الهداية إلى بلوغ النهاية لمكي بن ابي طالب - مكي ابن أبي طالب  
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنۡ أَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ رَجُلٖ مِّنۡهُمۡ أَنۡ أَنذِرِ ٱلنَّاسَ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَنَّ لَهُمۡ قَدَمَ صِدۡقٍ عِندَ رَبِّهِمۡۗ قَالَ ٱلۡكَٰفِرُونَ إِنَّ هَٰذَا لَسَٰحِرٞ مُّبِينٌ} (2)

قوله { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم }{[30372]} إلى قوله { أفلا تذكرون } [ 2-3 ] ( أكان ) : ( الألف ){[30373]} ألف استفهام ، معناه : التوبيخ ، والتقرير ، والإنكار لتعجبهم{[30374]} من بعث الله عز وجل{[30375]} رجلا منهم ، رسولا إليهم{[30376]} .

والمعنى : ليس بعجب قد علمتم أن الرسل{[30377]} من قبلكم كانت من بني آدم{[30378]} ، ولم تكن ملائكة . إنما تأتي الملائكة إلى الرسل بأمر الله ونهيه ( سبحانه ){[30379]} وتأتيهم في سورة بني آدم . إذ لا يحتمل بنو آدم معاينة الملائكة{[30380]} .

وقرأ ابن مسعود{[30381]} : ( كان للناس عجب ){[30382]} بالرفع{[30383]} جعل " أن أوحينا " في موضع نصب . وهو بعيد ، لأن المصدر معرفة . فهو أحق أن يكون اسم ( كان ) ( و ){[30384]} ( عجبا ) : الخبر ، لأنه نكرة{[30385]} .

ورفع " عجبا " على اسم " كان " جائز على ( ما ){[30386]} بعده . ( و ){[30387]} اللام في " الناس " متعلقة{[30388]} ب " عجب " ، لا تتعلق ب " كان " .

ومعنى الآية : أن الله ، جل ذكره ، لما بعث محمدا{[30389]} رسولا أنكر جماعة من العرب ذلك ، وقالوا : ( الله ){[30390]} أعظم من أن يبعث بشرا رسولا . فأنزل الله ( عز وجل ){[30391]} : { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس }[ الآية : 2 ] ، ونزل/ { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم }{[30392]} هذا قول ابن عباس{[30393]} .

وقال ابن جريح{[30394]} : عجبت قريش أن بعث رجلا منهم ، فنزل ذلك{[30395]} . وروي أن أهل مكة قالوا : لم يجد الله رسولا إلا يتيم أبي طالب{[30396]} فأنزل الله ( عز وجل ){[30397]} ذلك .

فالناس هنا : أهل مكة{[30398]} . وهذه الآية فيها ضروب من أخبار :

ابتدأ{[30399]} تعالى بعجب ، ثم أخبر بالشيء الذي يوجب العجب عندهم{[30400]} ، وهو الوحي ، ثم أخبر عمن{[30401]} أنزل عليه ذلك الوحي ، ثم أخبر بالشيء الموحى ما هو . وهو الإنذار ، ثم أخبر{[30402]} بالبشارة للمؤمنين وأخبر بالمبشر به ما هو ؟ وهو : كون القدم الصدق للمؤمنين عند ربهم ، ثم أخبر بجواب الكافرين عن ذلك : ( كل ذلك ){[30403]} في آية واحدة ومعنى { قدم صدق }[ الآية : 2 ] : قال الضحاك{[30404]} : " ثواب{[30405]} صدق " {[30406]} . وقال مجاهد : " الأعمال الصالحة{[30407]} " {[30408]} ، وهو اختيار الطبري{[30409]} . وقال ابن عباس : أجرا حسنا ( بما ){[30410]} قدموا من ( صالح ){[30411]} أعمالهم{[30412]} . وعن ابن عباس : { قدم صدق } : ما تقدم لهم من السعادة في اللوح المحفوظ{[30413]} .

وقال قتادة والحسن ، وزيد بن أسلم{[30414]} : { قدم صدق } وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، شفيع لهم{[30415]} .

وعن الحسن أنه قال : { قدم صدق عند ربهم }هو : مصيبتهم في نبيهم صلى الله عليه وسلم{[30416]} .

والقدم في اللغة على أربعة أوجه : قدم الإنسان مؤنثة ، والقدم السابقة : العمل{[30417]} الصالح مؤنثة أيضا ، والقدم : الشجاع مذكر ، والقدم المتقدم : مذكر أيضا{[30418]} .

وفي الحديث : ( إن جهنم لا تسكن حتى يضع الجبار فيها قدمه ) . وفي ( رواية ){[30419]} أخرى : ( حتى يضع الله فيها قدمه ){[30420]} .

