غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (29)

23

ثم إنه لما ذكر ابتغاء النكاح بالأموال وأمر بإيفاء المهر والنفقات بيَّن عقيب ذلك أنه كيف يتصرف في الأموال فقال : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } بما لا يبيحه الشرع بوجه وقد مر تفسيره في البقرة في قوله :{ ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل }[ البقرة :188 ] { إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم } وقد سبق مثله في آخر البقرة . وخص التجارة بالذكر وإن كان غير ذلك من الأموال المستفادة بنحو الهبة والإرث وأخذ الصدقات والمهور وأروش الجنايات حلالاً ، لأنّ أكثر أسباب الرزق يتعلق بالتجارة . ويدخل تحت هذا النهي أكل مال الغير بالباطل ، وأكل مال نفسه بالباطل كما أن قوله تعالى : { ولا تقتلوا أنفسكم } يدل على النهي عن قتل غيره وعن قتل نفسه . قال أبو حنيفة : النهي في المعاملات لا يدل على البطلان . وقال الشافعي : يدل لأن الوكيل إذا تصرف على خلاف قول المالك فذلك غير منعقد بالإجماع فالتصرف الواقع على خلاف قول المالك الحقيقي وهو الله سبحانه أولى أن يكون باطلاً . وأي فرق بين قوله : " لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين " وبين قوله : " لا تبيعوا الحر " وإذا كان الثاني غير منعقد بالاتفاق فكذا الأول . وقال أبو حنيفة : خيار المجلس غير ثابت في عقود المعاوضات المحضة لأن التراضي المذكور في الآية قد حصل . وقال الشافعي : لا شك أن هذا التراضي يقتضي الحل إلاّ أنا نثبت بعد ذلك للمتبايعين الخيار بقوله صلى الله عليه وسلم : " المتبايعان كل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا " . { ولا تقتلوا أنفسكم } من كان من جنسكم من المؤمنين لأنّ المؤمنين كنفس واحدة ، أو لا يقتل الرجل نفسه كما يفعله بعض الجهلة حينما يعرضه غم أو خوف أو مرض شديد يرى قتل نفسه أسهل عليه . عن الحسن البصري قال : حدثنا جندب بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " كان رجل جرح فقتل نفسه فقال الله : بدرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة " . وعن أبي هريرة قال : " شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدعي الإسلام : هذا من أهل النار . فلما حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراح . فقيل له : يا رسول الله الذي قلت له آنفاً إنه من أهل النار فإنه قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات . فقال النبي صلى الله عليه وسلم إلى النار . فكاد بعض المسلمين أن يرتاب . فبيناهم على ذلك إذ قيل له : إنه لم يمت ولكن به جراحات شديدة ، فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال : الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله " .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من تردّى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً . ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً . ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً " . وعن عمرو بن العاص قال : احتلمت في ليلة باردة في غزاة ذات السلاسل فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صلّيت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا عمرو صلّيت بأصحابك وأنت جنب ؟ فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله تعالى يقول : { ولا تقتلوا أنفسكم } فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً . وقيل : معنى الآية لا تفعلوا ما تستحقون به القتل من القتل والردة والزنا بعد الإحصان { إنّ الله كان بكم رحيماً } ولأجل رحمته نهاكم عما يضركم عاجلاً وآجلاً . وقيل من رحمته أنه لم يأمركم بقتل أنفسكم كما أمر بني إسرائيل بذلك توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم .

/خ30