التفسير الصحيح لبشير ياسين - بشير ياسين  
{سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ} (1)

مقدمة السورة:

فضلها :

أخرج البخاري بسنده عن ابن مسعود قال : بني إسرائيل ، والكهف ومريم ، وطه ، والأنبياء ، هن من العِتاق الأٌول ، وهن من تِلادي .

( الصحيح-التفسير-سورة الأنبياء4739 ) . وتسمى سورة " الإسراء " سورة " بني إسرائيل " وسورة " سبحان " ، والعِتاق جمع عتيق وهو القديم ، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة ، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث . وقوله ( وهن من تلادي ) ، أي مما حفظ قديما ، والتلاد قديم الملك ، وهو بخلاف الطارف . ومراد ابن مسعود أنها أول ما تعلم من القرآن ، وأن لها فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم . ( انظر فتح الباري8/388 ) .

قال الإمام أحمد : ثنا عبد الرحمن بن مهدي ، عن حماد بن زيد ، عن مروان أبي لبابة قال : سمعت عائشة تقول : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول ما يريد أن يفطر ، ويفطر حتى نقول : ما يريد أن يصوم ، وكان يقرأ كل ليلة ببني إسرائيل والزمر .

( المسند6/189 ) . أخرجه الترمذي ، والنسائي ، والحاكم ، كلهم من طريق حماد بن يزيد به ، وقال الترمذي : حديث حسن غريب ، وسكت عنه الحاكم والذهبي ، وصححه الألباني ، وحسنه فاروق حمادة ( سنن الترمذي-فضائل القرآن رقم 2920 ، وعمل اليوم والليلة رقم712 ، والمستدرك2/434 ، وصحيح الجامع الصغير4/250 ، وصحيح سنن الترمذي رقم2332 ) .

قوله تعالى { سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله }

وردت أحاديث في ذكر صفة الإسراء والمعراج أصحها ما أخرجه البخاري ومسلم بسنديهما عن قتادة عن أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : " بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان-وذكر يعني رجلا بين الرجلين- فأتيت بطست من ذهب ملآن حكمة وإيمانا ، فشق من النحر إلى مراق البطن ، ثم غسل البطن بماء زمزم ، ثم ملء حكمة وإيمانا وأتيت بدابة أبيض دون البغل وفوق الحمار البراق ، فانطلقت مع جبريل ، حتى أتينا السماء الدنيا ، قيل : من هذا ؟ قال جبريل ، قيل من معك ؟ قال : محمد ، قيل : وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم . قيل : مرحبا به ، ولنعم المجي جاء ، فأتيت على آدم فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من ابن ونبي ، فأتينا السماء الثانية ، قيل : من هذا ؟ قال جبريل ، قيل : من معك قال : محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل : مرحبا به ، ولنعم المجى جاء ، فأتيت على عيسى ويحيى فقالا : مرحبا بك من أخ ونبي ، فأتينا السماء الثالثة ، قيل : من هذا ؟ قيل : جبريل ، قيل من معك ؟ قال : محمد قيل وقد أرسل إليه ؟ قال : نعم ، قيل مرحبا به ، ولنعم المجى جاء ، فأتيت على يوسف فسلمت ، فقال : مرحبا بك من أخ ونبي ، فأتينا السماء الرابعة ، قيل من هذا ؟ قال جبريل ، قيل من معك ؟ قيل محمدا صلى الله عليه وسلم ، قيل وقد أرسل إليه ؟ قال نعم ، قيل : مرحبا به ولنعم المجيء جاء ، فأتيت على إدريس فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من أخ ونبي فأتينا السماء الخامسة ، قيل من هذا ؟ قيل : جبريل ، قيل ومن معك ؟ قيل : محمد ، قيل وقد أرسل إليه ؟ قال نعم ، قيل مرحبا به ولنعم المجى جاء ، فأتينا على هارون ، فسلمت عليه ، فقال مرحبا بك من أخ ونبي ، فأتينا على السماء السادسة ، قيل من هذا ؟ قيل جبريل ، قيل من معك ؟ قيل محمد صلى الله عليه وسلم ، قيل وقد أرسل إليه ؟ مرحبا به نعم المجيء جاء ، فأتيت على موسى فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من أخ ونبي فلما جاوزت بكى فقيل : ما أبكاك ؟ قال : يا رب ، هذا الغلام الذي بعث بعدي يدخل الجنة من أمة أفضل مما يدخل من أمتي ، فأتينا السماء السابعة ، قيل من هذا : قيل : جبريل قيل : من معك ؟ قيل : محمد ، قيل وقد أرسل إليه ؟ مرحبا به ولنعم الجيء جاء ، فأتيت على إبراهيم فسلمت عليه فقال : مرحبا بك من ابن ونبي ، فرفع لي البيت المعمور ، فسألت جبريل فقال : هذا البيت المعمور يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك ، إذا خرجوا لم يعودوا إليه آخر ما عليهم ، ورفعت لي سدرة المنتهى ، فإذا نبقها كأنه قلال هجر ، وورقها كأنه آذان الفيول ، في أصلها أربعة أنهار : نهران باطنان ونهران ظاهران ، فسألت جبريل فقال : أما الباطنان ففي الجنة ، وأما الظاهران النيل والفرات ، ثم فرضت علي خمسون صلاة ، فأقبلت حتى جئت موسى فقال ما صنعت ؟ قلت فرضت علي خمسون صلاة ، قال أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة ، وإن أمتك لا تطيق ، فارجع إلى ربك فسله ، فرجعت فسألته فجعلها أربعين ، ثم مثله ثم ثلاثين ثم مثله فجعل عشرين ، ثم مثله فجعل عشرا ، فأتيت موسى فقال مثله فجعلها خمسا : فأتيت موسى فقال : ما صنعت ؟ قلت جعلها خمسا ، فقال مثله فسلمت ، فنودي : إني قد أمضيت فريضتي ، وخففت عن عبادي ، وأجزي الحسنة عشرا .