قال الحسن : معناه يجعل ( الله ){[30421]} فيها الذين قدمهم لها . فهم{[30422]} قدم الله عز وجل إلى النار ، والمؤمنون قدمه{[30423]} إلى الجنة .

ومن رواة : ( حتى يضع الجبار فيها قدمه ) فمعناه ( مثل ) ما ذكرنا ، أن جعلت الجبار اسما لله ( عز وجل ){[30424]} .

وقيل{[30425]} " الجبار اسم لجنس يدل على جميع الجبارين على الله ( سبحانه ){[30426]} .

فالمعنى : حتى يضع الجبارون على الله ( سبحانه ){[30427]} فيها أقدامهم . أي : حتى يدخلوها{[30428]} . ( فعند ذلك تقول جهنم : قط قط ){[30429]} أي كفى كفى .

وفي هذا الحديث اختلاف ورايات بألفاظ مختلفة ، لكنا ( قد ){[30430]} فسرنا موضع الإشكال منه .

{ عند ربهم }[ الآية : 2 ] : وقف حسن عند أبي حاتم{[30431]} والأخفش{[30432]} . وقال : {[30433]} تفسيرهما ليس بتمام حسن ؛ لأن { قال الكافرون } جواب لما قبله{[30434]} .

ومن قرأ " لساحر " {[30435]} فمعناه : هذا النذير{[30436]} لساحر . يعنون النبي صلى الله عليه وسلم{[30437]} .

ومن قرأ " لسحر " {[30438]} فمعناه : هذا الذي أنذرنا به سحر ، يعنون القرآن .

والقراءتان ترجعان إلى معنى واحد ، لأنهم إذا جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم{[30439]} ساحرا{[30440]} فقد أخبروا أنه أتاهم بالسحر ، وهو القرآن . وإذا جعلوا القرآن سحرا{[30441]} فقد أخبروا أن الذي أتاهم به ساحر . إذ السحر لا يكون إلا من ساحر{[30442]} . والساحر لا يسمى بهذا الاسم حتى يأتي بالسحر ، ويعرف{[30443]} منه ذلك .


