مدارك التنزيل وحقائق التأويل للنسفي - النسفي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُوٓاْ أَمۡوَٰلَكُم بَيۡنَكُم بِٱلۡبَٰطِلِ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٖ مِّنكُمۡۚ وَلَا تَقۡتُلُوٓاْ أَنفُسَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمۡ رَحِيمٗا} (29)

{ يَأَيُّهَا الذين ءَامَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أموالكم بَيْنَكُمْ بالباطل } بما لم تبحه الشريعة من نحو السرقة والخيانة والغصب والقمار وعقود الربا { إِلا أَن تَكُونَ تجارة } إلا أن تقع تجارة . « تجارة » : كوفي أي إلا أن تكون التجارة تجارة { عَن تَرَاضٍ مّنْكُمْ } صفة ل «تجارة » أي تجارة صادرة عن تراض بالعقد أو بالتعاطي . والاستثناء منقطع معناه ولكن اقصدوا كون تجارة عن تراضٍ ، أو ولكن كون تجارة عن تراضٍ غير منهي عنه . وخص التجارة بالذكر لأن أسباب الرزق أكثرها متعلق بها ، والآية تدل على جواز البيع بالتعاطي وعلى جواز البيع الموقوف إذا وجدت الإجازة لوجود الرضا ، وعلى نفي خيار المجلس لأن فيها إباحة الاكل بالتجارة عن تراض من غير تقييد بالتفرق عن مكان العقد والتقييد به زيادة عن النص { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } من كان من جنسكم من المؤمنين لأن المؤمنين كنفس واحدة ، أو ولا يقتل الرجل نفسه كما يفعله الجهلة ، أو معنى القتل أكل الأموال بالباطل فظالم غيره كمهلك نفسه ، أو لا تتبعوا أهواءها فتقتلوها أو تركبوا ما يوجب القتل { إِنَّ الله كَانَ بِكُمْ رَحِيماً } ولرحمته بكم نبهكم على ما فيه صيانة أموالكم وبقاء أبدانكم . وقيل : معناه أنه أمر بني إسرائيل بقتلهم أنفسهم ليكون توبة لهم وتمحيصاً لخطاياهم ، وكان بكم يا أمة محمد رحيماً حيث لم يكلفكم تلك التكاليف الصعبة .