( صحيح البخاري-بدء الخلق باب ذكر الملائكة رقم3207 ) ، ( وصحيح مسلم-الإيمان ، ب الإسراء برسول الله رقم462 ) . واللفظ للبخاري ، وذكره الحافظ ابن حجر وقال : ليس في أحاديث المعراج أصح منه ( انظر تفسير القاسمي10/991 ) .

وأخرج مسلم بسنده عن ثابت البناني عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أُُُتيت البراق ( وهو دابة أبيض طويل فوق الحمار ودون البغل يضع حافره عند منتهى طرفه ) قال : فركبته حتى أتيت بيت المقدس " . قال : فربطته بالحلقة التي يربط به الأنبياء قال : " ثم دخلت المسجد فصليت فيه ركعتين ، ثم خرجت فجاءني جبريل عليه السلام بإناء من خمر وإناء من لبن ، فاخترت اللبن فقال جبريل : اخترت الفطرة ثم عرج بنا إلى السماء . . . " .

( الصحيح-الإيمان ، ب الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم رقم261 ) .

قال البيهقي : وفي هذا السياق دليل على أن المعراج كان ليلة أسري به عليه الصلاة والسلام من مكة إلى البيت المقدس ، ذكره كثير ثم أيده فقال : وهذا الذي قاله هو الحق الذي لا شك فيه ولا مرية .

قال الإمام أحمد : ثنا عبد الصمد وحسن قالا : ثنا ثابت قال : حسن أبو زيد قال عبد الصمد : قال : ثنا هلال عن عكرمة عن ابن عباس قال : أسري بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى بيت المقدس ثم جاء من ليلته فحدثهم بمسيره وبعلامة بيت المقدس وبعيرهم فقال ناس ، قال حسن : نحن نصدق محمدا بما يقول : فارتدوا كفارا فضرب الله في أعناقهم مع أبي جهل وقال أبو جهل : يخوفنا محمد بشجرة الزقوم هاتوا ثمرا وزبد تزقموا ورأى الدجال في صورته رؤيا عين ليس رؤيا منام وعيسى وموسى وإبراهيم صلوات الله عليهم فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الدجال فقال : أقمر هجانا قال : حسن قال : رأيته فيلما أقمر هجانا إحدى عينيه قائمة كأنها كوكب درى كان شعر رأسه أغصان شجرة ورأيت عيسى شابا أبيض جعد الرأس حديد البصر مبطن الخلق ورأيت موسى أسحم آدم كثير الشعر قال : حسن الشعرة شديد الخلق ونظرت إلى إبراهيم فلا أنظر إلى إرب من آرابه إلا نظرت إليه مني كأنه صاحبكم فقال جبريل عليه السلام : سلم على مالك فسلمت عليه .

( المسند1/473 ) ، وأخرجه النسائي في التفسير من حديث أبي زيد ثابت بن يزيد عن هلال -وهو ابن خباب- به وهو إسناد صحيح كما قال ابن كثير . وقال الهيثمي : رواه أحمد ورجاله ثقات إلا أن هلال بن خباب ، قال يحيى القطان : إنه تغير قبل موته ، وقال يحيى بن معين : لم يتغير ولم يختلط ، ثقة . مأمون ( مجمع الزوائد1/66-67 ) ، وصححه أحمد شاكر ( المسند رقم3546 ) .

أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن أنس أتى النبي صلى الله عليه وسلم بالبراق به مسرحا ملجما يركبه فاستعصب عليه ، فقال له جبريل ما يحملك على هذا ؟ فو الله ما ركبك أحد قط أكرم على الله منه فارفض عرقا ، فارفض : أي تصبب وسال عرقا وسكن .

( السنن التفسير ، ب من سورة بني إسرائيل رقم3131 ) ، وأخرجه الترمذي والطبري من طريق عبد الرزاق به ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ولا نعرفه إلا من حديث عبد الرزاق ، وصححه الألباني ( صحيح سنن الترمذي3/67 رقم2503 ) .

وقد تقدم فضل التسبيح في بداية سورة الفاتحة عند قوله تعالى : الحمد لله . . .

وفي سورة البقرة ونحن نسبح بحمدك .

قوله تعالى { لنريه من آياتنا }

أخرج الطبري بسنده الحسن عن قتادة قوله : { لنريه من آياتنا } ما أراه الله من الآيات والعبر في طريق بيت المقدس .