نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (29)

ولما كان غالب ما مضى مبنياً{[21221]} على الأموال تارة بالإرث ، وتارة بالجعل في النكاح ، حلالاً{[21222]} أو حراماً ؛ قال تعالى - إنتاجاً مما مضى بعد أن بين الحق من الباطل وبين ضعف هذا النوع كله ، فبطل تعليلهم لمنع النساء والصغار من الإرث بالضعف ، وبعد أن بين كيفية الترصف في أمر{[21223]} النكاح بالأموال وغيرها حفظاً للأنساب{[21224]} ، ذاكراً كيفية{[21225]} التصرف في الأموال ، تطهيراً للإنسان{[21226]} ، مخاطباً لأدنى الأسنان في الإيمان ، ترفيعاً{[21227]} لغيرهم عن مثل هذا الشأن{[21228]} : { يا أيها الذين آمنوا } أي أقروا بالإيمان والتزام الأحكام .

ولما كان الأكل أعظم المقاصد بالمال ، وكان العرب يرون التهافت على الأكل أعظم العار وإن كان حلالاً ؛ كنى به التناول فقال : { لا تأكلوا } أي تتناولو { أموالكم } أي الأموال التي جعلها{[21229]} الله قياماً للناس { بينكم بالباطل } أي من التسبب فيها بأخذ نصيب النساء والصغار من الإرث ، وبعضل بعض{[21230]} النساء وغير ذلك مما تقدم النهي عنه وغيره .

ولما نهى عن{[21231]} الأكل بالباطل ، استدرك ما ليس كذلك{[21232]} فقال : { إلا أن تكون } أي المعاملة المدارة المتداولة بينكم { تجارة } هذا في قراءة الكوفيين بالنصب ، وعلى قراءة غيرهم : إلا أن توجد تجارة كائنة { عن تراض منكم } أي غير منهي عنه من الشارع ، ولعل الإتيان بأداة الاستثناء المتصل - والمعنى على المنقطع - للإشارة إلى أن تصرفات الدنيا كلها جديرة بأن يجري{[21233]} عليها اسم الباطل ولو لم يكن إلا {[21234]}معنياً بها{[21235]} تزهيداً فيها وصدّاً عن الاستكثار{[21236]} منها ، وترغيباً فيما يدوم نفعه ببقائه ، و{[21237]}هكذا كل{[21238]} استثناء منقطع في القرآن ، من{[21239]} تأمله حق التأمل وجد للعدول عن الحرف الموضوع له - " وهو لكن " - إلى صورة الاستثناء حكمة بالغة - والله الموفق .

ولما كان المال عديل الروح ونهى عن إتلافه بالباطل ، نهى عن إتلاف النفس ، لكون أكثر إتلافهم لها بالغارات لنهب الأموال وما كان بسببها{[21240]} وتسبيبها{[21241]} على أن من أكل ماله ثارت نفسه فأدى ذلك إلى الفتن التي ربما كان آخرها القتل ، فكان النهي عن ذلك أنسب شيء لما بنيت{[21242]} عليه السورة من التعاطف والتواصل فقال تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } أي حقيقة بأن يباشر الإنسان قتل نفسه ، أو مجازاً بأن يقتل بعضكم بعضاً ، فإن الأنفس{[21243]} واحدة ، وذلك أيضاً يؤدي إلى قتل نفس القاتل ، فلا تغفلوا{[21244]} عن حظ أنفسكم من الشكر فمن غفل عن حظها فكأنما{[21245]} مثلها ، ثم علله{[21246]} بما يلين أقسى الناس فقال : { إن الله } أي مع ما له من صفات العظمة التي لا تدانيها عظمة { كان بكم } أي خاصة حيث خفف عليكم ما شدده{[21247]} على من كان قبلكم { رحيماً * } أي بليغ الرحمة حيث يسر لكم الطاعة ووفقكم لها فأبلغ{[21248]} سبحانه الترغيب في الامتثال ؛


[21221]:من مد، وفي الأصل: مثبتا، وفي ظ: مبينا.
[21222]:في ظ: حالا.
[21223]:زيد من ظ.
[21224]:من ظ ومد، وفي الأصل: للإنسان.
[21225]:في ظ: لفية.
[21226]:في مد: للأسباب، وفي ظ: الأسباب.
[21227]:من مد، وفي الأصل وظ: ترفيقا.
[21228]:من ظ ومد، وفي الأصل: النبيان ـ كذا.
[21229]:من مد، وفي الأصل وظ: جعل.
[21230]:زيد من مد.
[21231]:من ظ ومد، وفي الأصل: عنه.
[21232]:في ظ: لذلك.
[21233]:في الأصل: مجرى، وفي ظ ومد: مجرى ـ كذا.
[21234]:في الأصل ومد: نفنيها، وفي ظ: معنابها ـ كذا.
[21235]:في الأصل ومد: نفنيها، وفي ظ: معنابها ـ كذا.
[21236]:في مد: الاستكبار.
[21237]:زيدت الواو من ظ ومد.
[21238]:زيد بعده في ظ: من.
[21239]:من ظ ومد، وفي الأصل: منه.
[21240]:في ظ: سببها.
[21241]:من ظ ومد، وفي الأصل: تشبيها.
[21242]:من مد، وفي الأصل وظ: ينبت.
[21243]:في ظ: الإنسان.
[21244]:من ظ ومد، وفي الأصل: فلا تقتلوا.
[21245]:من ظ، وفي الأصل ومد: فطأنها.
[21246]:زيد من مد.
[21247]:من مد، وفي الأصل وظ: شدد.
[21248]:في ظ: فإذا بلغ.