر مبين ) السحر الذي يأخذ [ العقول ، ولكن أرادوا السحر الذي لا يأخذ ][ من م ، ساقطة من الأصل ] الأبصار . يقولون[ في الأصل وم : يقول ] : إنه وإن كان أخذ الأبصار في الظاهر فهو لا شيء في الحقيقة ، ولكن في قولهم : ( إن هذا لساحر مبين ) دليل أنهم عجزوا عن رده ، وعرفوا أنه حق ، ولكنهم أرادوا التمويه على الناس كقول فرعون لسحرته حين[ من م ، ساقطة من الأصل ] آمنوا برب موسى : ( إنه لكبيركم الذي علمكم السحر )[ طه : 71 ] أراد أن يموه على الناس ، والله أعلم .