لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن - الخازن  
{وَحَآجَّهُۥ قَوۡمُهُۥۚ قَالَ أَتُحَـٰٓجُّوٓنِّي فِي ٱللَّهِ وَقَدۡ هَدَىٰنِۚ وَلَآ أَخَافُ مَا تُشۡرِكُونَ بِهِۦٓ إِلَّآ أَن يَشَآءَ رَبِّي شَيۡـٔٗاۚ وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيۡءٍ عِلۡمًاۚ أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ} (80)

قوله عز وجل : { وحاجَّه قومه } يعني وخاصمه قومه وذلك لما أظهر إبراهيم عليه السلام عيب آلهتهم التي كانوا يعبدونها وأظهر التوحيد لله عز وجل خاصمه قومه وجادلوه في ذلك فقال : أتحاجوني في الله . يعني تجادلونني في توحيدي لله وقد هداني وقد بين لي طريق الهداية إلى توحيده ومعرفته . وقال البغوي : لما رجع إبراهيم إلى أبيه وصار من الشباب بحالة تسقط عنه طمع الذابحين وضمه آزر إلى نفسه جعل آزر يصنع الأصنام ويعطيها إبراهيم يبيعها فيذهب إبراهيم وينادي من يشتري ما يضره ولا ينفعه فلا يكتريها أحد فإذا بارت عليه ذهب بها إلى نهر فصوب فيه رؤوسها وقال اشربي استهزاء بقومه وبما هم فيه من الضلالة حتى فشا استهزاؤه بها في قومه وأهل قريته حاجه قومه يعني خاصمه وجادله قومه في دينه { قال } يعني إبراهيم { أتحاجّوني في الله وقد هدان } يعني إلى توحيده ومعرفته { ولا أخاف ما تشركون به } وذلك أنهم قالوا له : احذر الأصنام فإنا نخاف أن تمسَّك بخبل أو جنون لعيبك إياها فأجابهم بقوله ولا أخاف ما تشركون به فإنها جمادات لا تضر ولا تنفع وإنما يكون الخوف ممن يقدر على لا نفع والضر وهو قوله { إلا أن يشاء ربي شيئاً } يعني لكن أن يشأ ربي شيئاً كان ما يشاء لأنه قادر على النفع والضر وإنما قال إبراهيم ذلك لاحتمال أن الإنسان قد يصيبه في بعض حالاته وأيام عمره ما يكرهه فلو أصابه مكروه نسبوه إلى الأصنام فنفى هذه الشبهة بقوله { إلا أن يشاء ربي شيئاً } وهذا استثناء منقطع وليس هو من الأول في شيء . والمعنى ولكن إن شاء ربي شيئاً كان { وسع ربي كل شيء علماً } يعني أحاط علمه بكل شيء فلا يخرج شيء عن علمه { أفلا تتذكرون } يعني أفلا تعتبرون أن هذه الأصنام جمادات لا تضر ولا تنفع وأن الضار هو الذي خلق السماوات والأرض ومن فيهما .