{ سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب } يريد ما قذف في قلوبهم من الخوف يوم أحد حتى تركوا القتال ورجعوا من غير سبب ، ونادى أبو سفيان يا محمد موعدنا موسم بدر القابل إن شئت فقال عليه الصلاة والسلام : " إن شاء الله " . وقيل لما رجعوا وكانوا ببعض الطريق ندموا وعزموا أن يعودوا عليهم ليستأصلوهم ، فألقى الله الرعب في قلوبهم . وقرأ ابن عامر والكسائي ويعقوب بالضم على الأصل في كل القرآن{ بما أشركوا بالله } بسبب إشراكهم به { ما لم ينزل به سلطانا } أي آلهة ليس على إشراكها حجة ولم ينزل عليهم به سلطانا وهو كقوله :
وأصل السلطنة القوة ومنه السليط لقوة اشتعاله والسلاطة لحدة اللسان . { ومأواهم النار وبئس مثوى الظالمين } أي مثواهم ، فوضع الظاهر موضع المضمر للتغليظ والتعليل .
وقوله تعالى : { سنلقي } استعارة ، إذ حقيقة الإلقاء إنما هي في الأجرام ، وهذا مثل قوله تعالى : { والذين يرمون المحصنات }{[3602]} ونحوه قول الفرزدق : [ الطويل ]
هما نفثا في فيّ من فَمَوَيْهِما . . . عَلى النَّابحِ الْعاوي أَشَدَّ رَجَامِ{[3603]}
وقرأ جمهور الناس «سنلقي » بنون العظمة ، وقرأ أيوب السختياني «سيلقي » بالياء على معنى هو ، وقرأ ابن عامر والكسائي «الرعُب » بضم العين حيث وقع ، وقرأ الباقون «الرعْب » بسكون العين ، وهذا كقولهم : عُنُق وعنْق وكلاهما حسن فصيح ، وسبب هذه الآية : أنه لما ارتحل أبو سفيان بالكفار بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وقال : انظر القوم ، فإن كانوا قد جنبوا الخيل وركبوا الإبل فهم متشمرون إلى مكة ، وإن كانوا على الخيل فهم عامدون{[3604]} إلى المدينة ، فمضى علي فرآهم قد جنبوا الخيل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسر وسر المسلمون ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة فتجهز واتبع المشركين يريهم الجلد ، فبلغ حمراء الأسد وأن أبا سفيان قال له كفار قريش : أحين قتلناهم وهزمناهم ولم يبق إلا الفل والطريد{[3605]} ننصرف عنهم ؟ ارجع بنا إليهم حتى نستأصلهم فعزموا على ذلك ، وكان معبد بن أبي معبد الخزاعي{[3606]} قد جاء إلى رسول الله عليه السلام وهو على كفره ، إلا أن خزاعة كلها كانت تميل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له ، والله يا محمد لقد ساءنا ما أصابك ، ولوددنا أنك لم ترزأ في أصحابك ، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بما عزمت عليه قريش من الانصراف ، اشتد ذلك عليهم ، فسخر الله ذلك الرجل معبد بن أبي معبد ، وألقى بسببه الرعب في قلوب الكفار ، وذلك أنه لما سمع الخبر ، ركب حتى لحق بأبي سفيان بالروحاء ، وقريش قد أجمعوا الرجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، فلما رأى أبو سفيان معبداً قال : ما وراءك يا معبد ؟ قال : محمد قد خرج في أصحابه يطلبكم في جمع لم أرى مثله قط ، يتحرقون عليكم ، قد اجتمع إليه من كان تخلف عنه ، وندموا على ما صنعوا ، قال : ويلك ما تقول ؟ قال والله ما أرى أن ترتحل حتى ترى نواصي الخيل ، قال : فوالله لقد أجمعنا الكرة عليهم لنستأصل بقيتهم ، قال : فإني أنهاك عن ذلك ، والله لقد حملني ما رأيت على أن قلت فيه شعراً قال وما قلت ؟ قال قلت : [ البسيط ]
كادت تُهَدُّ مِنَ الأَصْواتِ رَاحلتي . . . إذ سالتِ الأرضُ بالجُرْدِ الأَبابيلِ
ترْدِي بِأُسْدٍ كِرامٍ لا تنابلةٍ . . . عندَ اللقاءِ ولا ميلٍ معازيلِ
فَظلْتُ عَدْواً أَظُنُّ الأَرْضَ مائلة . . . لمّا سَمَوْا برئيسٍ غَيْرِ مَخْذُولِ{[3607]}
إلى آخر الشعر ، فوقع الرعب في قلوب الكفار ، وقال صفوان بن أمية : لا ترجعوا فإني أرى أنه سيكون للقوم قتال غير الذي كان ، فنزلت هذه الآية في هذا الإلقاء{[3608]} ، وهي بعد متناولة كل كافر ، ويجري معها قول النبي عليه السلام : نصرت بالرعب مسيرة شهر{[3609]} ، ويظهر ان هذه الفضيلة إنما أعلم عليه السلام بها بعد هذه الأحوال كلها حين امتد ظل الإسلام ، قال بعض أهل العلم : إنه لما أمر الله المؤمن بالصبر ، ووعده النصر ، وأخبره أن الرعب ملقى في قلوب الكفار ، نقص الرعب من كل كافر جزءاً مع زيادة شجاعة المؤمن ، إذ قد وعد النصر فلذلك كلف المؤمن الوقوف للكافرين ، وقوله تعالى : { بما أشركوا } هذه باء السبب ، والمعنى : أن المشرك بالله نفسه مقسمة في الدنيا وليس له بالله تعالى ثقة ، فهو يكره الموت ويستشعر الرعب منه ، و «السلطان » ، الحجة والبرهان{[3610]} ، ثم أخبر تعالى بعاقبة الكفار في الآخرة ، و «المأوى » : مفعل من أويت إلى المكان إذا دخلته وسكنت فيه ، و «المثوى » ، مفعل من : ثويت ، والتقدير : وبئس مثوى الظالمين هي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.