قوله { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم }{[30372]} إلى قوله { أفلا تذكرون } [ 2-3 ] ( أكان ) : ( الألف ){[30373]} ألف استفهام ، معناه : التوبيخ ، والتقرير ، والإنكار لتعجبهم{[30374]} من بعث الله عز وجل{[30375]} رجلا منهم ، رسولا إليهم{[30376]} .
والمعنى : ليس بعجب قد علمتم أن الرسل{[30377]} من قبلكم كانت من بني آدم{[30378]} ، ولم تكن ملائكة . إنما تأتي الملائكة إلى الرسل بأمر الله ونهيه ( سبحانه ){[30379]} وتأتيهم في سورة بني آدم . إذ لا يحتمل بنو آدم معاينة الملائكة{[30380]} .
وقرأ ابن مسعود{[30381]} : ( كان للناس عجب ){[30382]} بالرفع{[30383]} جعل " أن أوحينا " في موضع نصب . وهو بعيد ، لأن المصدر معرفة . فهو أحق أن يكون اسم ( كان ) ( و ){[30384]} ( عجبا ) : الخبر ، لأنه نكرة{[30385]} .
ورفع " عجبا " على اسم " كان " جائز على ( ما ){[30386]} بعده . ( و ){[30387]} اللام في " الناس " متعلقة{[30388]} ب " عجب " ، لا تتعلق ب " كان " .
ومعنى الآية : أن الله ، جل ذكره ، لما بعث محمدا{[30389]} رسولا أنكر جماعة من العرب ذلك ، وقالوا : ( الله ){[30390]} أعظم من أن يبعث بشرا رسولا . فأنزل الله ( عز وجل ){[30391]} : { أكان للناس عجبا أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس }[ الآية : 2 ] ، ونزل/ { وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم }{[30392]} هذا قول ابن عباس{[30393]} .
وقال ابن جريح{[30394]} : عجبت قريش أن بعث رجلا منهم ، فنزل ذلك{[30395]} . وروي أن أهل مكة قالوا : لم يجد الله رسولا إلا يتيم أبي طالب{[30396]} فأنزل الله ( عز وجل ){[30397]} ذلك .
فالناس هنا : أهل مكة{[30398]} . وهذه الآية فيها ضروب من أخبار :
ابتدأ{[30399]} تعالى بعجب ، ثم أخبر بالشيء الذي يوجب العجب عندهم{[30400]} ، وهو الوحي ، ثم أخبر عمن{[30401]} أنزل عليه ذلك الوحي ، ثم أخبر بالشيء الموحى ما هو . وهو الإنذار ، ثم أخبر{[30402]} بالبشارة للمؤمنين وأخبر بالمبشر به ما هو ؟ وهو : كون القدم الصدق للمؤمنين عند ربهم ، ثم أخبر بجواب الكافرين عن ذلك : ( كل ذلك ){[30403]} في آية واحدة ومعنى { قدم صدق }[ الآية : 2 ] : قال الضحاك{[30404]} : " ثواب{[30405]} صدق " {[30406]} . وقال مجاهد : " الأعمال الصالحة{[30407]} " {[30408]} ، وهو اختيار الطبري{[30409]} . وقال ابن عباس : أجرا حسنا ( بما ){[30410]} قدموا من ( صالح ){[30411]} أعمالهم{[30412]} . وعن ابن عباس : { قدم صدق } : ما تقدم لهم من السعادة في اللوح المحفوظ{[30413]} .
وقال قتادة والحسن ، وزيد بن أسلم{[30414]} : { قدم صدق } وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، شفيع لهم{[30415]} .
وعن الحسن أنه قال : { قدم صدق عند ربهم }هو : مصيبتهم في نبيهم صلى الله عليه وسلم{[30416]} .
والقدم في اللغة على أربعة أوجه : قدم الإنسان مؤنثة ، والقدم السابقة : العمل{[30417]} الصالح مؤنثة أيضا ، والقدم : الشجاع مذكر ، والقدم المتقدم : مذكر أيضا{[30418]} .
وفي الحديث : ( إن جهنم لا تسكن حتى يضع الجبار فيها قدمه ) . وفي ( رواية ){[30419]} أخرى : ( حتى يضع الله فيها قدمه ){[30420]} .
قال الحسن : معناه يجعل ( الله ){[30421]} فيها الذين قدمهم لها . فهم{[30422]} قدم الله عز وجل إلى النار ، والمؤمنون قدمه{[30423]} إلى الجنة .
ومن رواة : ( حتى يضع الجبار فيها قدمه ) فمعناه ( مثل ) ما ذكرنا ، أن جعلت الجبار اسما لله ( عز وجل ){[30424]} .
وقيل{[30425]} " الجبار اسم لجنس يدل على جميع الجبارين على الله ( سبحانه ){[30426]} .
فالمعنى : حتى يضع الجبارون على الله ( سبحانه ){[30427]} فيها أقدامهم . أي : حتى يدخلوها{[30428]} . ( فعند ذلك تقول جهنم : قط قط ){[30429]} أي كفى كفى .
وفي هذا الحديث اختلاف ورايات بألفاظ مختلفة ، لكنا ( قد ){[30430]} فسرنا موضع الإشكال منه .
{ عند ربهم }[ الآية : 2 ] : وقف حسن عند أبي حاتم{[30431]} والأخفش{[30432]} . وقال : {[30433]} تفسيرهما ليس بتمام حسن ؛ لأن { قال الكافرون } جواب لما قبله{[30434]} .
ومن قرأ " لساحر " {[30435]} فمعناه : هذا النذير{[30436]} لساحر . يعنون النبي صلى الله عليه وسلم{[30437]} .
ومن قرأ " لسحر " {[30438]} فمعناه : هذا الذي أنذرنا به سحر ، يعنون القرآن .
والقراءتان ترجعان إلى معنى واحد ، لأنهم إذا جعلوا النبي صلى الله عليه وسلم{[30439]} ساحرا{[30440]} فقد أخبروا أنه أتاهم بالسحر ، وهو القرآن . وإذا جعلوا القرآن سحرا{[30441]} فقد أخبروا أن الذي أتاهم به ساحر . إذ السحر لا يكون إلا من ساحر{[30442]} . والساحر لا يسمى بهذا الاسم حتى يأتي بالسحر ، ويعرف{[30443]} منه ذلك .