[30372]:ساقطة من ق.
[30373]:ساقطة من ق.
[30374]:ق: ولتعجبهم.
[30375]:ساقطة من ق.
[30376]:انظر هذا القول، وسبب نزول الآية في: أسباب النزول 199، ولباب النقول 128-، والدر 4/340.
[30377]:ق: الرسول، وهو خطأ.
[30378]:ق: "آدام" بزيادة الآلف، وهو خطأ.
[30379]:ساقطة من ق.
[30380]:ط: خلق الملائكة.
[30381]:هو عبد الله بن مسعود بن الحارث من أكبر الصحابة المقرئين. عرض القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم، وإليه منتهى قراءة الكسائي، وحمزة، وعاصم، كان مفسرا، ضابطا. انظر ترجمته في: صفة الصفة 1/395، وتذكرة الحفاظ 1/13. والإصابة 45-49.
[30382]:ط: عجبا.
[30383]:انظر هذه القراءة في: إعراب النحاس 2/244، والكشاف 2/224، والجامع 8/195.
[30384]:ساقطة من ق.
[30385]:انظر هذا الإعراب في: إملاء ما من به الرحمن: 2/24.
[30386]:ط: عجب.
[30387]:ساقطة من ق.
[30388]:ساقطة من ق.
[30389]:ساقطة من ط.
[30390]:ط: صم.
[30391]:ساقطة من ط.
[30392]:سورة يوسف: 109.
[30393]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/13، وأسباب النزول 199 – 200، والمحرر 9/4، والجامع 8/195 ولباب النقول 128، والدر 4/340.
[30394]:هو أبو خالد عبد الملك بن عبد العزيز القرشي. فقيه، ثقة، حدث عن: أبيه، ومجاهد، وعطاء وابن جبير. وروى عنه: السفيانان وآخرون (150هـ) انظر ترجمته في: الغاية 1/469، وتذكرة الحفاظ 169.
[30395]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/13، والمحرر 9/4-5.
[30396]:وهو قول الزجاج، انظره في: معانيه 3/5، والمحرر 9/5، والجامع 8/194.
[30397]:ساقطة من ط.
[30398]:وهو قول الزجاج. انظره في معانيه 3/5.
[30399]:في النسختين معا: ابتداء، والصواب ما أثبت.
[30400]:ق: ب عندهم: كذا وردت.
[30401]:ق: عما.
[30402]:ق: خبر.
[30403]:ساقط من ق.
[30404]:هو أبو القاسم، الضحاك بن مزاحم الهلالي اللبلخي، يعد من أكبر المفسرين من التابعين: روى عن: سعيد بن جبير (ت: 105هـ) انظر ترجمته في: طبقات ابن سعد 2/128، وميزان الاعتدال 2/325.
[30405]:ط: تواب. وهو سهو من الناسخ.
[30406]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/14، والدر 4/341.
[30407]:ق: الصالحات.
[30408]:انظر قول مجاهد في: غريب القرآن 194، وجامع البيان 15/14.
[30409]:انظر في: جامع البيان 15/16.
[30410]:ساقطة من ق.
[30411]:ساقط من ق.
[30412]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/14. وفيه أنه مروي عن الضحاك أيضا، وانظر قول ابن عباس في: الجامع 8/195، وتفسير ابن كثير 2/669، والدر 4/341.
[30413]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/15، والمحرر 5/9، والجامع 8/195، والدر 4/341.
[30414]:هو أبو أسامة، زيد بن أسلم العدوي. كان ثقة، فقيها مفسرا: انظر ترجمته في: تقريب التهذيب: 1/272، وتذكرة الحفاظ 1/132.
[30415]:انظر هذا القول في: جامع البيان 15/15-16، والجامع 8/195 ولم ينسبه لزيد، والدر 4/341.
[30416]:ط: صم. وهذا الأثر: أخرجه البخاري في كتاب التفسير 4/137 عن زيد بن أسلم. وانظره مرويا عن الحسن في: المحرر 9/5، والجامع 8/195.
[30417]:ق: وانعمل.
[30418]:انظر هاته الأوجه اللغوية "للقدم" في اللسان مادة "قدم".
[30419]:ساقط من ق.
[30420]:هذا الحديث أخرجه البخاري في سورة ق من كتاب التفسير بروايتين مختلفتين عن قتادة، وأبي هريرة. انظر: الفتح 8/595، ورواه مسلم في صحيحه عن قتادة. انظر: شرح النووي لمسلم 17/184، ورواه الإمام أحمد في مسنده 2/314 و3/334. وتمامه: (فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها. فتقول: قظ قظ).
[30421]:ساقطة من ق.
[30422]:ط: لهم.
[30423]:ط: قدمهم.
[30424]:ساقطة من ق.
[30425]:انظر هذا التفسير في: المحرر 9/6.
[30426]:ساقطة من ق.
[30427]:ساقطة من ق.
[30428]:ق: يدخلونها.
[30429]:انظر الحديث السابق.
[30430]:ساقطة من ق,
[30431]:هو سهل بن محمد بن عثمان السجستاني، إمام أهل البصرة في النحو، وعلوم القرآن، واللغة. روى عن: أبي عبيدة والأصمعي، وحدث عنه: ابن دريد وآخرون (ت:284) انظر ترجمته في التهذيب 4/257، وبغية الوعاة 1/606.ا
[30432]:الأخفش الأوسط: هو أبو الحسن سعيد بن مسعدة البلخي، المشهور بسعة علمه في اللغة، والنحو، قرأ النحو على سيبويه، وروى عنه: أبو حاتم (ت:214) انظر ترجمته في: وفيات الأعيان 2/280، وبغية الوعاة 1/590.
[30433]:انظر هذا الوقف في: القطع والائتناف 372. وعزاه في المكتفى: 303، والمقصد: 43 إلى أبي حاتم فقط.
[30434]:انظر هذا القول في: القطع والائتناف: 372.
[30435]:هذه القراءة لابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي، وعامة قرأة الكوفة.انظر: جامع البيان 15/17، والسبعة 322، والمبسوط 231، والحجة 327، والتيسير 120، وتحبير التيسير 120. وزاد في المحرر 9/6، والجامع 8/196: أنها قراءة ابن مسعود: وأبي رزين ومجاهد، وابن وثاب، وطلحة، والأعمش، وعيسى بن عمرو، وابن محيصن.
[30436]:ق: التزين وهو خطأ.
[30437]:ساقطة من ق. ط: صم.
[30438]:هذه القراءة لنافع، وأبي عمرو، وابن عامر، ولعامة أهل البصرة، والمدينة. انظرها في: جامع البيان 15/17، والسبعة 322، والمبسوط 231، والحجة 327، والتيسير 120، والمحرر 9/6 وتجبير التيسير 120 وإتحاف فضلاء البشر 7/104.
[30439]:ساقط من ق، وفي ط: صم.
[30440]:في النسختين معا: ساحر وهو خطأ.
[30441]:ق: سحر.
[30442]:ق: سحر.
[30443]:ق: «ويعرف ويعرف» وهو سهو من الناسخ.