قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ } بالحرام يعني الربا والقمار والقطع والغصب والسرقة والخيانة .
وقال ابن عباس : هو الرجل يشتري من الرجل الثوب فيقول : إن رضيت أخذته وإلاّ رددته ورددت معه درهماً ، ثم قال : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً } يعني لكن إذا كانت تجارة استثناء منقطع ، لأن التجارة ليست بباطل .
قرأ أهل الكوفة : ( تجارة ) بالنصب وهو اختيار أبي عبيد .
وقرأ الباقون : بالرفع وهو اختيار أبي حاتم ، فمن نصب فعلى خبر كان تقديره : إلاّ أن تكون الأموال تجارة .
ومن رفع فعلى معنى إلاّ أن تقع تجارة وحينئذ لا خبر له . كقول الشاعر :
فدىً لبني ذهل بن شيبان ناقتي *** إذا كان يوم ذو كواكب أشهب
ثم وصف التجارة فقال : { عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } يرضى كل واحد منهما بما في يديه .
قال أكثر المفسرين : هو أن يخبر كل واحد من المتبايعين صاحبه بعد عقد المبيع حتى يتفرقا من مجلسهما الذي تعاقدا فيه ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " .
وقال صلى الله عليه وسلم : " البيع عن تراضي بالخيار بعد الصفقة ولا يحلّ لمسلم أن يغش مسلماً " .
وروى حكيم بن حزام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ، فإن صدقا وبيّنا بورك لهما في بيعهما ، فإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما " .
وابتاع عمر بن جرير فرساً ثم خير صاحبه بعد البيع ، ثم قال : سمعت أبا هريرة يقول : هذا البيع عن تراض .
{ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ } يعني إخوانكم ، أي لا يقتل بعضكم بعضاً .
قال الثعلبي : وسمعت أبا القاسم الحبيبي يقول : سمعت أبي عن جدّي عن علي بن الحسين الهلالي قال : سمعت إبراهيم بن الأشعث يقول : سأل الفضل بن عياض عن قوله : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ } قال : لا تغفلوا عن حظ أنفسكم ، فمن غفل عن حظ نفسه فكأنه قتلها .
{ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } .
عبد الرحمن بن جبير عن عمرو بن العاص أنه قال : " لما بعثه رسول الله عام ذات السلاسل قال : احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك ، فتيمّمت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح ، فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له فقال : " يا عمرو صليت بأصحابك وأنت جنب ؟ " . قلت : نعم يا رسول الله إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك وذكرت قول الله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } فتيمّمت ثم صليت ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً " .
وعن الحسن : أن الحرث بن عبد الله خلا بالنفر من أصحابه وقال : إن هؤلاء ولغوا في دمائهم فلا يحولنّ بين أحدكم وبين الجنة مل كف من دم مسلم أهراقه ، فأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن رجلا ممّن كان قبلكم خرجت به قرحة بيده فأخذ حزة فحزّها بيده حتى قطعها فما رقأ دمها حتى مات فقال ربّكم تعالى : بادرني ابن آدم بنفسه فقتلها فقد حرمت عليه الجنة " .
سماك عن جابر بن سمرة : أن رجلا ذبح نفسه فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
حماد بن زيد عن عاصم الأسدي : ذكر بأن مسروقاً بن الأجدع أتى صفين فوقف بين الصفين ثم قال : يا أيها الناس أنصتوا ، ثم قال : أرأيتم لو أنّ منادياً ناداكم من السماء فسمعتم كلامه ورأيتموه فقال : إن الله ينهاكم عمّا أنتم فيه ، أكنتم مطيعيه ؟ قالوا : نعم . قال : فوالله لنزل بذلك جبرئيل على محمد فما زال يأتي من هذا ثم تلا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ } الآية ثم انساب في الناس فذهب .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.