نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (80)

ولما أبدى هذه الأدلة في إبطال الضلال بالكواكب{[30122]} والشمس{[30123]} التي هي{[30124]} أوضح من الشمس ، عطف عليها الإخبار بأنهم لم يرجعوا إليه{[30125]} بل حاجوه ، فقال : { وحاجه قومه } بأنهم لا ينفكون عن عبادتها لأنهم{[30126]} وجدوا آباءهم كذلك ، وأنه إن{[30127]} لم يرجع عن الكلام فيها أصابته ببعض النوازل ، وذلك من أعظم التسلية لهذا النبي العربي الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم .

ولما كان من المعلوم أن محاجتهم - بعد هذه الأدلة الواضحة في غاية من السقوط - سفلت عن الحضيض ، نزه المقام عن ذكرها ، إشارة إلى أنها بحيث لا يستحق الذكر ، وبين جوابه لما فيه من الفوائد الجمة{[30128]} بقوله : { قال } أي بقول{[30129]} منكراً عليهم موبخاً لهم : { أتحاجوني } وصرح باسم الرب العلم الأعظم في قوله : { في الله } أي شيء{[30130]} مما يختص به المستجمع لصفات الكمال لا سيما التوحيد { وقد } أي والحال أنه قد { هدان } أي{[30131]} أرشدني بالدليل القطعي إلى معرفة كل ما يثبت{[30132]} له وينفى عنه ، أي لأنه قادر ، فبين أنه تعالى قد أحسن إليه ، فهو يرجوه لمثل ذلك الإحسان ، ويخافه من{[30133]} عواقب العصيان ، لأن من رُجي خيره خيف ضيره ، ومن كان بيده{[30134]} النفع والضر{[30135]} والهداية والإضلال فهو من وضوح الأمر وظهور الشأن بحيث لا توجه نحوه المحاجة ، وأتبعه بيان أن معبوداتهم مسلوب عنها ما يوجه إليه الهمم ، فقال عاطفاً على ما تقديره : فأنا أرجوه وأخافه لأنه قادر : { ولا أخاف ما تشركون به } ولا أرجوه لهداية ولا إضلال ولا غيرهما لأنه عاجز ، فأثبت لله القدرة بالهداية لأنها أشرف ، وطوى الإضلال{[30136]} لدلالتها ودلالة ما نفي في جانب الشركاء عليه ، وأثبت لآلهتهم العجز بنفي الخوف المستلزم لنفي القدرة على الضر . وذلك دال على أن الله تعالى أهل لأن يخاف منه . كل ذلك تلويحاً لهم بأن العاقل لا ينبغي له أن يخالف إلاّ من يأمن{[30137]} ضره ، فهم في مخالفتهم لله في غاية من الخطر ، لا يرتكبها عاقل ، والآية من الاحتباك .

ولما نفى عن نفسه خوف آلهتهم أبداً في الحال والاستقبال ، وكان من الأمر البين في الدين الحق أنه لا يصبح الإيمان إلاّ مع الإقرار بخفاء العواقب{[30138]} على العباد وإثبات العلم بها لله{[30139]} تسليماً لمفاتيح الغيب إليه ، وقصرها عليه ؛ قال مستثنياً من سبب{[30140]} النفي ، وهو أنها لا تقدر{[30141]} على شيء : { إلا أن يشاء ربي } المحسن إليّ في حال الضر كما هو محسن في حال النفع { شيئاً } أي من تسليطها بأنفسها أو باتباعها ، لأنه قادر على ما يريد ، فإن أراد أنطق{[30142]} الجماد وأقدره ، وأخرس الناطق الفصيح وأعجزه ، فأنا لا أخاف في الحقيقة غيره .

ولما كان هذا في صورة التعليق ، وكان التعليق{[30143]} وما شابهه من شأنه أن لا يصدر إلاّ من متردد{[30144]} ، فيكون موضع إطماع للخصم فيه ، علله بما أزال هذا الخيال فقال : { وسع ربي كل شيء علماً } أي فأحاط بكل شيء قدرة ، فهو إذا أراد إقدار العاجز أزال عنه كل مانع من القدرة ، و{[30145]} أثبت{[30146]} له كل مقتض لها ، وذلك ثمرة شمول العلم - كما سيأتي برهانه إن شاء الله تعالى في سورة طه ، فالمراد أني ما تركت الجزم لشك عندي ، وإنما تركته لعدم علمي بالعواقب إعلاماً بأن تلك رتبة لا تصلح إلاّ لله الذي وسع علمه كل شيء ، وأدل دليل على هذا اتباعه له بإنكاره عليهم عدمَ الإبلاغ في{[30147]} التذكر{[30148]} بقوله مظهراً تاء التفعل إشارة إلى أن في جبلاتهم أصل التذكر{[30149]} الصاد{[30150]} عن الشرك :{ أفلا تتذكرون{[30151]} } أي يقع منكم تذكر ، فتميزوا بين الحق والباطل بأن تذكروا مآلكم من أنفسكم{[30152]} بأن من{[30153]} غاب عن مربوبه فسد أو كاد ، {[30154]} وأن هذه{[30155]} الجمادات لا تنفع ولا تضر ، وأنها مصنوعكم ،


[30122]:في ظ: الكواكب.
[30123]:في ظ: الذي هو.
[30124]:في ظ: الذي هو.
[30125]:سقط من ظ.
[30126]:من ظ، وفي الأصل: لا.
[30127]:زيد من ظ.
[30128]:من ظ، وفي الأصل: الجملة.
[30129]:سقط من ظ.
[30130]:سقط من ظ.
[30131]:زيد من ظ.
[30132]:في ظ: ينسب.
[30133]:من ظ، وفي الأصل: عن.
[30134]:في ظ: الضر والنفع.
[30135]:في ظ: الضر والنفع.
[30136]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[30137]:زيد ما بين الحاجزين من ظ.
[30138]:من ظ، وفي الأصل: العرابق، وزيد بعده في ظ: على العواقب- كذا.
[30139]:سقط من ظ.
[30140]:من ظ،ن وفي الأصل: مسبب.
[30141]:من ظ، وفي الأصل: لا يقدر.
[30142]:في ظ: نطق.
[30143]:زيد من ظ.
[30144]:من ظ، وفي الأصل: مردد.
[30145]:في ظ: فاثبت.
[30146]:في ظ: فاثبت.
[30147]:من ظ، وفي الأصل: مردد.
[30148]:من ظ، وفي الأصل: التذكير.
[30149]:في ظ: الذكر.
[30150]:في ظ: الصادد.
[30151]:من القرآن الكريم، وفي الأصل و ظ: أفلا تذكرون، والآية بإظهار التاءين بلا خلاف.
[30152]:من ظ، وفي الأصل: من أن.
[30153]:من ظ، وفي الأصل: من أن.
[30154]:من ظ، وفي الأصل: اوهداه- كذا.
[30155]:من ظ، وفي الأصل:اوهداه- كذا.