ثم إنه لما ذكر ابتغاء النكاح بالأموال وأمر بإيفاء المهر والنفقات بيَّن عقيب ذلك أنه كيف يتصرف في الأموال فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } بما لا يبيحه الشرع بوجه وقد مر تفسيره في البقرة في قوله :{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }[ البقرة :188 ] { إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقد سبق مثله في آخر البقرة . وخص التجارة بالذكر وإن كان غير ذلك من الأموال المستفادة بنحو الهبة والإرث وأخذ الصدقات والمهور وأروش الجنايات حلالاً ، لأنّ أكثر أسباب الرزق يتعلق بالتجارة . ويدخل تحت هذا النهي أكل مال الغير بالباطل ، وأكل مال نفسه بالباطل كما أن قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } يدل على النهي عن قتل غيره وعن قتل نفسه . قال أبو حنيفة : النهي في المعاملات لا يدل على البطلان . وقال الشافعي : يدل لأن الوكيل إذا تصرف على خلاف قول المالك فذلك غير منعقد بالإجماع فالتصرف الواقع على خلاف قول المالك الحقيقي وهو الله سبحانه أولى أن يكون باطلاً . وأي فرق بين قوله : " لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين " وبين قوله : " لا تبيعوا الحر " وإذا كان الثاني غير منعقد بالاتفاق فكذا الأول . وقال أبو حنيفة : خيار المجلس غير ثابت في عقود المعاوضات المحضة لأن التراضي المذكور في الآية قد حصل . وقال الشافعي : لا شك أن هذا التراضي يقتضي الحل إلاّ أنا نثبت بعد ذلك للمتبايعين الخيار بقوله صلى الله عليه وسلم : " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا " . { ولا تقتلوا أنفسكم } من كان من جنسكم من المؤمنين لأنّ المؤمنين كنفس واحدة ، أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة حينما يعرضه غم أو خوف أو مرض شديد يرى قتل نفسه أسهل عليه . عن الحسن البصري قال : حدثنا جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان رجل جرح فقتل نفسه فقال الله : بدرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة " . وعن أبي هريرة قال : " شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام : هذا من أهل النار . فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراح . فقيل له : يا رسول الله الذي قلت له آنفاً إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار . فكاد بعض المسلمين أن يرتاب . فبيناهم على ذلك إذ قيل له : إنه لم يمت ولكن به جراحات شديدة ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله " .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً . ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً . ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " . وعن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صلّيت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله تعالى يقول : { ولا تقتلوا أنفسكم } فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً . وقيل : معنى الآية لا تفعلوا ما تستحقون به القتل من القتل والردة والزنا بعد الإحصان { إنّ الله كان بكم رحيماً } ولأجل رحمته نهاكم عما يضركم عاجلاً وآجلاً . وقيل من رحمته أنه لم يأمركم بقتل أنفسكم كما أمر بني إسرائيل بذلك توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.